يعد الفنان التشكيلي الراحل "نبيه قطاية" بحق أحد أعمدة الفن التشكيلي في "حلب" وعموم سورية من خلال ما قدمه من عطاءات مهمة خلال حياته للحركة التشكيلية السورية سواء بأعماله الفنية أو من خلال تخريجه للعديد من الفنانين الذين أصبح لهم دور بارز في تطوير مسيرة الحركة الفنية في البلاد.

حول الفنان الراحل "نبيه قطاية" وتجربته الفنية يقول الناقد الفني "محمود مكي" لموقع eAleppo: «قبل رحيله بحوالي الشهر تقريباً دعاني المرحوم "نبيه قطاية" إلى بيته كي أشاهد متحفه الصغير حيث استقبلني بوجهه البشوش وبسمته الدائمة وجلسنا نشرب الشاي وبدأ حديثه معي حول معاناته مع المرض وكيف أن الأطباء أعلموه بأن هذا المرض هو ضريبة الفنان صاحب الإحساس المرهف ومنعوه من التأثيرات النفسية وأي جهد مضاعف.

إذا كان الفنان "نبيه قطاية" قد بدأ تجربته الأولى في مطلع الستينيات من القرن الماضي فإنّ تجربته تألقت في المعرض الذي أقامه في صالة بلاد الشام بحلب 1992 حيث قرأنا فيه ملامح التعبيرية بوضوح وذلك من خلال تصوير الموضوعات الإنسانية والقضايا الكونية التي تعكس الموقف والمقولة والأسطورة من خلال ما تراكم في ذاكرته من الفلسفات والديانات والمفاهيم وعبر ما ترسخ لديه من مشاعر جماعية وفردية حيث تتدفق الصور عنده وكأنه يعيد قراءة نفسه ويكتشف ذاته سعياً وراء معرفة النفس باعتبارها مفتاح السعادة. لقد حاول فناننا أن يقدم شخوصه دفعة واحدة مفسحاً لهم الفرصة في اللعب بحرية دون عقبات وقيود وتركهم يجنحون بكل ما يملكون من طاقات فاللوحة عنده صرخة عاشق مطعون يغني بصوت أجش

ولد الفنان "نبيه قطاية" في "سوق النحاسين" وهو أحد أحياء "حلب" الشعبية في العام 1934 من أسرة معروفة في الحياة الثقافية بحلب فأخوه "سليم قطاية" كان أحد أعمدة الدراما التلفزيونية السورية والثاني كان الطبيب الباحث المعروف "سلمان قطاية" مؤلف كتاب /مأساة الفنان فتحي محمد/ وقد ساعده هذا المناخ الثقافي على أن تتفتح مواهبه الأدبية والفنية منذ طفولته وخاصّة أنّ الفنان الكبير "فاتح المدرس" كان صديق العائلة.

الناقد الفني محمود مكي

قام المرحوم في بداية حياته بكتابة القصة القصيرة وذلك في المرحلة الجامعية وكتابة المقالة الفنية ونشرها في بعض الصحف وهذا ما ساعده على اكتساب ثقافة فنية واسعة خلال مطالعاته وتشجيع العائلة له على المثابرة وخاصّة في التصوير الزيتي حيث شارك في الخمسينيات من القرن المنصرم في بعض المعارض الرسمية السنوية وذلك بعد نجاح لوحاته التي شارك فيها في معرض الجامعة حيث لفتت الأنظار إليه، وعاد "نبيه قطاية" إلى "حلب" بعد تخرجه في كلية الفلسفة وعلم النفس في جامعة دمشق وانكبّ على موضوع رسالته التي لها علاقة بالفن حيث أبدى نشاطاً غير عادي في مدينته "حلب" وذلك عندما عُيّن مديراً لأحد مراكز الثقافة في ريفها ثم أستاذاً لتدريس مادة الفلسفة في مدارس "حلب" ودور المعلمين بالإضافة إلى تدريسه علم الجمال في مركز "فتحي محمد" للفنون حيث التف حوله عدد من شباب الفن الواعد».

ويضيف "مكي": «في العام /1968/ أقام نبيه معرضاً مشتركاً مع زملائه "محمد عساني" و"عبد الرزاق صباهي" و"ليد سرميني" باسم /معرض رواد الفن/ في صالة المتحف الوطني بحلب أثار ضجة في الوسط الثقافي، كما شارك في معرض /جماعة النقطة / التي ضمت "سعيد الطه" و"سعد يكن" و"عبد الرحمن مؤقت" و"وحيد مغاربة" و"زهير دباغ" و"عبد الرحمن مهنا"، وفي العام 1992 أقام معرضاً مع الفنانين "عبد الرحمن مهنا" و"طاهر البني" في مدينة دمشق وفي نفس العام أقام معرضه الفردي الوحيد في صالة بلاد الشام بحلب قدم فيه باكورة إنتاجه الفني وأسلوبه وفكره ومواضيعه التي تناولها في أعماله الفنية حيث صور فيها هموم الإنسان في هذه الحياة القاسية معبراً عن هذه الهموم باعتماده على الأساطير الشعبية والحضارات التراثية التي قامت على هذه الأرض الطيبة كما كان يسميها وقد جسّد في معرضه بشكل درامي صراع الخير والشر كما أخذت المرأة في أعماله حيزاً كبيراً معبراً بها عن علاقتها اللاواقعية مع الرجل الذي يغتالها في كل وقت.

الباحث الفني طاهر البني

في بداية الثمانينيات اهتم الفنان "نبيه قطاية" بتقنيات الضغط على النحاس وحاول توظيف ذلك فنياً بهدف الوصول إلى مقومات مفهوم اللوحة الفنية وقد شارك ببعض تلك الأعمال في معارض جماعية حيث قدمها على شكل روليفات نافرة تبرز فيها عناصر اللوحة وكأنها قطعة نحتية بارزة وقد نجح مع بعض الفنانين أمثال "محمد إعزازي" و"أنور تركماني" في قبول مثل هذه الأعمال فنياً على المستوى الجماهيري كما شارك مع زملائه "محمد إعزازي" و"أنور تركماني" في صنع عمل ضخم لصالة محطة القطار بحلب الذي يعتبر الأول من نوعه».

ويقول الباحث والفنان التشكيلي "طاهر البني" عن تجربة المرحوم "نبيه قطاية": «إذا كان الفنان "نبيه قطاية" قد بدأ تجربته الأولى في مطلع الستينيات من القرن الماضي فإنّ تجربته تألقت في المعرض الذي أقامه في صالة بلاد الشام بحلب 1992 حيث قرأنا فيه ملامح التعبيرية بوضوح وذلك من خلال تصوير الموضوعات الإنسانية والقضايا الكونية التي تعكس الموقف والمقولة والأسطورة من خلال ما تراكم في ذاكرته من الفلسفات والديانات والمفاهيم وعبر ما ترسخ لديه من مشاعر جماعية وفردية حيث تتدفق الصور عنده وكأنه يعيد قراءة نفسه ويكتشف ذاته سعياً وراء معرفة النفس باعتبارها مفتاح السعادة.

من أعمال الفنان الراحل

لقد حاول فناننا أن يقدم شخوصه دفعة واحدة مفسحاً لهم الفرصة في اللعب بحرية دون عقبات وقيود وتركهم يجنحون بكل ما يملكون من طاقات فاللوحة عنده صرخة عاشق مطعون يغني بصوت أجش».

ويختم الأستاذ "طاهر" حديثه بالقول: «درس "نبيه قطاية" الفلسفة وعلم النفس في كلية التربية بجامعة دمشق وكانت رسالته الجامعية هو في موضوع العلاقة بين المجتمع وفن الرسم عبر التاريخ، شارك في العديد من المعارض الجماعية التي أقيمت في جامعة دمشق منذ منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم كما شارك في معظم المعارض السنوية التي كانت تقيمها وزارة التربية ومديرية الآثار ووزارة الثقافة خلال فترة الستينيات وما بعدها وله العديد من المعارض الجماعية، عمل مدرساً لمادة الفلسفة وعلم النفس في دار المعلمين بحلب كما عمل مدرساً لتاريخ الفن وعلم الجمال في مركز الفنون التشكيلية بحلب، مارس النقد الفني الميداني من خلال المحاضرات والندوات الفنية في "حلب" ودمشق وكتب في العديد من الصحف السورية، اقتنت مديرية الآثار والمتاحف من أعماله الموجودة في متحف "حلب" كما اقتنت له وزارة الثقافة ومديرية المركز الثقافي الاسباني بدمشق، وأخيراً توفي الفنان "نبيه قطاية" بتاريخ 18 آب 2001 في مدينة "حلب"».