بما أن هذه المهنة تعتمد وبالدرجة الأولى على مهارة الصانع الحلبي الذي أتقنها ونقلها من أجداده، ولأن كل العالم يستورد هذه المادة من سوق "العريان" ليصدرها إلى أسواقه ومعارضه، فهذا لن يكون كافياً لأن تعترف به إحدى الجمعيات الحرفية السورية على مدار الزمن، لتبقى هذه المهنة بعيدة كل البعد عن الدعم والتنظيم والحماية والرعاية، والتي باعتقادنا أنها لن تستطيع المقاومة في الفترات القادمة لتكون من الصناعات الحاضرة وبقوة أمام غيرها من الصناعات الحرفية اليدوية، في الوقت الذي تستلهم قواها من قبل جهود فردية وشخصية فقط للمحافظة عليها وإغنائها.

وقد نشأت هذه الصناعة في "حلب" عام /1940/ وتحديداً أيام الحرب العالمية الثانية، حيث كانوا يسلخون الإطارات ويأخذون الطبقة العلوية "الغوما" ليبيعوه إلى الأتراك من أجل صناعة نعل للحذاء، ويتركون الطبقة الداخلية وهي "الكتان"، ومن بعد الحرب انحظر بيعه وخف الطلب عليه وأصبح استخدامه من أجل صناعة "القادوس" لنقل الماء من البئر لعدم وجود المضخات في تلك الفترة، وكذلك استخدم كوعاء يعبأ به العلف للحيوانات في الفترة الأخيرة.

نحن نصنع الزنابيل بمقاسات مختلفة (30×40)و(30×50) سم وهناك الدلو والمزهريات وشقف الزرع، المراجيح، الكرسي الهزاز، برك الماء، نافورة الماء

eSyria زار سوق العريان الوقع في المنطقة القديمة في مدينة "حلب" وعلى مقربة من سوقها القديم في باب الحديد، والتقى يوم السبت 27/12/2008م بالسيد "عمر سراج" وهو أحد أصحاب مهنة صناعة القفاف "الزنابيل" ليحدثنا عن هذه المهنة وما تحويه وما تنتج وأين هي أسواقها؟ وليقدم لنا لمحة عن أسعارها فقال: «صار لي في هذه المهنة /20/ عاماً، وقد انتقلت هذه المهنة من عند والدي إلي الذي نقلها من جدي وهي مهنة متوارثة في زقاق العريان، وتعتمد هذه المهنة على الإطارات القديمة والمستهلكة والتي يتم شراؤها من قبل مصلحي الإطارات، كما أننا نعتمد أيضاً على المزادات التي تطلقها بعض الشركات الحكومية والخاصة لبيع الإطارات المستعملة لديها».

**ما هي منتجاتكم التي تصنعونها؟

**«نحن نصنع الزنابيل بمقاسات مختلفة (30×40)و(30×50) سم وهناك الدلو والمزهريات وشقف الزرع، المراجيح، الكرسي الهزاز، برك الماء، نافورة الماء».

**كيف تتم صناعة الزنابيل؟

**«يتم إحضار الإطار القديم ويتم سلخه على طبقتين ويقوم الصانع بتفصيله وتخييطه ويتم دق آذانه ويصبح جاهزاً لمرحلة الغسل وأخيراً يدهن بزيت الكتان من أجل إعطاء لمعة إضافية، وتحتاج هذه المهنة إلى أكثر من عامل لتتم صناعة الزنبيل بشكل كامل».

*ماذا عن إقبال الناس نحو استخدام الزنابيل؟

**«قياساً على بقية أسعار المواد الأخرى فإن أسعار الزنابيل رخيصة للغاية وفي السابق كان الإقبال شديداً عليهم، وقد تراجعت هذه الأيام وبقي الطلب الرئيسي مقتصر على (قشاط التنجيد) الذي يستخدمه المنجد في صناعته، أما صناعة الزنابيل فلا ذكر لها في أسواقنا، ولا توجد لدينا محلات وأسواق خاصة لبيع هذه المنتجات، ومع وجود سطل بلاستيك وتنك الزرع الذي حل بديلاً عن الزنبيل الذي تراجع الإقبال عليه، ويبقى الاستعمال الأكثر للزنبيل عند باعة الخضار الذين اعتادوا عليه ويشترونه بأسعار بخسة جداً ونحن لا نعتمد عليه كثيراً في هذا المجال، وما يميز الزنبيل عن غيره أنه يتحمل كل درجات الحرارة ولا ينكسر أو يتأثر بأي شيء حتى إن لونه ثابت وسعره عادي جداً، وكثيراً ما كان يشاهد هذا الزنبيل أو شقف الزرع الذي يوضع أمام باب البيت صيفاً وشتاء ليعطي جمالية لها خصوصيتها».

*ماذا عن أسعار الزنابيل؟

**«يختلف سعر هذا المنتج عن بعضه البعض فهناك الزنبيل المربع والمتوسط الحجم الذي يتراوح سعره ما بين /300- 350 /ل.س ، وهناك الزنبيل صغير الحجم ويترواح سعره ما بين / 200- 250 /ل.س وكل حسب حجمه والجهد الذي يبذل في صناعته.

*ما قصة الأسواق الخارجية، وما طبيعة استخدامها هناك؟

**«تعتبر "فرنسا" هي الدولة الأولى في العالم التي تطلب هذا المنتج من "حلب" لتصدره إلى كل أنحاء العالم في "أوروبا" و"أمريكا" و"كندا" والتجار الفرنسيون هم من يطلبون منا طلبيات بأرقام كبيرة، وتختلف هذه المنتجات التي يطلبونها حيث يتم التركيز على الزنابيل لتستخدم في مناجم الفحم بالدرجة الأولى، ولتستخدم في الأرض الزراعية وجمع المحصول، كما أن هناك أصنافاً تستخدم داخل المنزل كـ"شقف للزرع" و"حمالة الصابون" و"دلو لسحب الماء"، وكثيراً جداً ما تلقى هذه الصناعة الاهتمام الواسع لدى الأوربيين الذين ينظمون المعارض المتخصصة في هذا المجال، ويتنافسون فيما بينهم على تجارة هذه المادة، بينما نبقى نحن بعيدين عن هذه الأجواء تماماً ولا يحسب حسابنا على الإطلاق فلا توجد أي جمعية حرفية تحمينا ولا أي منظمة حكومية تطالب بحقوقنا، نحن لدينا أفكار كثيرة وبضاعتنا غير مكلفة ومطلوبة عالمياً، فكثير من التجار الأوربيين الذين يأتون إلى "حلب" وإلى سوق "العريان" خصوصاً من أجل إعداد صفقات تجارية وإعداد نماذج مختلفة ليشاركوا فيها باسمهم هم وليس باسمنا نحن».

تقليد أوروبي فاشل

باعتبار أن الدول الأوروبية هي المستورد الأساسي لهذه المنتجات فلماذا لا تحاول هذه الدول إيجاد معامل لتصنيع هذه المنتجات بدلاً من استيرادها من "حلب"؟ فيجيب السيد "محمد" فيقول:

«حاولت كثيراً من الدول الغربية أن تقوم بتقليد هذه الحرفة اليدوية وأعدت لها المعامل والخبرات والمواد الأولية وآخرها كان في "ألمانيا" لكنها فشلت لأنها اعتمدت على القوالب واللصق ولم يدخلوا الكتان إليه، ولو أنهم أدخلوا الكتان لكانت تكلفته أضعافاً مضاعفة تفوق السعر الذي نقدمه بكثير، ولو أننا نعتمد على مواد جديدة لكن الأمر مختلف بل نحن نعتمد على مواد مستعملة كل دول العالم تتخلص من هذه المواد ونحن نصنعها».

*كيف تنظر إلى مستقبل هذه المهنة؟

**«مستقبل هذه المهنة مرتبط بوجود هذه الدواليب، وما ينقص هذه المهنة هو الإطارات العتيقة والقديمة التي نبحث عنها في كل مكان، وندفع أسعاراً كبيرة للحصول على هذه الدواليب، وقد تناقصت أعداد هذه الدواليب بسبب انتشار دواليب الـ "توبلس" التي لا تحوي على الكاوتشوك الداخلي، وهي لا تفيدنا بشيء ، وقد صرح لي أحد الباحثين القادم من "كندا" وذلك عندما زارنا في "حلب" وهو باحث في تصريف القمامة أنهم يعانون من مشكلة تتعلق بتصريف هذا النوع من الدواليب، فقلت له بأن المشكلة الأساسية لدينا تكمن في قلة وجود هذه الدواليب».