تحظى الزهورات التي تنبت طبيعياً في المناطق الريفية بأهمية كبيرة من قبل الناس وخاصّة الريفيين منهم، حيث يجمعونه ليبيعوه في الأسواق وكذلك يقومون بمعالجته منزلياً كي يستخدموه كدواء في علاج العديد من الأمراض وذلك رغم التقدم الذي أحرزه القطاع الطبي فتكون الطبيعة صيدليتهم التي توفّر لهم الأدوية المختلفة وبشكل مجاني.

السيدة "بنفش حمو" 67 سنة سيدة من ريف منطقة "عفرين" وهي مشهورة في مجال معالجة الزهورات وحفظها في البيوت لاستعمالها على مدار العام، تقول لموقع eAleppo: «قبل حوالي خمسين عاماً وما قبله لم تكن الأدوية الصناعية متوافرة بهذا الشكل ولذلك تعلمنا نحن الريفيين من خلال خبرتنا الطويلة التعامل مع ما توفّرها لنا الطبيعة من أزهار لاستخلاص أدويتنا منها واستعمالها في معالجة الأمراض المختلفة».

إضافةً إلى تجفيف الزهورات وحفظها في الريف نقوم بجنيها وبيعها للتجار في الأسواق القريبة حيث يأخذونها إلى المدن ليبيعوها للسكان هناك ومن أهم الأسواق المعروفة في بيع الزهورات "سوق العطارين" الذي يقع في "حلب" القديمة

وأضافت متحدثة عن طريقة معالجة الزهورات وشروط حفظها في البيوت: «في هذه الأيام من كل عام /أي خلال فصل الربيع وبداية فصل الصيف/ نقوم بالذهاب إلى الجبال المحيطة بقرانا في رحلة البحث عن الأزهار المفيدة والتي نعرفها بموجب خبرة السنين الطويلة وبشكل وراثي حيث نقوم بجنيها وقطفها وذلك لمدة يوم أو يومين ونجلبها إلى البيت لنقوم بالمرحلة الأخرى حيث نقوم بتنظيفها من القش والعيدان ونخلط مختلف أنواع الأزهار مع بعضها ومن ثم تقطيعها ووضعها على صينية مسطحة وتعريضها لأشعة الشمس لعدة أيام وحين تجف تماماً وتصبح يابسة نقوم بوضعها في أكياس قماشية خاصّة تسمح بتهويتها ونعلّقها على جدران المطابخ بحيث يكون المكان واسعاً للتهوية وجافاً لمنع الرطوبة والعفونة عنه، وعلى مدار السنة نقوم بغليها وشربها وهي لذيذة ومفيدة».

تجفيف الزهورات بالشمس

وحول الأمراض التي يستخدم أهل الريف الزهورات في معالجتها قالت "بنفش": «بشكل عام إنّ معظم الأمراض التي تُستخدم الزهورات في علاجها تصيب الانسان في فصل الشتاء حيث البرد الشديد، ومن أهم تلك الأمراض الرشح ونزلات البرد والكريب والسعال ووجع المعدة وآلام الرأس والتهاب البلعوم وغيرها، وبالنسبة للرشح ونزلات البرد فقد تعلمنا من خلال تجاربنا وتجارب آبائنا أنّ زهرة البابونج هي أفضل علاج إذا غُليت مع قشر الليمون، وبالنسبة للسعال فالحل الأنسب لإيقافه هو استعمال زهرة شقائق النعمان المغلية أو الزعتر الأخضر، أما الأمراض الأخرى فيفضّل أن يتم غلي خلطة زهورات متنوعة وشربها وغير ذلك، وهناك أيضاً الورد الذي يزرعه الريفيون في حاكورات بيوتهم للزينة ولاستعمالها مع خلطات الزهورات الطبيعية وفي صنع المربى اللذيذ».

السيدة "مريم شيخو" أيضاً من أبناء منطقة رف عفرين تقول: «الزهورات مفيدة صحياً وهي خالية تماماً من الكيماويات كما في الأدوية الصناعية ولها فوائد مؤكدة ومجربة، ولكن يجب الانتباه إلى أنّ هناك أنواعا منها سامة ومضرة للإنسان والحيوان وهنا تلعب الخبرة دورها في تمييز الأنواع المفيدة عن الضارة، فقديماً كان الرعاة يقولون بأنهم يراقبون ماشيتهم أثناء تناولها الأعشاب والأزهار في المراعي فالأزهار التي تتناولها الماشية بعد شمّها هي صالحة أما التي تبتعد عنها ولا تتناولها بعد أن تشمّها فهي ضارة ومثال ذلك شجيرة مزهرة تُسمى محلياً /لولك/ فالحيوانات لا تأكلها رغم أنها ذات أوراق خضراء دائمة لأنها سامة ولذلك فهي لا تُستعمل إلا للزينة فقط».

الطبيعة صيدلية الريفيين

وختمت: «إضافةً إلى تجفيف الزهورات وحفظها في الريف نقوم بجنيها وبيعها للتجار في الأسواق القريبة حيث يأخذونها إلى المدن ليبيعوها للسكان هناك ومن أهم الأسواق المعروفة في بيع الزهورات "سوق العطارين" الذي يقع في "حلب" القديمة».

السيد "محمود سويد" عطار قال لنا: «تبلغ عدد المحلات التجارية في"سوق العطارين" حوالي 80 محلاً لبيع مختلف أنواع البضائع مثل التوابل والأغذية والصابون والزيوت والأعشاب الطبية والزهورات والتي تُسمى مواد العطارة ومنه جاءت تسمية "سوق العطارين". وبالنسبة لي فأنا أعمل بتجارة مواد العطارة المذكورة وارثاً المهنة عن آبائي وأجدادي فهذا المحل مفتوح هنا منذ حوالي 200 سنة، ومن أهم هذه المواد التي يتم استيرادها من الخارج أو شرائها من الريف الأعشاب الطبية التي تضم البابونج والمليسة وشقائق النعمان وزيوت متنوعة التي تُستعمل للتجميل والبشرة وعلاج الكثير من الأمراض الجلدية، وهناك مواد مجرّبة تُستخدم لتخفيف الوزن وتقوية الذاكرة والروماتيزم والديسك وغيرها، فالسوق هو في الحقيقة صيدلية كبيرة لأهل المدينة والتجار فيه هم صيادلة معروفون بخبرتهم الكبيرة في هذا المجال حيث تحتوي محلات المشتغلين بالعطارة كل المواد الطبية الطبيعية غير الملوّثة وتحمل أعشاباً جبلية وزهورات طبيعية نقية».

الزهورات في سوق العطارين

وحول أسعار هذه المواد يقول السيد "سويد": «هناك مجموعة كبيرة جداً من هذه المواد ولكل مادة وظيفتها الطبية والعلاجية والتجميلية الخاصة بها كما أن أسعار هذه المواد تختلف فلكل مادة منها سعر محدد، كما أن هناك بعضاً من هذه المواد نبيعها بالغرامات وأخرى بالكيلوغرامات وهكذا».