للأسر الريفية يوم خاص لإعداد مؤونتهم السنوية من مادة "البرغل" التي لا يخلو مطبخ ريفي من وجودها فيه كمؤونة سنوية ليتم استعمالها على مدار العام وفي مختلف طبخاتهم وأكلاتهم ومناسباتهم الاجتماعية.

إعداد مادة "البرغل" كمؤونة في الريف يمر بعدة مراحل يتحدث عنها السيد "محمد أوسو" من أهالي "عفرين" عندما التقاه موقع eAleppo: «"البرغل" مادة أساسية في قائمة مأكولات الريفيين في منطقة "عفرين" منذ القدم بل يعتبرها الناس هنا بأنها رمز للصحة والعافية وتمد المزارعين بالقوة البدنية اللازمة للقيام بالعمل الشاق في الزراعة.

"البرغل" في الريف هو رمز الكرم وحسن الضيافة فالعزائم والولائم وجميع المناسبات الاجتماعية الأخرى التي تتم يكون للبرغل الحضور الأكبر والرئيسي على الموائد فيها والطبخة الأساسية في مثل هذه المناسبات الاجتماعية هي "كيرميه الشعيرية" مع اللحم المسلوق ولبن العيران

عملية إعداد "البرغل" تتم سنوياً من قبل كل الأسر والعائلات الريفية في يوم خاص يشكل الحلقة الأولى ضمن سلسلة مراحل إعداده وهو يوم غلي القمح أو ما يُسمى يوم السليقة وفيه يجتمع كل أفراد الأسرة والجيران للعمل، حيث يقوم البعض بغربلة القمح وتخليصه من الحصى الصغيرة والشوائب والبعض بإعداد الحلّة* وملئها بالماء وجلب الحطب وإشعال النار تحتها لتبدأ مرحلة الغلي التي تستمر لعدة ساعات مع الحرص على تحريك القمح باستمرار كي لا يحترق وتتفحم حباته.

القمح يغلي في الحلّة

بعد الانتهاء من مرحلة غلي القمح تقوم النسوة بنقل السليقة من الحلّة إلى سطح الدار ليتم تجفيفها بحرارة الشمس وذلك لعدة أيام، بعدها يتم جمع القمح المغلي المجفف في أكياس خيش / جوالات/ استعداداً للمرحلة التالية».

ويضيف "أوسو": «في هذه المرحلة يتم أخذ القمح إلى "الدالوب" أو "الدولاب" وهو عبارة عن دولاب بازلتي كبير تقوم الدواب أو الكهرباء حالياً بتحريكه على سطح إسمنتي معد خصيصاً لهذا العمل وخلال الدوران على القمح الذي يتم ترطيبه بالماء يقوم الدولاب بتقشير القمح وإزالة النخالة عنه لتبقى الحبات المقشورة.

تحريك القمح باستمرار خلال عملية السلق

هذه الحبات المقشورة يتم وضعها في أكياس خيش مرة أخرى وتؤخذ للبيوت تمهيداً لتحويله إلى "برغل" ويتم ذلك بطريقتين: الطريقة الأولى هي طريقة تقليدية وقديمة وذلك باستعمال الطاحونة اليدوية المنزلية المؤلفة من حجرين بازلتيين صغيرين يدور أحدهما على الآخر الثابت بواسطة الأيدي فتتكسر الحبات بفعل الاحتكاك فيُنتج "البرغل".

والطريقة الثانية وهي الشائعة اليوم وتتم آلياً بواسطة ماكينة خاصة بالعملية وتجرها الجرارات وتدور في القرى لهذا الغرض وبهاتين الطريقتين يتم الحصول على مادة "البرغل" التي يتم حفظها كمؤونة سنوية ضمن أكياس قماشية أو أكياس خيش».

تجميع القمح المسلوق بعد تجفيفه

وتقول زوجته السيدة "الهام أوسو" متحدثة حول أهم استعمالات مادة "البرغل" في الريف: «استعمال "البرغل" في الريف شائع في الكثير من طبخاتنا وأكلاتنا، إنّ الطبخات التي نستعمل "البرغل" في إعدادها تسمى محلياً /"كيرميه"/ وتُطبخ دائماً باستعمال الماء فيها ولها عدة أنواع وطرق لإعدادها وتختلف أسماؤها بحسب المادة المستعملة في إعدادها فهناك: "كيرميه شعيرية" حيث تستعمل الشعيرية فيها و"كيرميه العدس" و"كيرميه القرع" و"كيرميه الخبيزة" و"كيرميه الحمص" و"كيرميه البندورة" وغيرها».

وتضيف: «"البرغل" في الريف هو رمز الكرم وحسن الضيافة فالعزائم والولائم وجميع المناسبات الاجتماعية الأخرى التي تتم يكون للبرغل الحضور الأكبر والرئيسي على الموائد فيها والطبخة الأساسية في مثل هذه المناسبات الاجتماعية هي "كيرميه الشعيرية" مع اللحم المسلوق ولبن العيران».

وتختم السيدة "الهام": «مع نهاية موسم الحصاد في كل عام تقوم كل أسرة بالاحتفاظ بكيس أو كيسين من القمح لإعداد مؤونتها الكافية من مادة "البرغل" والتي تبدأ بيوم السليقة الذي هو عبارة عن مهرجان اجتماعي يسوده التعاون والمحبة والفرح وخاصة عند الأطفال الذين تكون سعادتهم كبيرة بالحصول على صحن من السليقة ليتناولوه وهو ما زال ساخناً لطعمه اللذيذ وفائدته الكبيرة لهم وللكبار عموماً، ولإسعاد الأطفال أكثر توضع حبات من الحمص في كيس قماشي مربوط جيداً ويُرمى في الحلّة ليتم غليها مع السليقة وهي أكلة خاصة بالأطفال بهذه المناسبة».

  • الحلّة: عبارة عن طنجرة كبيرة تتسع لجوالين / كيسي خيش/ من القمح وهي خاصة لعملية السلق.