للنجوم والكواكب حضور لافت في المعتقدات الشعبية لدى أهل "عفرين" فقد نسج الأولون حكايات حولها كما أطلقوا عليها أسماء مختلفة.

بتاريخ 10/12/2011 ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع التقى موقع eAleppo في منطقة "عفرين" السيد "محمود صاغر" الذي قال: «قبل التطور الذي شهده العالم أجمع ومن ضمنه بلدنا بطبيعة الحال كان للناس وخاصة في الريف قناعاتهم الخاصة وأفكارهم المتوارثة حول تفسير الظواهر الطبيعية المحيطة بهم من كواكب ونجوم وجبال وغيرها وهذه الأفكار والقناعات تناقلتها الأجيال عبر الزمن دون معرفة أول من أوجدها حيث انتشرت وشاعت بين الناس وترسخت في ذاكرتهم الجمعية، وعلى الرغم من أنّ هذه القناعات تغيرت كثيراً وأصبحت جزءاً من الماضي إلا أنها ما زالت متداولة بين الريفيين وخصوصاً لدى كبار السن.

من هذه المعتقدات الشعبية أنّ لكل شخص في العالم نجمة خاصة به تضيء في السماء مادام على قيد الحياة وتخبو تلك النجمة وتنطفئ في نفس اللحظة التي ينتقل الشخص إلى جوار ربه وموت النجمة تظهر في السماء على شكل شهب وكثيراً ما كنا ننظر إلى السماء في الجبال والبراري حيث كنا نرعى الأغنام أو نحرس البساتين ليلاً وكلما ظهرت تلك الشهب/ وتستغرق جزءاً من الثانية/ كنا نقول لبعضنا بعضاً بأنّ شخصاً قد مات، كنا ننظر للسماء ولكن دون أن نقوم بعد النجوم لأنّ ذلك بحسب المعتقدات كان سبباً لإصابتنا بداء الثآليل التي كانت تظهر على جلودنا

قديماً كان هناك اعتقاد بأنّ الكثير من الأمراض التي كانت تصيب الأطفال خصوصاً سببها الدورة القمرية فظهور القمر في الأفق بداية كل شهر كان سبباً في ظهور مرض خاص بالأطفال يسمى محلياً "خَمَري" حيث كان الطفل يؤخذ لشخص معروف بممارسة الطب الشعبي ليقوم برسم إشارة زائد بالعربية على جبهته بهباب الفحم حتى يشفى.

السيد محمود صاغر

كما كان للقمر ذاته دور في معالجة بعض الأمراض ففي بداية ظهوره في الجانب الغربي من الأفق وهو ما نسميه بداية الشهر القمري كان على المصاب بداء الثآليل الجلدية أن يقوم بمسح تلك الثآليل بإحدى يديه وهو يقول: أذهبي أيتها الثآليل كما يذهب القمر ويغرب».

وأضاف: «وهنا لابد من ذكر قصة خسوف القمر حيث كنا قديماً نعتقد أنّ العفريت يبتلع القمر ويأكله لذلك كان على جميع الناس الخروج من المنازل وإحداث ضجيج من خلال الضرب على الطناجر والبراميل وإطلاق العيارات النارية لتخويف العفريت ودفعه للهروب.

السيد لقمان إبراهيم

أما النجوم فقد كان لها في المعتقدات الشعبية حكايات ووظائف وأسماء مختلفة، ومن أشهر تلك النجوم ما يسمى "درب التبانة" فالناس في المنطقة كانوا يسمونها /"طريق سارق التبن"/ ولها حكاية شعبية معروفة ومضمونها أنّ رجلاً ذهب إلى إحدى القرى لسرقة كمية من التبن لماشيته أو حصانه فقام بوضع التبن في كيس وهرب مسرعاً ولكن الرجل لم يكن يعرف بأنّ كيسه مثقوب فتناثر التبن على الطريق وبذلك تم التعرّف عليه وهذا الطريق الذي مر به يسميه الناس "طريق سارق التبن".

ومن النجوم أيضاً النجمة اللامعة التي تظهر في الفجر ويسميها الناس نجمة الصبح وظهورها كان دليلاً على اقتراب وقت الصبح وكانت لهذه النجمة أهمية كبيرة قبل حوالي 50 عاماً وأكثر وذلك في وقت لم تكن الساعات موجودة عند الناس فقد كانوا يعتمدون على ظهورها في السماء لمعرفة وقت السحور خلال شهر رمضان المبارك وكذلك موعد وضع التبن للأحصنة استعداداً لأخذها إلى الفلاحة أو موعد الذهاب إلى الحقول والحصاد لأنّ الحصاد اليدوي كان يتطلب الجو الندي والفجر هو الوقت المناسب له ويكون ذلك بظهور "نجمة الصبح".

نجمة الصبح.. الساعة القديمة للناس

وهناك عدة نجوم وهاجة تظهر في الجهة الشرقية من السماء كان الناس يسمونها "الأولاد اليتامى" ولا أعرف السبب في تلك التسمية، ونجوم مجتمعة حول بعضها اسمها "الميزان" وقد سماها القدماء بهذا الاسم لأن شكلها كان يشبه ميزان العطارين اليدوي».

وحول بعض المعتقدات الخاصة في منطقة "عفرين" حول النجوم قال مختتماً حديثه: «من هذه المعتقدات الشعبية أنّ لكل شخص في العالم نجمة خاصة به تضيء في السماء مادام على قيد الحياة وتخبو تلك النجمة وتنطفئ في نفس اللحظة التي ينتقل الشخص إلى جوار ربه وموت النجمة تظهر في السماء على شكل شهب وكثيراً ما كنا ننظر إلى السماء في الجبال والبراري حيث كنا نرعى الأغنام أو نحرس البساتين ليلاً وكلما ظهرت تلك الشهب/ وتستغرق جزءاً من الثانية/ كنا نقول لبعضنا بعضاً بأنّ شخصاً قد مات، كنا ننظر للسماء ولكن دون أن نقوم بعد النجوم لأنّ ذلك بحسب المعتقدات كان سبباً لإصابتنا بداء الثآليل التي كانت تظهر على جلودنا».

السيد "لقمان إبراهيم" 34 سنة وهو شاب من أبناء الجيل الحالي قال: «هناك الكثيرون من أبناء الجيل الحالي يهاجمون هذه المعتقدات ويرفضونها ولكنني أعتقد أنّ هذا الأسلوب خاطئ لأنّ العادات والتقاليد والمعتقدات هي مثل الأغاني التراثية والفلكلورية تشكل هوية الشعب وجزءاً هاماً من تاريخه وتراثه المادي الذي يهتم به العالم اليوم كثيراً.

الكثير من العلماء في مختلف الدول يقومون بجمع وأرشفة وتوثيق كل هذه المعتقدات وكذلك يعقدون الندوات والمؤتمرات لأجل ذلك فإن لم تكن هذه المعتقدات مهمة فلماذا كل هذا الاهتمام؟.

طبعاً اليوم لم يبق في المجتمع سوى القلة القليلة من كبار السن الذين يؤمنون بتلك المعتقدات والأفكار بفضل فتح المدارس في كل القرى مهما كانت نائية ليحل العلم والثقافة العصرية والعلمية ورغم ذلك علينا العمل على توثيق كل تلك المعتقدات والاستماع لكبار السن في المجتمع قبل أن يتوفوا وبذلك يموت معهم جزء مهم من تاريخنا».