للأزياء الشعبية في كل مكان، تقاليدها وتميزها النابع من الحياة التقليدية للشعوب، وتقاليد اللباس في كل منطقة، يكشف عن روح العصر من عدة نواح، وينقل لنا معاني رمزية مختبئة وراء الزخارف والتطريز لحياة الإنسان وبيئته فهي مرآة لوجوده الإنساني في مكان ما.

ويعد ملبس الأمة مفتاحا من مفاتيح شخصيتها، ودليلا على حضارتها، ولعل الملبس هو أول مفتاح لهذه الشخصية وأسبق دليل عليها؛ لأن العين تقع عليه قبل أن تصغي الأذن إلى لغة الأمة، وقبل أن يتفهم العقل ثقافتها وحضارتها.

تلك أهم صور الزي الحلبي الذي كان سائداً في فترة الخمسينيات من القرن المنصرم

وتمتاز الأزياء القديمة في "حلب" وخاصة ثياب النساء بصفتين هامتين الاستمرار والفضفضة وكانت قطعة الثياب ولاسيما الغالية منها تعيش لدى أصحابها سنين كثيرة، والزي الحلبي ينقسم إلى عدة أقسام منه ما كان يرتدى في السهرات والآخر بالأعمال.

السيد منير الحلاق

هذا الحال كان في "حلب" وخصوصاً في فترة الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن المنصرم فكان زي النساء مختلف في كل مناسبة أو سهرة.

موقع eAleppo عرض حقبة زمنية في تلك الفترة تناول فيها الزي الحلبي بأشكاله المختلفة وحاور "منير يوسف حلاق" الكاتب والمخرج المسرحي ووصف لنا الأزياء التي كانت في تلك الأيام فيقول: «هناك العديد من النساء الحلبيات من كانت تفاخر بأنها تحفظ في خزانتها ثياباً من يوم زواجها الذي مضى عليه عشرون أو ثلاثون سنة، وهي ترتديها اليوم في المناسبات والأعياد باعتزاز، ولم تكن الموضات ولا المجلات التي نتحدث عنها قد غزت العقول والقلوب كما نلحظه اليوم».

السيدة إلهام الشعار

وأضاف: «فالمرأة قديماً كانت تخيط بزّة جديدة تتعهدها بالعناية كي تدوم طويلاً فلا تطرحها إلا بعد أن يكون البلى قد أصاب أكثر جوانبها وكانت المرأة المسلمة إذا أرادت أن تسير في الطريق لحاجة ما ترتدي فوق فستانها الملحفة السوداء مثل أختها المسيحية تماماً ما عدا الحجاب الذي يخفي الوجه وراءه وكان لباس المرأة طويلاً حتى الأرض ساتراً كل أجزاء الجسم ما خلا الوجه والكفين، وحينما بدأت الأزياء الحديثة تفد من الخارج تبدّلت الصورة في كثير من الأسر.

أما لباس الرجال فكان القمباز وفوقه سترة- الجاكيت- ثم الطربوش ثم زنار الوسط، وكان الميسورون يفاخرون بوضع شالة عجمية في وسطهم بدلاً من الزنار العادي، واشتهرت الشالة باسم- الترما- وكنا نسمع بأن بعضهم كان يضع في الليل قمبازه تحت فراش النوم- توفيراً للكيّ- فيرتديه في صباح اليوم التالي خالياً من التجاعيد».

زي الرجل الحلبي

وأما عن مظهر اللباس في هذه الأيام التي بدا من الشباب الكثير من يرتديه قال "حلاق": «السترة- الجاكيت- والبنطال والبرنيطة الإفرنجية، فقديما كان منظر الرجل العامل الذي يرتدي قمبازاً عتيقاً فيه بعض الرقع، من المناظر المألوفة التي لا تستدعي انتقاداً وأما جوارب الرجال والأولاد فكانت سميكة وعندما يحدث ثقب في جراب الرجل أو الفتى كانت ربة البيت تسارع إلى ترقيعه وأما جوارب النساء فكنّ يرمّمنها بالرتي».

وإن انتقلنا بشيء من التحديد نجد أن المرأة الحلبية قد اختصت بشيء من التفصيل في لباسها فنجد أن لها لباساً مخصّصاً في البيت غير الذي كان يتبع في السهرات ناهيك عن الشريحة العمرية التي كانت تتبع لها وحول تلك المسألة أوضحت "إلهام الشعار" البالغة من العمر 60 سنة وهي ربة بيت بالمدينة القديمة من منطقة "باب الحديد" تصف لنا صورة الزي الحلبي في ذلك الوقت فتقول: «هناك العديد من الطقوس الحلبية التي كانت تتبعها المرأة في لباسها، فكان اللباس في داخل البيت غير الذي في خارجه وعلى عكس بعض النسوة الحاليات اللواتي يرتدين في الغالب نفس اللباس سواء بداخل البيت أو خارجه، فكان اللباس قديماً وفي داخل البيت عبارة عن ثوب وتنورة تشبه تنورة الصلاة وسروالها كان عند أخمص قدميها ومزخرفاً بالكشكش وغالباً ما تكون من الألوان الغامقة لكيلا يتسخ الثوب مباشرة وعلى رأسها قطعة قماش بيضاء وتسمى شاشية الرأس أو القشطة، وعليها في أغلب الأوقات فلة أو وردة، والبعض الآخر من يلبسن ثوباً ويسمى "الزعبوط" وهو من القماش البازين القطني السميك يشبه قماش الكتّان ويكون مطرزاً، وغالباً ما يتخذ لون اللباس عند النساء المتقدمات في العمر اللون الغامق».

لكن الصبايا ومن هم بجيل الشباب كان لهم لباس يختلف عن النسوة المتقدمات في العمر وحول تلك الصورة أجابت "الشعار": «كن يلبسن ثوباً مزهراً يغلب عليه اللون الأحمر أو الزهري وفوقه تنورة من أجل القيام بالأعمال المنزلية وعند الانتهاء منها ينزعن تلك التنورة، والصغيرات من البنات كنّ يتخذن ثياباً قطنية في الصيف ومصنوعة من الصوف في الشتاء إلى جانب بعض اللواتي ممن يرتدين لباس الجوخ في أغلب الأوقات ويغلب عليها اللونان العسلي والذهبي».

في أوقات المناسبات

من المعلوم أن النساء كن يرتدين الثياب التي تناسب تلك المناسبة التي يحتفلن بها ففي الصيف وفي داخل البيت كنّ يلبسن الحرير الأصلي الذي يباع في سوق "المدينة" بألوان عديدة وعنها قالت "الشعار": «الأبيض أو السكري أو حتى لون البيج إلى جانب غطاء الرأس- شاشية- المزركش بالخرز الملوّن، وفي أقدامهن كنّ ينتعلن الحذاء الجلدي ويسمى "البابوج" وهو من الجلد الأبيض في أغلب الأحيان، لكن وفي الأعراس كان لبس الصبايا بدلات السهرة وكنّ يتفنّن بحياكتها وبألوان مختلفة فتلبس العروس في يوم زفافها إلى جانب البدلة قبقابا مزركشا بعرق من اللولو وتلبس النساء في العرس حذاء ذا كعب من النحاس، وحينما ينتهي العرس وتبدأ الاستقبالات تلبس الصبايا صيفاً بلوزة مصنوعة من الحرير الشفاف وفي الشتاء مصنوعة من الصوف وأما التنورة فتكون من الكتان في كلا الفصلين».

وأضافت: «وأما في العزاء فكنّ يلبسن لباساً غامقاً ذا لون أسود أو فضي أو كحلي وفي الأغلب الألوان الغامقة لكي تدل على الحزن إضافة لارتدائهن الحذاء ويسمى "البابوج" ويكون ذا لون أسود أو فضي وتضع المرأة المتوفى زوجها غطاء يسمى "اشارب" ويكون لونه أسود».

خارج المنزل

من المعروف أن لباس المرأة في خارج المنزل غير الذي في داخله، ومما تميزت به المرأة الحلبية عن غيرها بالعديد من الصفات أجابت عنها "الشعار" بالقول: «فالفتاة التي تجاوز عمرها الحادية عشرة كانت تلبس صدرية وغطاء للرأس وكليهما باللون الأسود وأما الحذاء فهو باللون الأحمر، وعند الزواج كانت تلبس ملحفة مصنوعة من الحرير الأسود وتتألف من قطعتين: العليا تسمى "الفوقانية" ولها حبل من المطاط على دوار محيطها والثاني تسمى "التحتاني" ويكون مرافقاً لذلك اللباس جورب غزل ذو لون بني وحذاء أسود جلدي وكل هذا تحت لباس اسمه المانطو فكانت تلبسه النسوة والصبايا ويتألف من قطعة واحدة ويسمى "برنيل" مع غطاء الرأس ويسمى "باجاية"».

لباس البيجاما كان قليلاً

لكن هناك قلة من الرجال ممن يلبسون "البيجاما" في ذلك الوقت ولكن التركيز كان على القمباز أكثر وحول تلك الصورة التي مضى عليها أكثر من سبعين عاماً حدثنا بها "عادل ميري" محافظ "حلب" الأسبق فيقول: «في خارج المنزل هناك من الرجال من يلبسون الشروال والقمباز لكن ومع مرور الزمن أصبح للبنطال دور كبير في حياة الرجل، والقمباز كان يتمتع بنكهة خاصة في أيام الأعياد في ذلك الزمن، وأما في الحفلات الرسمية فكان لباس العيد هو اللباس الرسمي في تلك الحفلة إلى جانب بدلة السفاري والتي لم تكن تطرق كثيراً في تلك الأيام».

وأما المسبحة فكان لها نكهة خاصة وخصوصاً أنها كانت تحمل صفة معينة أجاب عنها "ميري": «وتسمى "كهربا" وهي ذات حبات صفراء كبيرة إضافة للخاتم المصنوع من العقيق المكسو باللون الأصفر».

السهرات الشبابية

إن السهرات الحلبية كانت تختص بنوع معين من الأجواء الفنية فإلى جانب الموشحات والقدود الفنية هناك العديد من المظاهر التي كان يحرص الرجال عليها للظهور بها في تلك المناسبات وعنها قال "ميري": «إلى جانب الطقم منهم من كان يلبس الصدرية والتي تحتوي على جيبان في اليمين واليسار وتصلهما سلسلة ذهبية أو فضية تشبه القوس وتمتد بينهما ويعلق في مؤخرتها ساعة والبعض الآخر من يتزين بفلة أو زهرة ويضعها على ياقة السترة "الجاكيت" وعلى رأسه طربوش لونه خمري مصنوع من الجوخ النمساوي وله في الخلف العديد من الخيوط السوداء وتسمى "الشّرابة" وكان الطربوش يُلبسْ حينما يبلغ الشخص عشر سنوات وما فوق».

وختم "ميري" قائلاً: «تلك أهم صور الزي الحلبي الذي كان سائداً في فترة الخمسينيات من القرن المنصرم».