الحديث عن حالة الطقس خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة أصبح من الأمور الاعتيادية والمألوفة في حياتنا اليومية حيث تنتشر في جميع بقاع العالم الآلاف من محطات الرصد الجوي التي تنبئ عن وضع الطقس ساعة بساعة، ولكن ما رأيك- عزيزي القارئ- أن نأخذك اليوم إلى ما قبل أربعة آلاف عام لتتعرف خلالها على حالة الطقس في "حلب" وما حولها؟

ولكن قبل ذلك تعالوا نقرأ ما قاله الشيخ "كامل الغزي" في كتابه "نهر الذهب في تاريخ حلب" 1933 حول مناخ "حلب"، يقول "الغزي": «يشتد الحر في "حلب" من 9 حزيران وحتى 11 أيلول حيث يأخذ بالاعتدال، وأشد الأشهر حراً هي تموز وآب حيث تهب ريح السموم فتشح مياه العيون والآبار ويلذ الماء البارد وترتفع الزوابع في ضواحي "حلب" ويعلو الزئبق إلى بضع وثلاثين درجة في الظل بمقياس السنتكراد وقد يصل في بعض السنين إلى الدرجة 41 وذلك نادر.

كان لحركات القمر دور هام في علم التنبؤ وكان خسوف القمر أهول الظواهر وأشدها روعاً وكانت صورة الكارثة تختلف حسب الشهر الذي يقع فيه الخسوف حيث كانت الدعوات ترسل إلى الإله "سين"- سيد الشهر وتقدم إليه الأضاحي وأخيراً كان يولد من جديد أشد بهاءً من ذي قبل منتصراً على الظلمات والموت وذلك بفضل القوس /قوس قزح/ الذي يدافع به عن نفسه ضد القوى التي تعترض مجراه أو تحاول حجب نوره

أما البرد فيشتد في 9 كانون الأول ويستمر حتى 8 آذار حيث يعتدل الوقت وفي الكانونين تهب رياح الشمال وتتجرد الأشجار وكثيراً ما يجمد الماء وتكثر الأمطار ويهبط الزئبق عن الصفر نحو خمس درجات وربما هبط في بعض السنين إلى ما هو أدنى من ذلك ففي العام 1329 هجرية هبط الزئبق في شهر كانون الثاني إلى 27 درجة تحت الصفر نحو ثلاثين يوماً ولم يسمع نظيره في "حلب"».

المؤرخ الحلبي المعاصر عامر رشيد مبيض

أما الأستاذ "عامر رشيد مبيض"- مؤرخ "حلب" المعاصر فيقرأ لموقع مدونة وطن eSyria حالة الطقس قبل أربعة آلاف عام قائلاً: «تتضمن دراسة تاريخية للعلامة "جان ماري ديوران" قارئ نصوص مدينة "ماري" ومترجمها معلومات حول حالة الطقس قبل أربعين قرناً من الزمان وذلك عندما يتخذه الناس مدخلاً لأحاديثهم فقد وردت في بعض الرسائل المتبادلة بين ملك "ماري" "زمري ليم" وزوجته الملكة الحلبية العربية الأمورية "شبتو" (السبت) وهي بنت ملك "حلب" "ياريم ليم"، وتعود تلك الرسائل إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد أي حوالي أربعة آلاف سنة وتسجل لنا بعض تلك النصوص معلومات عن سقوط حبات البرد الكبيرة في "ماري" منذ تلك الفترة، وهناك معلومات أخرى تفيد بأنّ الأحوال الطبيعية لم يطرأ عليها تعديل كبير في هذه المنطقة سوى استغلال الإنسان للأرض وتضاؤل نسبة الغابات والمروج.

ويشير "سايروس جوردون" إلى أنه لم يكن هناك شيء أبعث للكرب في نفوس الكنعانيين مما أسموه السنوات العجاف إذا تلاحقت وقد جاء في الأساطير المكتشفة في "أوغاريت" أنها تستمر سبع سنوات يليها سبع سنوات أخرى كلها خيرا وهكذا».

وحول الطقوس الدينية القديمة والتي كانت متبعة لاستجلاب المطر يقول الأستاذ "مبيض": «تذكر النصوص العربية الكنعانية أنّ الطقس الديني كان ينص على أن تُسكب المياه على هيكل "عشتار" ثم على تمثال الإله "بعلشمسين" (بعل وشمس) وعلى أيدي الملك بغية تحفيز أو تحريض الطبيعة على سكب الأمطار الضرورية للإخصاب وقد كانت مثل هذه الطقوس المخصصة للتضرع إلى السماء شائعة في المدن العربية، حيث كان يتسلق ثلاثة رجال إلى شجرة في أوقات الجفاف فيقوم أحدهم بقرع الطبل مقلّداً بذلك صوت الرعد /بل/ (صوت+ رامون.. "بل رامون" أي الغيمة المرعدة التي تحمل المطر.. و"حدد" إله "حلب" هو إله الرعد والمطر)، أما الشخص الثاني فيحرّك شعلتي نار بيديه للدلالة إلى ضوء البرق /النار/، أما الشخص الثالث فيرش الماء في جميع الجهات بواسطة ثمرة الصنوبر الطقسية التي يحملها ويغنون /اسق العطّاش/.. /اسق العطّاش/.

إنّ اسم "حلب" القديم هو /أرمان/ -/أرام/ الألف للتنبيه وهي صفة "حدد" إله المطر =الرامي الراعد ومن أعمال "حلب" /بل رامون/ -/بل/ =صوت /رامون/ =الرعد= صوت الرعد».

ويتابع بالقول: «في الساحة أمام جبل العاصفة /"قلعة حلب"/ حيث مكان معبد الإله "حدد" كانت تتجمع الحشود الكبيرة من أبناء المدينة والريف لمشاهدة فرقة مخصصة تقدم باسمهم أغنية الشكر للإله الحلبي "حدد" ويغنون /على دل عونا* / وهي بداية الشكر للإله "حدد" الذي من صفاته /عون -/عونا/ -أنت وحدك أيها الإله "حدد" قدمت لنا العون وجعلت السماء تمطر وأدخلت الفرحة إلى قلوبنا، أما /الهوا الشمالي/ فالمقصود به هو أنّ "حلب" واقعة في الشمال السوري، أما الإله "حدد" راكباً العربة، فالعربة هي رمز الغيمة الشمالية البيضاء ويمتشق العاصفة ويجلب المطر والثور الذي يجر العربة هو رمز الخصب، و/غيّر اللونا/ المقصود به أنّ الغيوم الشمالية المصحوبة بالأمطار غيّرت لون الأرض فأصبحت خضراء.

وعلى الرغم من غياب النصوص التي تربط بين الفصول والكواكب في "سورية" فثمة إشارة ترينا أنّ العرب الكنعانيين السوريين كانوا يعتمدون على الكواكب كدليل على الفصول ومواسم الأعياد فالمطر في ملحمة /"البعل" و"عشتار"/ يوصف دائماً بأنّه مطر الكواكب وهذه إشارة إلى تقويم زمني كانوا يربطونه بتحركات الكواكب وانقلاب الفصول وفق ملاحظاتهم.

الإله العربي السوري "حدد"- إله الرعد والبرق، كان له منذ الألف الثامنة قبل الميلاد دور شعائري استمر حتى القرن الرابع الميلادي حيث ظهر محاطاً بنسرين، إنّ رموز الإله "حدد" على مر العصور كانت النسر والشمس المجنحة والثور للدلالة على قدرته في الإخصاب، لقد ظل النسر رمزاً للكواكب وكان العرب يعتبرونه أقوى الطيور وأقدرها تحليقاً إذ كان يصل إلى الكواكب، إنّ النسر أول الأمر رمز إلى الغيمة المرعدة التي تحمل المطر ثم أصبح يمثل بطير مجنح يحمل رأس الأسد ليعبر بواسطة زئيره عن صوت الرعد».

وأخيراً يقول: «كان لحركات القمر دور هام في علم التنبؤ وكان خسوف القمر أهول الظواهر وأشدها روعاً وكانت صورة الكارثة تختلف حسب الشهر الذي يقع فيه الخسوف حيث كانت الدعوات ترسل إلى الإله "سين"- سيد الشهر وتقدم إليه الأضاحي وأخيراً كان يولد من جديد أشد بهاءً من ذي قبل منتصراً على الظلمات والموت وذلك بفضل القوس /قوس قزح/ الذي يدافع به عن نفسه ضد القوى التي تعترض مجراه أو تحاول حجب نوره».

  • "على دل عونا على دل عونا/ الهوا الشمالي غيّر اللونا": أغنية تراثية قديمة ومعروفة.