من منا لم يسمع عن التخت الشرقي - الفرقة الموسيقية الشرقية التراثية التي ضمت العديد من الآلات الموسيقية الشرقية - والتي تتصدرها آلة العود، حيث تعتبر المرتكز لكل ملحن أو مطرب أو موسيقي شرقي، وعند الخوض في مضمار طرق صناعة هذه الآلة لابد لنا من وقفة عند مدينة "حلب" التي كانت وما زالت من أهم المدن المصنعة لهذه الآلة، حيث يحدثنا السيد "إبراهيم سكر" الذي صار له أكثر من عشرين عاما في صناعة آلة العود عندما التقاه موقع eSyria في 20/1/2009:

«صناعة الآلة الموسيقية بشكل عام هو فن بحد ذاته وليس حرفة فحسب، لأن صناعة الآلة الموسيقية وخصوصا العود يعتمد على ثقافة ومعرفة صانعه بنوعية الأخشاب وإمكانية استخدامها، إذ تختلف الأخشاب في سماكتها ونوعها حتى وإن كانت من شجرة واحدة، فهنا يأتي دور خبرة الصانع في استغلال هذه الأخشاب لينسقها مع بعضها البعض لإنشاء آلة موسيقية لا تشذ بالصوت عن سواها، فهي في نهاية الأمر موضوع معادلة رياضية مرتبطة بالذوق والإحساس الرفيع في صنع الآلة الموسيقية وخصوصا آلة العود».

بشكل عام يتميز عود عن عود بسبب طبيعة الخشب المصنوع منه العود وطبيعة الصوت الذي يقوم على إصداره هذا العود، والأهم في ذلك اليد التي صنعت هذا العود لأن صناعته هي نوع من الإحساس الفني في أعلى صورها

وعند الحديث عن آلة العود بشكل خاص وعن صناعتها في مدينة "حلب" يقول "السكر":

أقسام العود الظهر والبطن.jpg

«تصنع آلة العود الشرقية في أنحاء عديدة من العالم مثل "تركيا" و"مصر" وغيرهما، إلا أن كل عود يمتلك شخصية مرتبطة به، فيستطيع العازف بخبرته وأذنه الموسيقية التمييز ما بين العود الحلبي والعود الشامي والعود المصري والعود التركي، وهذا الأمر مرتبط بنوعية الخشب المستخدم والروح الصانعة لهذا العود، والعود الحلبي ليس بغريب عن سواه لكن تبقى شهرته كبيرة بسبب حب معظم الفنانين لشخصية العود المصنوع في "حلب" التي تميز أهلها بصناعته وذلك لعراقة وضخامة الأسماء التي صنعت العود في "حلب" قديما وحديثا رغم قلتهم».

ويتابع في الحديث ملخصا أسباب شهرة العود الحلبي فيقول:

آلات قيد الإنشاء.

«امتلك أعلام الموسيقا العربية أعواداً مصنوعة في "حلب" أمثال الملحن الكبير "فريد الأطرش" والمطرب الكبير "صفوان بهلوان" والعازف "نصير شما" والموسيقار "ملحم بركات" وغيرهم من كبار الفنانين في العالم العربي، الأمر الذي لعب دورا في شهرة العود المصنوع في "حلب"، ومدينة "حلب" قديما وحديثا تتربع على عرش المدن التي تصنع آلة العود الشرقي، ذلك لقدم أهلها في هذه الصنعة التي احترفها أناس أصحاب ذوق ومعرفة موسيقية عميقة أمثال (ميشيل خوام - نعيم درزي - جرجي الحايك - أنطوان أبرص – جميل قندلفت) وغيرهم من الوجوه اللامعة في صناعة هذه الآلة، ومن جهة أخرى فإن تطور الصناعة الموسيقية يتبع تطور الفن الموسيقي و"حلب" لم تكن لتغيب عن الساحة الفنية الجيدة إذ إنها قدمت وما زالت تقدم للفن العربي العديد من المطربين والملحنين والعازفين العظماء الذين أثروا في سياق وتطور الموسيقا العربية الأمر الذي ساعد على وجود صناعة آلات موسيقية متقدمة ومشهورة».

أما عن طريقة تصنيع آلة العود وأقسامها الأساسية يحدثنا "السكر" قائلا:

الفنان إبراهيم سكر

«كمرحلة أولى يجري صانع العود بحثا عميقا في أنواع الأخشاب وإمكانية توظيفها في أجزاء هذه الآلة، وأقسام العود هي الظهر الذي يكون عادة مقعراً ذلك لتضخيم وعكس الصوت إلى الخارج ويكون مصنوعاً من الأخشاب القاسية كالزان والجوز، حيث يتم ثنيها بواسطة آلات خاصة لتصبح على الشكل المقعر المطلوب، والذي يتم بنسب معينة ومدروسة مسبقا لضمان صوت جيد للآلة ليتم طلاؤها وتلوينها لمنع تأثرها بالأحوال الجوية ولإعطائها شكلا جميلا من خلال الزركشات العربية الأصيلة، والجزء الثاني هو البطن الذي يكون مسطحا ومغلقا عدا فتحة مدورة في الوسط لإصدار الصوت المرتد من الظهر إلى الخارج ويكون مصنوعا عادة من أخشاب أقل صلابة كخشب "الشوح" وخشب "السيبروس" مثلا وأخيرا يتم وضع الزند الذي تتوضع عليه أصابع العازف ليتحكم بطول وقصر أوتار العود بغية إصدار أصوات مختلفة في نغماتها ويتضمن الزند جزءاً مهماً وهو بيت الملاوي الذي يتضمن المفاتيح التي تتحكم بمدى ارتخاء وشدة الوتر المربوط بهذه المفاتيح».

وعن التميز بين العود الجيد والأقل جودة يحدثنا "السكر" قائلا: «بشكل عام يتميز عود عن عود بسبب طبيعة الخشب المصنوع منه العود وطبيعة الصوت الذي يقوم على إصداره هذا العود، والأهم في ذلك اليد التي صنعت هذا العود لأن صناعته هي نوع من الإحساس الفني في أعلى صورها».

هكذا وبأبسط الأدوات وبخبرة أهلها تربعت آلة العود وليدة "حلب" على عرش الأعواد المصنوعة في العالم الشرقي ليكون دليلا على صحة المقولة المأثورة التي تقول "من زار حلب ينعم بالطرب" التي ترددت على أفواه أبنائها لعقود عديدة.