يعتبر الفنان "منيب النقشبندي" نجم سطع في سماء الحركة التشكيلية في "حلب"، فإليه ترجع قواعد وأسس الفن التشكيلي ومنه تنطلق تلك المرحلة لتأسس حضارة تشكيلية عربية تربعت فيما بعد على عرش الحضارة الغربية.

موقع eAleppo التقى المؤرخ "عامر رشيد مبيض" الذي كشف لنا النقاب عن تاريخ وحضارة ذلك الفنان حيث بدأ حديثه لنا بالقول: «"منيب النقشبندي" هو رائد من رواد الفن التشكيلي في سورية في القرن العشرين، ولد في "حلب" عام /1890/ درس اللغة العربية، والقرآن الكريم واللغة التركية في "عينتاب" وأتقن الخط العربي، ثم درس في المدرسة الرشيدية، ودرس الإعدادية والثانوية في المدرسة السلطانية "المأمون"، درّس في دار المعلمين بـ "حلب"، وكان معه "ألفرد بخاش"، وأحب فن الرسم ووضع التصميمات فقام بتصاميم عديدة، إذ كان يرسم للبلدية في عهد المستشار "مسيو نيم".

تعتبر تجربة الفنان "منيب النقشبندي" الفنية في مفهوم النقد الفني الحديث من التجارب التي اعتمدت على أسلوب المدارس الكلاسيكية والتسجيلية التي كانت تتناسب مع المفاهيم التقليدية السائدة في ذلك الوقت، رغم محاولاته في تطويرها بالموضوع والشكل، وقد رسم المناظر الطبيعية وبعض الأحداث الحياتية في زمانه

تميز أسلوبه بالرومانسية في التعبير والأسلوب، تعرف على "جمال باشا السفاح" بـ "حلب" فأعطاه تخصيصات ضابط أثناء الحرب العالمية الأولى وطلب منه مخطط مستشفى، أسس مدرسة "التجهيز للبنات" لأول مرة بـ "حلب" ودار المعلمين، والتجهيز الثانية للذكور، من طلابه قنصل ألمانيا وقتئذ، و"نوبار الطوانيان"، وكان يعطي شهادة كي يصبح تلميذه أستاذاً للرسم، كان له الفضل أيضاً في تأسيس أول معهد حر للتعليم في "حلب"، خلال الحرب العالمية الأولى، من تلامذته "وهبي الحريري"، "غالب سالم"، أقام معارض في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، وألف كتاباً في الرسم أهداه لـ "ساطع الحصري"، صمم وخطط جدار ضريح "إبراهيم هنانو"، و"سعد الله الجابري"، والجندي المجهول، منحته الحكومة السورية وساما وكرمته، تزوج عام /1936/ وله من الأولاد "عنتر" و"مروان" وابنة واحدة اسمها "فلك"».

مؤرخ حلب المعاصر "عامر مبيض"

وأما الفنان "منيب النقشبندي" فأهميته تكمن من كونه الشرارة الأولى التي انطلقت منها الحركة التشكيلية بـ "حلب" هذا ما تحدث به الناقد والفنان التشكيلي "محمود مكي" فيقول: «درس الفن دراسة حرة ثم رافق المهندس الفرنسي الذي صمم ساعة باب الفرج حيث لازمه أثناء وجوده، وقد صور هذا المهندس بعض أهم المشاهد الطبيعية والحياتية لمدينة "حلب" ومازال متحف حلب الوطني يحتفظ ببعض من أعماله في صالة الفن الحديث.

عمل الفنان "منيب النقشبندي" بتدريس مادة الفن في أكثر مدارس "حلب" وعلى مختلف الصعد فكان له الريادة في بعث لهم دورهم الكبير في تأسيس الحركة التشكيلية السورية، ومن أهم تلاميذه الفنان الرائد "محمد غالب سالم" الذي يعتبر أول فنان سوري يحصل على إجازة عالية في الفن من "روما" عام /1936/ والفنان الرائد "وهبي الحريري" الذي درس الفن بإيطاليا وعاد وافتتح أول مرسم في "حلب" لتعليم الفن للهواة، كان الفنان "منيب النقشبندي" يصب كل اهتمامه في تعليم الفن للشباب وفي إدخال المفاهيم العلمية للفن ليدرك الناس مقدار أهمية الفنون في بناء الوطن وحضارته الحديثة، وتغير المفاهيم المغلوطة عن الفن والتي كانت سائدة في ذلك الوقت».

الناقد الأستاذ "محمود مكي"

وأضاف "مكي" قائلاً: «تعتبر تجربة الفنان "منيب النقشبندي" الفنية في مفهوم النقد الفني الحديث من التجارب التي اعتمدت على أسلوب المدارس الكلاسيكية والتسجيلية التي كانت تتناسب مع المفاهيم التقليدية السائدة في ذلك الوقت، رغم محاولاته في تطويرها بالموضوع والشكل، وقد رسم المناظر الطبيعية وبعض الأحداث الحياتية في زمانه».

تعتبر لوحته "دخول الجيش العربي إلى حلب" من الأعمال الهامة وبها ختم الفنان "مكي" حديثه قائلاً: «فهي تمثل مرحلة مبكرة في إسهامه لإذكاء الشعور الوطني، ووعيه لأهمية الفن في بناء حركة التحرر القومي، كما مثل مقدار نفهمه ووعيه الكبير لمهمة الفن والفنان في الحياة اليومية، وقد اعتبرها النقاد تجربة فنية عامة ومتميزة ضمن تجارب الفن التشكيلي السوري، ولهذا كانت تجربته الفنية متميزة بمحاولات متقدمة وخاصة في محاكاة الواقع المرئي مظهرا جل براعته الفائقة في الأداء بالشكل والمضمون، كما أسس الفنان أول معهد حر لتعليم الفن خلال الحرب العالمية الأولى وجعل مرسمه الخاص ساحة حرة للهواة لتعليم المفاهيم الأساسية للفن، توفي الفنان "منيب النقش بندي" عام 1969 بعد معاناة في إدخال المفاهيم الجديدة للفن ولإبراز مقدار أهميته في بناء الحركة الثقافية والحضارة العربية».