لأهمية التوعية الصحية ودورها الكبير في إنشاء أسرة سليمة تؤمن بأهمية الوعي الصحي الأسري من خلال التنظيم العقلاني السليم للأسرة، وبعيدا عن العادات الإنجابية الخاطئة التي لطالما كانت ترمي بظلالها الثقيلة على كاهل الأسرة والمجتمع. وإيمانا بأهمية كل هذا كان لا بد من إطلاق حملة إعلامية وطنية لنشر التوعية الصحية الأسرية.

فبعد حوالي السبعة أشهر من إطلاق الحملة الإعلامية لتنظيم الأسرة وصحة الأمهات في "سورية" والتي تحمل شعار "ماما بخير كلنا بخير" والتي كانت باكورة فعالياتها في العاصمة "دمشق" بتاريخ 12/12/2009. نهحت وزارة الإعلام نهجاً محدداً للحملة بإطلاقها للحملات الفرعية في المناطق المعنية بها، فأطلقت الحملة في "دير الزور" مطلع العام الحالي 2010م، ومن ثم في منطقة "منبج" بمحافظة "حلب" بتاريخ 23/7/2010م.

تتضمن الحملة نشاطات إعلامية، اتصالات شخصية مباشرة مع كافة شرائح المجتمع لتحفيزهم على الاهتمام أكثر بهذه القضايا. سيكون هناك برامج إذاعية، وتلفزيونية سيتم بثها في المنطقة الموجودة فيها الحملة، بالإضافة إلى الشاخصات الإعلانات الطرقية، وتغطية شاملة بالصحف وجميع وسائل الإعلام

وللتعرف أكثر عن ماهية هذه الحملة وأهدافها التقى موقع eAleppo مع الأستاذ "مازن نفاع" مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام، الذي تحدث عن دور الوزارة في هذه الحملة قائلاً: «تأتي هذه الحملة ضمن نشاطات وزارة الإعلام بالتعاون مع كافة الجهات المعنية بالسكان ولاسيما الصحة الإنجابية وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان. الحملة جاءت نتيجة لدراسة قمنا بها في المناطق الشمالية الشرقية تشمل خمس محافظات "دير الزور"، "الرقة"، "الحسكة"، "حلب"، و"إدلب"، وتبين لنا أن هناك معدلات نمو مرتفعة وهذه المحافظات الخمس تشكل تقريبا حوالي 47% من مجمل سكان سورية.

الأستاذ مازن نفاع

ومن يطلع على هذه النسبة يلاحظ ارتفاعها كون خمس محافظات تشكل نسبة النصف مقابل التسع محافظات الأخرى.

لذلك وجدنا أنه من الضروري الاهتمام بقضايا الصحة والتوعية الإعلامية حول موضوع تنظيم الأسرة والاهتمام بصحة الأم ورعايتها قبل الولادة وأثناءها وحتى ما بعد الولادة. ومجموعة هذه القضايا حفزتنا للقيام بهذه الحملة الإعلامية.

من ورشات عمل جايكا في منبج

تم إطلاق الحملة في دمشق بتاريخ 12/12/2009، ومن ثم قررنا إطلاقها في المحافظات نفسها، فأطلقناها في "دير الزور" في مطلع العام الحالي، وبتاريخ 23/6 في "منبج" بمحافظة "حلب"».

وعما تتضمنه الحملة أضاف: «تتضمن الحملة نشاطات إعلامية، اتصالات شخصية مباشرة مع كافة شرائح المجتمع لتحفيزهم على الاهتمام أكثر بهذه القضايا. سيكون هناك برامج إذاعية، وتلفزيونية سيتم بثها في المنطقة الموجودة فيها الحملة، بالإضافة إلى الشاخصات الإعلانات الطرقية، وتغطية شاملة بالصحف وجميع وسائل الإعلام».

د. خالد العلي

وعن المرجو من هذه الحملة قال: «نرجو أن نتوجه للناس لتصحيح المعلومات الخاطئة فيما يخص العادات المتبعة لدى الأم قبل وأثناء الولادة. وأيضا تحفيز الناس للأخذ بوسائل تنظيم الأسرة، والتي لا تعني الحد من النسل كما يشاع وإنما هي حق كل إنسان في تشكيل أسرة حسب قدراته وإمكاناته وفق الشروط الصحية السليمة.

الأمل الثاني أن نكون كجهات متعاونين وكفريق عمل واحد ونقوم بالمسؤولية مجتمعين، ونحن كإعلام دائما نعمل مع باقي الجهات ونعتبر أنفسنا شريك معهم».

**"منبج" وتجربة مميزة في هذا المجال..

حيث أننا لا نستطيع التحدث عن نتائج مثل هكذا حملات في المدى القريب كونها ترتبط بالصحة الإنجابية لدى الأمهات من جهة، ومن جهة أخرى كون السلوك الاجتماعي والعادات الموروثة بحاجة لفترات زمنية لا بأس به أردنا التعرف على تجربة مدينة "منبج" في هذا المجال كونها أطلقت هذه الحملة منذ ثلاث سنوات عبر برنامج تعاوني بين وزارة الصحة ومنظمة "جايكا" اليابانية.

وبهذا الخصوص التقينا بالدكتور "أحمد شيخ أحمد" رئيس المنطقة الصحية في "منبج" ليحدثنا عن تجربتهم في هذا المجال، فقال: «تم إطلاق مشروع الصحة الإنجابية في منطقة "منبج" مدينة وريف بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمة "جايكا" اليابانية مطلع العام 2006، حيث كانت مدة المشروع ثلاث سنوات انتهينا منه في العام 2009.

قبل المشروع كانت هناك عدة ورشات عمل محلية بالتعاون مع العديد من الجهات والمنظمات الشعبية كاتحاد شبيبة الثورة والاتحاد النسائي والهلال الأحمر. ومن خلال هذه الزيارات الميدانية استطعنا الوصول للمجتمع المحلي وتقييمه تقييما أوليا. وعليه تم إطلاق المشروع من خلال إجراء مسوحات ميدانية أولية شملت مدينة "منبج" ريفا ومدينة بالإضافة لبلدتي "الخفسة" و"مسكنة". فتم وضع أرقام واضحة وشفافة عن السلوكيات والعادات والمواقف في مجتمعاتنا تجاه الصحة الإنجابية وعناصرها الأساسية، ووسائل تنظيم الأسرة، ودور الرجل في القرار الإنجابي، ودور الأسرة في التأثير في المرأة بموضوع السلوك الإنجابي ورعاية الحامل، والمشاكل الصحية ذات العلاقة بهذا الموضوع.

من خلال هذه الاستبيانات انطلق مشروعنا من خلال دعامتين أساسيتين:

أولا: تحسين نوعية الخدمات الصحية ضمن المراكز الصحية من خلال إجراء دورات تدريبية منظمة للعاملين في هذه المراكز في كل من "حلب"، و"دمشق"، وخارج القطر. وأيضا التدريب أثناء العمل لمقدمي الخدمة من قابلات وعناصر تمريضية، بالإضافة للدورات الإدارية لهذه المراكز.

ثانيا: زيادة الوعي لدى السكان المحليين لتعزيز تغيرات سلوكيات المجتمع المحلي. وهذا الشيء أطلقناه من خلال ثلاثة محاور.

المحور الأول: وضع خطط عمل شهرية وسنوية دقيقة جدا. مع تكثيف النظام الإشرافي والإشراف التعويضي والإشراف البرامجي في منطقتنا الصحية. فكانت الخطوة الأولى تتمثل في التثقيف الصحي داخل المراكز الصحية مستفيدين من البرامج القوية كبرنامج اللقاح الوطني الذي يجذب فئة كبيرة من أبناء المجتمع. وأيضا من خلال كل القادمين لتلقي الخدمات الصحية الأخرى في تلك المراكز.

المحور الثاني: استطعنا أن ننجح في موضوع التطوع من خلال متطوعي المجتمع المحلي الذين وصل عددهم في المناطق المستهدفة إلى /104/ متطوع. استطاع هؤلاء المتطوعين بعد إخضاعهم لبرامج تدريبية أن يصلوا إلى المجتمع بشكل إيجابي موصلين العديد من الرسائل الهامة، أهمها التعريف بخدمات المراكز الصحية التي يجهلها اغلب سكان المناطق الريفية.

المحور الثالث: ويتضمن موضوع التوعية الصحية في الصحة الإنجابية والأمومة الآمنة. واعتمدنا أيضا في هذا المحور على التثقيف في المناطق البعيدة من خلال لجان العمل المحلي والتي أسسنا لها خمسة لجان عمل تشرف على نشاطات المتطوعين، وتكون صلة ربط بين المجتمع والمنطقة الصحية».

وعن حصيلة عمل الثلاث سنوات في الصحة الإنجابية قال "شيخ أحمد": «بعد انتهاء المشروع نهاية 2009 ومن خلال المسح النهائي والأرقام والإحصائيات والتقييم المحايد من قبل جهات محايدة في وزارة الصحة ومن جانب الخبراء اليابانيين وجدوا أن هذا المشروع تجربة، وهذه التجربة متطورة، وبالتالي هي تنجح، وطالما أنها تنجح ارتأوا تعميم هذه التجربة تحت اسم "نموذج منبج" على عدة مناطق هي "الباب"، "دير حافر"، و"خان شيخون" في "إدلب". وهنا لابد من التأكيد على أن تغيير العادات والسلوكيات هو بطيء، وبحاجة إلى فترات زمنية طويلة حتى يدخل في ثقافة المواطن ليؤسس عُرف وعادات اتفاقية تترسخ في المجتمع».

وبالإشارة إلى مفهوم العادات الخاطئة المتبعة، وترسيخ العادات الصحية السليمة. وبهذا الخصوص تحدث لنا الدكتور "خالد العلي" رئيس العيادات الشاملة في "منبج" والذي بدأ بالإشارة للعادات الصحية الخاطئة الموجودة في المنطقة قائلاً: «هناك العديد من العادات الخاطئة صحيا في هذه المناطق الريفية وهي متوارثة، تتعلق بالصحة الإنجابية والولادات غير الآمنة التي تتم على أيدي "دايات" غير مؤهلات لهذا العمل.

وأهم هذه العادات عدم مراقبة الأم الحامل لوضعها الصحي ووضع جنينها، وهذا مايترتب عليه مخاطر صحية قد تصل بالأم إلى ولادة غير آمنة. وبهذا الخصوص عملنا على مبدأ التثقيف الصحي في مراكزنا الصحية، والتي حثت على زيارة المرأة الحامل للمراكز الصحية وكحد أقصى أربع مرات خلال فترة الحمل، وذلك لإجراء الفحوص الدورية ومراقبة الحمل وإعطاء الحامل للمقويات التي تحتاجها وخصوصا كون الولادات في الريف متعددة تتجاوز الخمسة إلى ست مرات.

أيضا بعد الولادة هناك عادات سيئة قد تسبب أمراض للجنين، كعادة تمليح المولود، والكحل الذي قد يسبب مرض الكزاز وهو مرض خطير. وأيضا عادة وضع القهوة على الحبل السري بعد قطعه وهذا أيضا قد يسبب مرض الكزاز. وهناك أيضا عادة "الغماط" وهي لف الولد بغماط ما قد يؤثر على نمو أعضائه أو يسبب خلع في أعضاء الجنين، فلابد من تركه حرا على سجيته لينمو بشكل صحي».

ويتحدث د."العلي" أهم العادات الصحية السليمة التي يجب على الأم اتباعها، فيقول: «على المرأة بعد حصول الحمل مباشرة مراجعة المركز الصحي للتأكد من حدوث الحمل. فيتم في المركز إعطائها بطاقة مواعيد لمراجعة المركز ويجب ألا تقل عن أربع مرات خلال فترة الحمل. يتم في هذه الزيارات إعطائها المقويات اللازمة لصحتها وصحة الجنين.

وعليها أيضا ألا تلبس الملابس الضيقة أو الكعب العالي. وأن تعمل وتتحرك في المنزل بشكل طبيعي. وهنا أشير أن الحمل عملية فيزيولوجية طبيعة وعلى الحامل أن تعيش حياتها بشكل طبيعي وتقوم بأعماله بشكل طبيعي مع ابتعادها عن الأعمال المجهد. وعليها مراجعة الطبيب عن ملاحظة أي تغير في صحتها.

أما الولادة فيجب أن تتم على أيدي خبيرة إن كان قابلة قانونية أو طبيب نسائي أو ضمن المراكز الصحية المختصة.

وبالنسبة للإرضاع الطبيعي فهو ضروري جدا لصحة المولود وللأم بنفس الوقت حيث لوحظ أن الإرضاع الطبيعي يساعد على انقباضات الرحم بشكل سليم وآمن. كما على الأم التزام بفترات اللقاح للمولود، وهذا بحمد الله مطبق ومنتظم بشكل كامل في سورية.

أما فترات الولادة فيجب أن يكون بين الولادة والأخرى مدة ثلاث سنوات على الأقل وهذه المدة هي المدة الصحية والسليمة طبيا».