في عام 1977 تم افتتاحه ليكون أحد الأقسام الموجودة بالمعهد العالي للغات بكلية الآداب بجامعة "حلب"، والوحيد في الجامعات السورية، وبعد خمسة وثلاثين عاماً من تأسيسه خرّج القسم مئات الطلاب ومازال يستقطب المئات ممن يرغبون بمتابعة الدراسات العليا.
موقع eAleppo التقى الطالبة "رؤى عنعن" إحدى خريجات القسم لتروي لنا كيف دخلت القسم؟ وما صعوباته وفرص العمل التي توافرت فيه؟ قائلة: «إن اختياري لذلك القسم لم يكن على علم مسبق لي بهيكلية القسم وبمواده، صحيح أن هناك مادة تتناول اللغة العبرية في إحدى السنوات الجامعية لكنها تختلف عن المواد التي دُرّست بقسم اللغات السامية، لكن وبعد دخولي للقسم اتضح لي أنه مهم جداً، لأنه يحتوي على العديد من اللغات الحية المتخصّصة التي ما تزال بعض القرى السورية تتكلم بها من خلال لهجتها المحكية ومنها اللغة الآرامية والسريانية، ويمكن أن يأتي أهمية هذا القسم بالتوازي مع أهمية اللغة العربية وأن تسبقها أيضاً لأنه يساعدنا على فهم تطور اللغة العربية، إضافة إلى رغبتنا في تعلم لغات الأخرى كالألمانية والإنكليزية من أجل فهم المراجع وتفسيرها».
كنا عشرة متخرجين وأتيحت الفرصة لبعضنا حينما تم إنشاء قسم للغات التاريخية في بعض الجامعات السورية مثل جامعة "الفرات" عندما افتتحوا قسمي في الحسكة ودير الزور لكي يتم التدريس فيها
بيد أن كل طالب يرغب بفرصة عمل يحلم بها ولكن هل حققت المتخرجة "عنعن" تلك الفرصة التي أتيحت لها من بعد التخرج أجابت: «كنا عشرة متخرجين وأتيحت الفرصة لبعضنا حينما تم إنشاء قسم للغات التاريخية في بعض الجامعات السورية مثل جامعة "الفرات" عندما افتتحوا قسمي في الحسكة ودير الزور لكي يتم التدريس فيها».
من المعروف أن لكل كلية جملة من المعوقات التي تعترض سبيل الطلاب وخصوصاً في المراحل الأولى فما الصعوبات التي واجهت الطلاب أجابت "عنعن": «تمثلت من خلال الدراسة نفسها للعديد من اللغات ففي السنة الأولى هناك خمس لغات والثانية أيضاً خمس لغات وفي النهاية كان محصلة السنتين عشر لغات مختلفة عن بعضها ناهيك عن قلة المراجع باللغة العربية وضعفها أيضاً، وهناك أيضاً من اللغات الميتة مثل الآرامية والفينيقية والأكادية، والأشورية، والبابلية، لكن المميز فيها انك تستطيع تفسير نص كل رقيم وخصوصاً تماثيل الآلهة وما هي النصوص التي كانوا يطلقونها، ومثالي على ذلك تمثال حمورابي وقانونه الذي كان يغاير تماماً معنى النص الذي فهمته من قبل»
لكن الطالب "حسن حجازي" دخل قسم الساميات لرغبة دفينة قد تشكلت لديه حينما كان بالمرحلة الابتدائية ولعشقه مادة التاريخ وحول تلك الرغبة وأسبابها قال: «ذلك عندما كنت صغيراً أحببت علم التاريخ إضافة لوجود مادة في السنة الثانية بقسم اللغة العربية تبحث في اللغة العبرية وما مدى تشابهها مع اللغة العربية من حيث الجذر اللغوي وبنية الجملة ونظام أوزان الأفعال وتقارب بعض الأسماء كالأب والأم والأخ والأخت فمنها جاء اختياري لذلك القسم للتعرف أكثر على تلك اللغة ولكوننا أيضاً نمتلك مقومات كثيرة منها الأرض واللغة».
وأضاف: «مما يترتب علينا نحن الطلاب والمتخرجين أن نعمل على اغناء تلك الدراسات من خلال زيادة الأبحاث المختصة في ذلك والعمل على توفير العديد من المراجع وباللغة العربية، لأن أغلب المراجع باللغة الألمانية والإنكليزية، لكن الجانب العملي هو الحافز الأول لأي طالب يدخل في ذلك القسم وخصوصاً حينما تتاح فرص للعمل في ذلك الاختصاص في الجامعات والمعاهد العلمية».
ولإلقاء الضوء أكثر عن ماهية القسم وخصائصه كان لقائنا بالدكتور "أحمد إرحيم هبو" رئيس قسم اللغات السامية تحدث عن سبب انفراد جامعة "حلب" عن بقية الجامعات السورية بهذا القسم فيقول: «هذا عائد لاكتشاف قصر ملكي في ايبلا بقرية "تل مرديخ" القريبة من مدينة "حلب" عام 1974 وكان لظهور الأرشيف الملكي العامل الأكبر عام 1975 والذي يضم حوالي 15 ألف رُقيم ـ لوحة طينية ـ مكتوبة بالخط المسماري، ومن بعد تأكد العلماء أن هذا الموقع تابع لحضارة إيبلا صُنّف بالاكتشاف الثالث من حيث أهميته وبهذا أعطى فكرة أن "سورية" موجودة في الألف الثالث قبل الميلاد، ومن بعد هذا الاكتشاف دعا رئيس جامعة "حلب" بذلك الوقت إلى عقد العديد من المحاضرات بكلية الآداب وطرح الدكتور "يوسف الحسن" من جامعة "حلب" فكرة إقامة قسم متخصص باللغات السامية لسبب قربها من حضارة "ايبلا" الواقعة بقرية "تل مرديخ" والتي تبعد عن حلب حوالي /45/ كم».
وأضاف: «بأن اللغات السامية تضم بين دفتيها اللغة "العربية" و"العبرية" و"الآرامية" ولغة "ايبلا" والتي عرفت بعد عام 1975، وهناك العديد من اللغات الأخرى كلغة "ماري" في "دير الزور" و"أوغاريت" وهناك بقايا من اللغة الآرامية المكتوبة على آثار "تدمر"».
بداية نشوء القسم
في البداية لم يكن القرار بأن القسم سيختص برسالات الماجستير وإنما ليكون مختصاً لنيل درجة الدبلوم وعن هذا يضيف "هبو": «تتم الدراسة فيه لمدة سنتين وأن يشترط في الطالب الذي يتقدم لهذا القسم أن يكون من أحد طلاب أقسام كلية الآداب بقسم اللغة العربية والتاريخ واللغة الإنكليزية والفرنسية لكون هذا القسم يحتمل على الكثير من المراجع الأجنبية، وبعد حصول الطالب على رسالة الدبلوم بدرجة جيد يقوم فيها بتحديد الموضوع الذي يرغبه ليتم اختياره كأساس للمتابعة في رسالتي الماجستير والدكتوراه».
وعن خصائص ذلك القسم تحدث "هبو" قائلاً: «لقد طرح الدكتور "يوسف حسن الفضل" من جامعة "حلب" بأن يكون هذا القسم مخصصاً لمن يود المتابعة بالدراسات العليا من كلية الآداب وخصوصاً طلاب القسم العربي لكون اللغة العربية تعتبر من أوضح اللغات السامية التي لم تنقرض بسبب كونها لغة "القرآن الكريم"، ولولاها لكانت هناك لغة "سورية" ولغة "عراقية" ولغة "سعودية" وهكذا، وقد تم تشكيل لجنة عام 1976 وحُدد من خلالها نوع المناهج التي سوف تدرّس في هذا القسم، وفي عام 1977 تم افتتاح القسم وقد عينت رئيساً له لكوني الوحيد من بين المختصين باللغات السامية حينما أوفدت إلى ألمانيا وتخصّصت فيها».
وعن محور الأهداف التي يساهم هذا القسم بتقديمها أجاب: «حضارة ايبلا لكونها قريبة من مدينة "حلب" فلابد لنا من معرفة ثقافتنا وتاريخنا ولسد النقص الموجود في هذا التخصّص والبدء بقراءة تاريخنا المسماري من خلال الوثائق المكتوبة باللغات القديمة، ولكي نبعد أي خطأ ممكن أن يقع أثناء وجود البعثات الأجنبية، و"حلب" كمدينة تاريخية فهي بحاجة لأن يتم التنقيب فيها ومعرفة قراءة اللغات القديمة».
وعن الأهداف المستقبلية التي يمكن أن يقوم القسم بإنشائها من اجل تطوير القسم ليمتد إلى الجامعات السورية الأخرى تحدّث "هبّو": «من خلال إقامة مراكز أبحاث مستقلة ومركزاً آخر سوف يفتتح للغات الأوغاريتية بجامعة تشرين، وقد اقترحت أيضاً إنشاء مركزاً آخراً يختص بالأبحاث الإيبلوية لأننا ما زلنا لحتى الآن لا نعلم اللغة الإيبلوية والتي مضى على اكتشافها 35 عاماً، إضافة للكم الهائل من الرُقم البالغ عدده 35 ألفا والممتد لمئات السنين».
وعن صعوبة قيام المعهد العالي للغات في تأمين فرص عمل للخريجين أجابت عنها الدكتورة "سحر عقاد" أستاذة في قسم الساميات وختمت بالقول بالقول: «يأتي في صعوبة اختيار اللغة نفسها كمادة يمكن أن تدرس في الجامعات الأخرى، فحينما يفتتح أقسام جديدة في عدد من الكليات بالجامعات السورية تأتي تخصّص الكليات مغاير للمواد التي تم تدريسها في قسم اللغات السامية، إضافة إلى ضعف التنسيق بين وزارة التعليم العالي ومديرية الآثار من أجل استقطاب تلك الشريحة المتخرجة من طلاب القسم، لكن حينما سيتم استحداث أقسام جديدة في الجامعات السورية الأخرى سوف نحرص على تأمين فرص جيدة للخريجين، وهناك من الخريجين ممن ذهبوا كمدرسين لإدلب وللحسكة وللرقة حينما افتتحوا أقساماً بكلياتها».