كما حدث مع العالم "غاليلو" عندما أثبت دوران الأرض يحدث في "حلب" مع من يؤسسون لإنشاء رياضة "البريك دانس"، حيث اعتادت المجتمعات كافة وعبر مراحل تاريخية عديدة على الوقوف في وجه كل فكرة جديدة تقتحم الجو العام لهذا المجتمع متذرعين بالعديد من الحجج منها المتصل بالدين والأعراف السماوية ومنها ما يتصل بالعادات والتقاليد السائدة والأعراف الأخلاقية ومن العادات الجديدة ما يتم رفضه لأسباب مجهولة، والتي قد تكون صوابا أو خطأ في حد ذاته.

فمع إشراق شمس الألفية الثانية راحت رياضة "البريك دانس" والتي تعتبر رقصة ورياضة في آن واحد تقتحم الجو مدينة "حلب" الذي رفضها عن بكرة أبيها، إلا أن إصرار محبيها وتحديهم للجو العام جعل منها رياضة معترف بها بنواد ومدارس علنية وليست سرية، إلا أن أهالي مدينة "حلب" حافظوا على الصبغة الأولى وبقي لديهم رفض شبه قاطع لهذه الرياضة بحجج عديدة.

كنت قد التزمت بالتمارين رغم معارضة أهلي وأغلب من يلوذ بي بسبب رفض المجتمع لهذه الرياضة مما أدى إلى انعزالي عن أهلي رغم محاولتي لأن أشرح معاني هذه الرياضة وكان هذا كله لأخدم هذه الرياضة التي منحتني الكثير وأمنت لي الراحة النفسية

موقع eSyria التقى يوم الجمعة 6/2/2009 مدرب "البريك دانس" السيد "بسام خياطة" والذي يعتبر أول راقص ومدرب "بريك دانس" في "حلب" والتمس منه واقع الحرب الشعواء التي يعيشها مع الكثير من الذين يرفضون هذا النوع من الرقص فيحدثنا عن رأي المجتمع قائلا:

بسام خياطة

«هناك وجهة نظر خاطئة عن هذا النوع من الرقص من المجتمع الشرقي بشكل عام وفي مدينة "حلب" خاصة المتزمتة إلى حد كبير بعاداتها وتقاليدها الشرقية، إذ يعتبر الكثيرون هذا النوع من الرقص نوعا سوقيا داعيين إياه بـ "رقص الشارع" وهذه التسمية غير صحيحة لكنها تعود إلى أسباب منها أن هناك البعض ممن يحبون "البريك دانس" كانوا يرقصون في الشارع بسبب عدم توفر أندية أو أماكن مناسبة لممارسة هذه الرقصة، إضافة إلى العادات الشرقية التي تقف ضد هذا النوع من الرقص بحجة أنها تقليد للغرب ومنافية للأخلاق، لأنها تعتمد على حركات غريبة منها الشقلبات الهوائية والشقلبات الأرضية التي وقف الكثير من الناس ضدها».

ويتابع "الخياطة" في حديثه عن الرأي العام المنافي لهذه الظاهرة الجديدة:

لؤلي نبهان.

«من جهة أهم يأتي موضوع اللباس الذي يلبسه راقص "البريك دانس" إذ يعتمد على المشدات على الأيدي واللباس المريح المتمثل بالبيجاما ذات القبعة وما إلى ذلك مما لم يعتد عليه الشعب الشرقي بشكل عام، إلا أن الناس في "حلب" بدؤوا يقتنعون بوجود هذا النوع من الرقص على أنه رياضة مفيدة للجسم وبدأت تنتشر النوادي والمدارس التي تتبنى هذه الرياضة وتدعمها ومنها في الجامعات السورية وأخرى في المدارس لكنها مازالت في نطاق ضيق وشبه مرفوض حتى يومنا هذا».

وفي ذات السياق يحدثنا الشاب "لؤي نبهان" والذي يتدرب منذ عام لدى المدرب "بسام خياطة" عن تجربته في هذه الرياضة وأسباب التزامه بها معرجا إلى رأي المجتمع عنه كراقص "بريك دانس" فيقول:

لؤي في إحدى حركات البريك دانس

«تعرفت على الأستاذ "بسام خياطة" منذ سنة تقريبا عن طريق الصدفة عندما كان يرقص في الشارع برفقة ثلة من الشباب وأحببت الذي يفعله في الرقص فطلبت منه أن يعلمني هذا النوع من الرقص، وأنا ملتزم معه بشكل كبير بسبب أني عشقت هذه الرياضة بعد أن تعرفت على تفاصيلها، حيث أصبحت أحقق ذاتي من خلالها وأفرغ غضبي وعواطفي من خلالها، فهي تعتبر الملاذ لي من أي ثورة تواجهني».

وتابع الشاب "النبهان" قائلا:

«كنت قد التزمت بالتمارين رغم معارضة أهلي وأغلب من يلوذ بي بسبب رفض المجتمع لهذه الرياضة مما أدى إلى انعزالي عن أهلي رغم محاولتي لأن أشرح معاني هذه الرياضة وكان هذا كله لأخدم هذه الرياضة التي منحتني الكثير وأمنت لي الراحة النفسية».

أما عن تاريخ هذه الرياضة وبداية انتشارها يحدثنا المدرب "بسام خياطة" قائلا:

«بدأت هذه الرياضة حوالي العام (1975) في ضواحي "أمريكا" التي كان يسكنها الزنوج الفقراء والذين كانوا مضطهدين بشكل كبير من قبل البيض هناك، فحاول هؤلاء الزنوج أن يثبتوا فعاليتهم في المجتمع وإمكانيتهم للقيام بأعمال صعبة ليس بمقدور غيرهم القيام بها وكان ذلك عن طريق إيجاد رقص "البريك دانس" الذي يتطلب ليونة كبيرة ومقدرة جسدية عالية لا يستطيع إنسان عادي أن يقوم بحركاتها، وفعلا بهر الزنوج العالم آنذاك وراح صيتهم يكبر وينتشر بمقدرتهم الجسدية العالية إلى أن أصبح البيض طلابا لدى الزنوج في أميركا يتعلمون رقص "البريك دانس"، وكانت هذه الرياضة بدون قواعد في بادئ الأمر إذ كانت تقتصر على تقليد الحشرات كتقليد الذباب وتقليد حركات الضفدع بأسلوب جمالي يهدف إلى إبراز لياقة الزنوج وتفوقهم على غيرهم في اللياقة».

ومن الجدير ذكره أنه وفي عام في العام (2004) أقيمت بطولة لرقص "البريك دانس" في "دمشق" مما ساعد على انتشار هذه الرياضة والتعريف بها، إذ ظهرت العديد من المدارس والنوادي التي كانت تعمل بالخفاء وتم إيجاد قواعد رياضية فنية لهذه اللعبة في سورية، كما يذكر أن جامعة "حلب" قد أسست ناد خاص لتعليم رقص "البريك دانس" بموافقة المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة ورئاسة جامعة "حلب".

هكذا ورغم محاولات عديدة يقوم بها راقصو ومدربو "البريك دانس" لجعل هذه الرياضة رائجة بين عقول المجتمع الشرقي، إلا أنها وعلى مدار عقد وأكثر من الزمن بقيت في دائرة المحظورات لدى الشعب الحلبي عامة.