بالرغم من ظهور الغسالات الحديثة المتنوعة الأشكال والأحجام ووصولها إلى قريتها إلا أنّ الكثير من السيدات في ريف "حلب" وخاصة كبيرات السن منهن مصممات على تنظيف لباس أسرهن بالطريقة التقليدية اليدوية.

تقول السيدة "بنفش إبراهيم" –"أم فريد" من قرية "جوم" التابعة لمنطقة "عفرين" لموقع eAleppo: «إنّ غسيل أسرتي بالطريقة اليدوية يمنحني متعة كبيرة ويذكّرني بطفولتي وشبابي حينما كانت هذه الطريقة هي الوحيدة المتبعة في الريف عموماً، يُضاف إلى ذلك أنّ هذه الطريقة فعّالة في قتل الأمراض والجراثيم ضمن الملابس وذلك لأنّ الألبسة توضع في الماء لتُغلى على النار جيداً ويُستعمل الرماد في تنظيفها.

هذا قديماً أما اليوم فقد تغيرت الكثير من الأمور وأهمها توفر المياه فلم نعد بحاجة إلى جلب المياه من البئر منذ الفجر وقد كان ذلك عملية شاقة، إضافةً إلى توفر مختلف أنواع المبيّضات ومواد التنظيف

الوقت المناسب لغسيل الملابس لدى الريفيات هو الصباح الباكر حيث كنا نستيقظ منذ ساعات الفجر الأولى للذهاب إلى البئر وجلب الماء على ظهور الحمير أو على رؤوسنا ومن ثم وضعه في طنجرة كبيرة خاصة بالغسيل وإشعال النار تحتها لغلي الملابس البيضاء، أما الملابس الملونة فكنا نغسلها دون غلي كي لا تفقد ألوانها.

السيدة بنفش إبراهيم

أما وسائل التنظيف الحالية فلم تكن متوفرة ولذلك كنا نلجأ إلى "الرماد" الذي كنا نحتفظ به خصيصاً لهذه المناسبة لاستعماله كمنظف أساسي في عملية الغسيل وتنظيف وتبييض الملابس والأقمشة وتحديداً الملونة منها، هذا الرماد المعقّم بالنار كان مصدره مواقد النيران التي كانت جزء أساسياً من تصميم المنازل الريفية، ولإعداد هذا الرماد كانت النسوة يضعن كمية كافية منه في طنجرة الغسيل الخاصّة وتركه لليوم التالي حيث يتجمع الرماد في قعر الطنجرة من ثم سحب الماء من الطنجرة لاستعماله في الغسيل الذي كان يعطي رغوة وفيرة ونظافاً أكيداً للملابس.

أما الصابون وهو وسيلة الغسيل الأساسية فكنا نشتريه من العطارين المتجولين في القرى أو صنعه بطريقة يدوية في البيوت أو في معاصر الزيتون القريبة، كما كان لكل بيت ريفي طشت معدني خاص بالغسيل اليدوي وهو جزء أساسي من لوازم البيت الريفي ومن جهاز العروس وكذلك عود مصنوع من شجرة السنديان أو البلوط لاستعماله في تحريك الملابس أثناء غليها.

السيدة أمينة حمو

بعد الانتهاء من عملية الغسيل اليدوي وعصر الملابس جيداً كنا نقوم بنشرها على أشواك البلان وهي نبتات صغيرة شوكية منتشرة بكثرة حول البيوت».

وتختم: «هذا قديماً أما اليوم فقد تغيرت الكثير من الأمور وأهمها توفر المياه فلم نعد بحاجة إلى جلب المياه من البئر منذ الفجر وقد كان ذلك عملية شاقة، إضافةً إلى توفر مختلف أنواع المبيّضات ومواد التنظيف».

السيدة "أمينة حمو" من قرية "جولقان" تقول حول أهم التغييرات التي طرأت على عملية الغسيل اليدوي: «هناك الكثير من التغييرات التي حدثت خلال العشرين سنة الماضية ومن هذه التغييرات ظهور مختلف أنواع المنظفات والمبيّضات التي حلت محل الرماد سواء في غلي الملابس أو غسلها في الطشت.

ومن أهم التغييرات التي أراحتنا كثيراً في هذا المجال هو وصول المياه إلى كل بيت من بيوت الريف فبمجرد الضغط على الزر تأتي المياه إلينا، أما قديماً فكنا مضطرين للذهاب إلى البئر الروماني للقرية منذ الفجر لجلب المياه وكان ذلك عملية صعبة ومهلكة ولذلك كنا في الكثير من الأحيان نضطر لغسيل الملابس عند البئر، حيث كانت نساء القرية يجتمعن في يوم محدد من الأسبوع هو يوم الغسيل المشترك وسط جو اجتماعي جميل تسوده الأحاديث الشيقة والطريفة بين المجتمعات وتشهد حل الكثير من الخلافات الاجتماعية بين النسوة».

وتتابع "أمينة": «الغسيل اليدوي له العديد من الفوائد والمزايا فمن جهة هو عملية رياضية مفيدة للصحة لأنّ الغسيل بشكله التقليدي يتطلب بذل جهد عضلي كبير للمرأة على العكس من الوسائل الحديثة التي علّمت النساء الكسل والخمول باعتبار أنّ الغسالة الحديثة تقوم بكامل العمل من غسيل وتبييض وتنشيف.

ومن جهة ثانية فإنّ الغسيل اليدوي باستعمال الرماد قديماً كانت عملية طبيعية وخالية من المواد الكيماوية العصرية التي تحوي على الكثير من المواد الضارة بصحة الإنسان وبشرته، وأخيراً فإنّ الغسيل اليدوي التقليدي هو جزء من التراث والفلكلور الريفي علينا وخاصةّ كبيرات السن المحافظة عليه».