"حلب" مدينة مشهورة بالأسواق التجارية القديمة التي تُعتبر من المعالم العمرانية والتاريخية والسياحية الهامة فيها، وقد بُنيت وفق طراز معماري جميل حيث تتألف بمجملها من أبنية حجرية مرتفعة على رواق طويل وتتصف بضيقها وتقوّسها من الأعلى، وهي عموماً مسقوفة إما من الخشب أو الحجارة، ومن هذه الأسواق القديمة سوق "الحراج".

ولمعرفة المزيد عن معنى اسم سوق "الحراج" وتاريخه والنشاط التجاري الذي كان يمارس قديماً وفي الوقت الحالي زاره مراسل eSyria بتاريخ 7/7/2009 وهناك أجرى عدة لقاءات مع أصحاب المحال التجارية فيه، وكانت البداية مع الحاج "محمد مصفي العسل" الذي قال: «التحريج معناه المناداة على الشيء والمعروف أنّه كان يُقام في هذا السوق قديماً حراج بمعنى (مزاد) وذلك على مختلف البضائع والأدوات من السجاد إلى الألبسة والأقمشة، وذلك في كل يوم اثنين وخميس من الأسبوع حيث كان فيه حوالي /25/ دلالاً معروفاً يمارسون أعمالهم، وكان العرف السائد حينها أنهم كانوا يقرؤون الفاتحة في كل صباح مع بداية دوامهم في السوق وذلك على نية التيسير والتوفيق ذلك اليوم».

أنا أداوم في سوق "الحراج" بمحل والدي منذ حوالي /12/سنة حيث يقوم بتجارة الفضيات الشرقية

وتابع واصفاً السوق: «يُعتبر سوق "الحراج" من الأسواق القديمة المعروفة في مدينة "حلب" وهو أعلى وأكبر سوق فيها فالمعروف أنّ الأسواق الحلبية الأخرى قليلة الارتفاع حيث لا يتجاوز ارتفاع أسقفها من /3-4/ متر بينما يبلغ ارتفاع سوق "الحراج" أكثر من /12/ متراً وكذلك بالنسبة لعرض الشارع فيه، أما طول الشارع الرئيسي فيه (الرواق) فيبلغ حوالي /150/ متراً».

الحاج محمد مصفي العسل

«في فترة الاحتلال الفرنسي كان يُباع في السوق السلاح والألبسة من شراويل وغيرها، ولكن بعد جلاء الفرنسيين أُلغي بيع السلاح فيه بينما تم الاستمرار في بيع الألبسة من شراويل وقمباز وصدريات وغيرها، أما اليوم فيوجد في السوق حوالي /25/ محلاً تجارياً تُباع فيه مختلف أنواع البضائع من السجاد والبسط والألبسة والأواني الزجاجية والنحاسية والقباقيب والشرقيات وغيرها».

وحول نشاط الدلالين في السوق قال الحاج "محمد": «لقد انقرضت هذه المهنة من السوق منذ فترة طويلة وذلك بسبب فتح الكثير من المحلات خارج السوق وكذلك عدم وجود مرآب فيه لوقوف السيارات والآليات الأمر الذي جعل الناس يحجمون عن المجيء إلى أسواق المدينة عموماً ومنها سوق "الحراج"، والجدير ذكره أنّه كان في السوق أيضاً موظف من البلدية مهمته أخذ رسوم الدلالة من بائع البضاعة وقد ألغي ذلك منذ حوالي /25/ عاماً».

محمد شيط

وأخيراً تحدث عن الإقبال على السوق وخاصّةً من قبل السياح الأجانب بالقول: «مجيء السياح إلى السوق قليل وذلك لأنّ الأدلاء السياحيين المرخصين وغير المرخصين يطلبون ما نسبته / 30-40%/ من قيمة البضاعة المباعة وبسبب إحجام أصحاب المحلات عن الدفع يمتنع الأدلاء من جلب السياح إلى السوق، لذلك أقترح عدم السماح للأدلاء السياحيين غير المرخصين بالعمل وكذلك عدم السماح للأدلاء الآخرين من اقتناء محلات تجارية أصلاً، إضافةً إلى الاهتمام بالنظافة العامة وإحداث فتحات مطرية في السوق وإعادة فتح واستثمار المنافع العامة الموجودة بجوار السوق والمغلقة منذ سنوات وهي من الحاجات الضرورية للزوار».

أما الأستاذ "محمد شيط" -مهندس ومعاون مدير المعهد التقاني للحاسوب في جامعة "حلب" فقد قال: «أنا أداوم في سوق "الحراج" بمحل والدي منذ حوالي /12/سنة حيث يقوم بتجارة الفضيات الشرقية».

جمال الأغا

«السوق من أقدم الأسواق في "حلب" وله شهرة تجارية قديمة وحديثة حيث يباع فيه مختلف الأدوات التقليدية والتحف، ولكن بشكل عام هناك ضعف في الإقبال عليه سواء من قبل المواطنين أو السياح ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب والعوامل أهمها: هبوط معظم الطائرات التي تقلّ السياح في مطار "دمشق" الدولي حيث يقومون بزيارة "دمشق" و"تدمر" و"حماه" وغيرها وعندما يصلون إلى مدينة "حلب" يكونوا قد اشتروا ما رغبوا به، وكذلك تركّز معظم المكاتب السياحية في العاصمة وتأثر السائح الأوربي بشكل عام بالأزمة الاقتصادية العالمية حيث يأتي ويذهب دون قيامه بعمليات الشراء بشكل كبير».

«كما أنّ السائح التركي يساهم إلى حد كبير يقوم بتنشيط وتحريك الأسواق الحلبية وذلك بسبب القرب الجغرافي والعلاقات المتطورة بين "سورية" و"تركية" حيث يأتون بشكل كبير إلى المدينة ليقوموا بعمليات البيع والشراء».

«وبالنسبة للمواطن السوري فقد ضعف إقباله على السوق بسبب عدم وجود أماكن لتوقف السيارات (كراجات مجانية) وبالتالي فالزائر ليس مضطراً أن يدفع /50/ ليرة "سورية" أجرة إيقاف سيارته عن كل ساعة، المطلوب -برأيي- لتحريك السوق وتنشيطه تحويل قسم من الطيران الذي يقل السياح الأجانب إلى مطار "حلب" والاهتمام بالنظافة ونقل دوائر الدولة من المنطقة إلى مراكز المدينة لإفساح المجال أمام إقامة كراجات لتوقف السيارات».

وأخيراً قال "جمال الأغا": «حرفتي هي صناعة الفضيات وتصليحها وقد تعلمتها منذ حوالي /25/ عاماً، ولدي هذا المحل الصغير في السوق الذي أمارس فيه حرفتي منذ أكثر من /15/عاماً.

وأضاف: «بشكل عام الحرف التقليدية تتضمن تراث مدينتنا وبلدنا ولكنها تحتاج إلى المزيد من دعم الجهات الحكومية المختصة وخاصّةً في مجال التقليل من الضرائب المفروضة على الحرفي لأنّ دعمه يعني تنشيط الحرفة وبالتالي تنشيط الحركة في السوق عموماً، فأنا مثلاً أدفع ضرائب لعدة جهات حكومية، ومن الأمثلة هذه الضرائب ضريبة للمالية وقيمتها /13000/ ليرة سنوياً ورسم النظافة للبلدية وقيمته /6600/ ليرة سنوياً وبدل الإيجار للأوقاف وقيمته /11000/ ليرة سنوياً، إضافةً إلى رسم النقابة فكل قطعة نصنعها تذهب إلى نقابة الحرفيين وذلك للرقابة حيث يتم تحليلها وذلك بسعر من /300 -400/ ليرة سورية ومن ثم دفع رسوم أخرى للنقابة وقيمتها /4/ ليرة سورية عن كل غرام واحد من القطعة المصنوعة أي بنسبة /4000/ ليرة للكيلو، بعد كل هذه الرسوم يتم تسليمنا القطعة كي نبيعها وقد لا تباع إلا بعد عام أو قد لا تباع مطلقاً».

وختم بالقول: «أقترح أن تقوم الجهات الرسمية باعتماد مبدأ الدعم والتشجيع للحرفي وذلك بتخفيض الضرائب عليه أو إعفائه نهائياً وذلك حفاظاً على الحرفة وبقائها بالحياة لأنّ الحرفي في ظل زيادة الضرائب والرسوم عليه وازدياد أعبائه المالية العائلية والشخصية سيضطر إلى ترك الحرفة والبحث عن عمل آخر، فمثلاً أنا وكما قلت لك لدي عائلة مؤلفة من تسعة أشخاص وهم ينتظرونني في المساء كي أطعمهم إضافةً إلى مصاريفهم الدراسية واليومية فماذا عساي أن أفعل إذا كان دخل المحل لا يكفي الضرائب والرسوم؟».

يُذكر أنّه يمكن للزائر من الوصول إلى السوق من عدة أماكن أهمها باب سوق المدينة القديمة الذي يقع في الطرف الغربي من الجامع "الأموي" مباشرةً مع الانعطاف يساراً أو الواقع في الطرف الشرقي من الجامع والانعطاف يساراً أيضاً (في الحالتين من جهة الجامع) وكذلك عن طريق باب "إنطاكية" سواءً من جهة الغرب أو الشرق».