تعتبر كنيسة "مار إلياس" للموارنة في "حلب" من أهم المعالم التاريخية والحضارية في هذه المدنية التي تتميز بأماكنها الأثرية العديدة وبعراقتها التاريخية والحضارية الثقافية، ورغم أن الكنيسة لم تحمل صفة أول كنيسة مأهولة أو أقدم كنيسة على وجه الأرض إلا أنها حجزت مساحة كبيرة بين المعالم الأثرية والحضارية لما تحتويه من رموز دينية مقدسة ودلالات حضارية تحكي قصة ثقافية حضارية امتدت منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا.

موقع eSyria زار كنيسة "مار إلياس" للموارنة في "حلب" والتي تتمركز وسط ساحة "فرحات" الشهيرة والتقينا أب الكنيسة السيد "جوزيف طوبجي" ليحدثنا عن تاريخ هذه الكنيسة وعن القيم الدينية المقدسة والأثر الحضاري الذي تحتضنه داخل طيات حجارتها فيقول عن تاريخها:

ومن الأمور التي تميز هذه الكنيسة هو قبتها التي تعتبر أول قبة مبنية من الإسمنت المسلح في "حلب" حيث كانت مبينة من الخشب وتأثرت بالأحوال الجوية والمناخية فتصدعت لذا قام الصناع في عام (1914) على ترميمها مستخدمين الإسمنت المسلح الذي لم يكن معروفا من قبل في "حلب" وعلى إثر هذا راحت تدعى آنذاك بعمارة القبة

«كان هناك في "حلب" كنيسة خاصة للموارنة استمرت حتى نهايات القرن الخامس عشر إلا أنها ورغم توسيع مساحتها ورقعتها الجغرافية أصبحت غير قادرة على استيعاب العدد الكبير للمصلين فتم إنشاء هذه الكنيسة الموجودة حاليا والتي تعتبر وكما يطلق عليها أحيانا الكنيسة الجديدة للموارنة وقد بنيت سنة (1873) وتم تدشينها من قبل المطران "يوسف مطر"عام (1892) وقد تم بناؤها تبعا لمخططات وهندسات معمارية قادمة من روما أي أن المهندسين كانوا إيطاليين لكن الأيدي الصانعة كانت من مدينة "حلب" وتتميز الكنيسة بأنها بنيت من الحجارة الصفراء التي تشتهر بصلابتها وتأقلمها مع الأجواء المناخية المختلفة إذ تدوم لفترات طويلة من الزمن».

الأب جوزيف طوبجي

وحدثنا الأب "طوبجي" عن أقسامها فقال:

«الكنيسة مقسومة إلى ثلاثة أقسام طولية الأول "صحن الكنيسة" وهو المكان الذي يجلس فيه الشعب والثاني هو "الخوروس أو البيما" والذي تتم فيه الصلوات الأولية من قراءة الكتاب المقدس والأدعية والثالث هو "المذبح" والذي يتم فيه القسم الثاني من الصلاة، والكنيسة مقسومة إلى طابقين أرضي وعلوي، إذ كان الطابق العلوي يستخدم لإقامة صلاة النساء لأن النساء قديما كانوا ينفصلون عن الرجال في الصلاة».

الخوروس

أما عند سؤاله عن أهم ما يميز تلك الكنيسة عن سواها من أماكن أثرية ذات بعد ثقافي حضاري فطال حديثه عندما قال:

«هناك العديد من الأمور التي ميزت هذه الكنيسة عالميا منها المذبح وهو عبارة عن منضدة يتم عليها الجزء الأهم من القداس حيث إن القداس يقسم إلى قسمين الأول الكلمة الذي يتم فيه قراءة الإنجيل وذكر الله والقسم الثاني الشكر أو الذبيحة وفيه يتم تقليد السيد "المسيح" ويتميز المذبح في هذه الكنيسة بوجود قبة المذبح التي تم صنعها يدويا والتي تضم على أعمدتها الأربعة الأناجيل الأربعة والذين يحملون رموزا كثيرة تاريخية ودينية قدسية فالنسر يرمز لـ"يوحنا" والملاك يرمز لـ"متى" أما الثور يرمز لـ"لوقا" والأسد يرمز لـ"مرقص"، ومن الأمور التي تميز هذه الكنيسة وجود لوحة "المسيح الملك" المصنوعة من الزجاج الملون والتي تعتبر فريدة من نوعها في الشرق إذ إنها غير موجودة في أي كنيسة أخرى وهذا الزجاج الملون نادر الوجود ولم يصنع منه لوحات قط، وهذه اللوحة محاطة باثنتي عشر لوحة زيتية للرسل "المسيح الاثني عشر"، وهناك لوحتان مهمتان ومميزتان الأولى للسيدة "مريم العذراء" والثانية للقديس "أنطونيوس الكبير" محاطتان بستة عشر راهب، واللوحتان يعود تاريخهما إلى عام (1852) إذ رسمهما أعظم فناني روما في تلك الأيام، وفي صدر الكنيسة تتوضع اللوحة الأساسية للكنيسة والتي فيها صورة للقديس إلياس والتي رسمها الرسام البلجيكي المعروف "فاتر كين" عام (1862)».

المذبح

وتابع سماحته متحدثا عن أهم ما يميز الكنيسة قائلا:

«ومن الأمور التي تميز هذه الكنيسة هو قبتها التي تعتبر أول قبة مبنية من الإسمنت المسلح في "حلب" حيث كانت مبينة من الخشب وتأثرت بالأحوال الجوية والمناخية فتصدعت لذا قام الصناع في عام (1914) على ترميمها مستخدمين الإسمنت المسلح الذي لم يكن معروفا من قبل في "حلب" وعلى إثر هذا راحت تدعى آنذاك بعمارة القبة».

أما عن أهم ما هو موجود حاليا في الكنيسة يقول:

«مما يجعل كنيسة "مار إلياس" فريدة من نوعها هو وجود (الأرغن) وهو آلة موسيقية فريدة في العالم يتم العزف عليها باستخدام أنابيب وقد تم شراؤها منذ عام (1869) أي قبل تأسيس الكنيسة ويستخدم الأرغن في الاحتفالات وفي الترتيل الدينية، لكنه اليوم أصبح رمزا تاريخيا وأثريا فحسب إذ لم يعد هناك من يستخدمه بسبب أنه لم يعد هناك من يقوم على إصلاحه أو الاعتناء به لأنه آلة انقرضت ولم يعد لها وجود وتم الاستعاضة عنه بالبيانو والآلات الموسيقية المتواجدة حاليا».

وكانت الكنيسة قد تعرضت للعديد من التعديلات عبر الزمن فخضعت لعمليات ترميم وعمليات توسيع فيحدثنا الأب "طوبجي" عن عمليات التوسيع فيقول:

«في عام (1932) تم توسيع الكنيسة بإضافة قسم رابع وهو الحوش أو البرجين والذي يضم برجي الساعة والجرس حيث يضم أحد البرجين في أعلاه ساعة من تصنيع سويسرا تعمل ميكانيكيا وهي دقيقة بشكل كبير ومازالت على قيد العمل حتى اللحظة ومن المميز أنها تحمل أربعة وجوه، حيث تطل على الاتجاهات الأربع وتقوم على عزف ترتيلة السيدة مريم (سلام سلام لك يا مريم) على أربعة أجزاء إذ كل ربع ساعة تعزف جزءا من الترتيلة حتى تكتمل الترتيلة عند تمام كل ساعة وهذه الساعة وحيدة في سورية إذ لم يوجد في "سورية" مثلها حتى الآن، وبرج الجرس الذي يحمل في أعلاه جرس الكنيسة الذي يتم قرعه عند الصلوات وفي المنتصف، أي بين البرجين، تمثال للنبي إلياس الذي تم صنعه في ميلانو في إيطاليا بشكل خاص لكنيسة الموارنة "مار إلياس" في "حلب" وتم جلبه إلى "حلب" مع بناء البرجين أي عام (1932)».

وفي مقدمة الكنيسة أي عند مدخلها الرئيسي يتمركز تمثال للمطران "جرمانوس فرحات" الذي سجل التاريخ له العديد من الإنجازات في مجالات الفلسفة والرهبنة واللغة العربية فيحدثنا الأب "طوبجي" عن هذا التمثال قائلا: «تم اختيار تمثال المطران "جرمانوس فرحات" لما يحمل من قيمة حضارية وعلمية كبيرة وأثرعميق في تنظيم العلوم السماوية ليكون تمثاله الواجهة التي تزين هذه الكنيسة وضمن جو احتفالي كبير تشهد له مدينة "حلب" قام رئيس الجمهورية آنذاك "محمد علي العابد" ومعه الرئيس الباباوي وسفير فرنسا ومجموعة من وجهاء الدين في لبنان بتدشين التمثال مع الساحة المقابلة له عام (1932) وكان ذلك بمناسبة مرور 200 عام على وفاة العلامة المطران "جرمانوس فرحات"».

وختاما يحدثنا سماحته عن أثر هذه الكنيسة في أيامنا هذه فيقول:

«هذه الكنيسة تأخذ طابع الكاتدرائية أي كنيسة الأسقف والمطران فهي الأساس المعتمد لطائفة الموارنة في "حلب" وهي أقدم كنيسة للموارنة موجودة في "حلب" إذ تتم فيها الاحتفالات الرسمية والعمادات كافة فهي المنزل الأول لطائفة الموارنة في "حلب"، لكن في الصلوات اليومية لا يتوافد المصلون إلى هنا بسبب اتساع مدينة "حلب" وصعوبة الوصول إلى الكنيسة باستخدام السيارات بسبب توضعها في حارة حجرية قديمة، ومن جهة أخرى هي محط أنظار للعديد من المسيحيين في العالم، حيث يقصدها الكثير من السياح بغية التعرف على قيمتها الحضارة والسياحية لما تملكه من أماكن ولوحات مميزة ونادرة الوجود».