من بين الاكتشافات المهمة التي ما يزال العمل جارياً عليها منذ فترة زادت على عشر سنوات معبد "إله العاصفة" ضمن مشروع يتم ما بين كل من مؤسسة "الآغا خان" والمديرية العامة للآثار والمتاحف وجمعية "أصدقاء قلعة حلب" حيث تقوم هذه الجهات الثلاثة بالعمل مع بعضها بعضاً على إعادة تأهيل هذا الاكتشاف العلمي الضخم الذي تم توصيفه بأنه "أهم اكتشاف يتم في منطقة الشرق الأدنى في العقود الاخيرة".

وللوقوف على وضع الاكتشاف الحالي ومدى أهميته، كانت البداية في لقاء الآنسة المهندسة "ريم قدسي" وقد كانت مهندسة الموقع لكافة أعمال الترميم التي تمت في القلعة بتمويل من "مؤسسة الآغا خان للثقافة" وعضو في جمعية أصدقاء قلعة "حلب" إحدى الجهات العاملة على هذا المشروع والتي قالت لنا:

يجب ألا تتعارض التغطية مع عمارة القرون الوسطى الموجودة في القلعة، كما يجب ألا تعيق الإطلالة الجمالية للثكنة الموجودة شمال القلعة أيضا. ويجب على التغطية أيضا أن تتكامل مع عمارة سطح القلعة الغربية مثل قبة "الأيوبيين"، وألا تمس الألواح النافرة أو الجدران أو الأرضيات

«ترجع أهمية قلعة حلب في البداية إلى أنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. هذه القلعة التي تقع في مركز "حلب" القديمة والتي يؤمها حوالي /250/ ألف زائر سنويا بشكل وسطي حيث تعتبر من أبرز المعالم الأثرية على مستوى الشرق الأوسط. وضمن البعثات التي كانت تعمل في القلعة كانت البعثة السورية- الألمانية المشتركة التي بدأت عملها في القلعة منذ العام /1996/ بإجراء أعمال تنقيب على سطح القلعة والتي أدى عملها على مدار عدة سنوات إلى كشف واحد من أكبر المعابد الموجودة في سورية وهو معبد "إله العاصفة" القديم والذي يعود عمره إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وخلال الكشف تم تمييز وجود عدة حقب عمرانية ضمن المعبد نفسه حيث يتألف من عدد من المعابد التي بني بعضها فوق بعض على مدار السنين؛ فقد بني المعبد الأول في الصخر في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومن ثم بني المعبد الثاني فوق الأول وذلك في الألفية الثانية قبل الميلاد، ومن ثم تم تجديده في نهاية القرن العاشر قبل الميلاد. ويصطف على جدار المعبد الشمالي سلسلة استثنائية من الألواح الجدارية البازلتية والتي حافظت على معالمها حتى الآن، ويعتقد الأثريون أن الجدار الشرقي وكذلك الجنوبي كانا على نفس الشاكلة».

أعمال الكشف والترميم

أما أهمية الموقع والاكتشاف كما تقول المهندسة "ريم" فيكمن في انه يكشف عن أول استعمال معروف للنصب القائمة في منطقة الشرق الأدنى: «تكمن أهمية المعبد في الألواح البازلتية النافرة والتي هي ذات أهمية كبرى في فهم ديانة وفن الشرق الأوسط حيث تجسد رسوما لآلهة تتبع التقاليد السورية ترجع إلى العصر البرونزي. كما تضم أيضا ألواحا نافرة عليها أشكال لوحوش وطيور وجن ترجع إلى حضارة ما بين النهرين وإلى فترة تعود من /900/ إلى /1100/ سنة قبل الميلاد. كما يحوي المعبد ألواحا تظهر صورا لإله العاصفة ممسكا بهراوة في يده إضافة إلى نقوش أخرى تمثل أسدين يتصارعان،و أخرى عليها صور "للرجل الثور" ورسومات هندسية مميزة أخرى».

وتضيف أن من أكثر الألواح الموجودة جاذبية لوحتين كبيرتين تعرضان لملك يقدم قرابينه إلى إله الطقس، حيث تمثل هذه اللوحة اكتشافا فريدا لمملكة لم تكن معروفة سابقا للأثريين وهي مملكة امتدت رقعتها من جنوب تركيا وحتى سورية في العام /1200/ قبل الميلاد. كما كشف في المعبد أيضا منحوتات أخرى وألواح جدارية نافرة وبعض الكتابات الهيروغليفية وبعض الأنماط التي تذكرنا بالعهد الآشوري».

أعظم الاكتشافات...

ويعتبر اكتشاف هذا المعبد واحدا من أعظم اكتشافات الشرق الأدنى في السنوات الأخيرة وذا أهمية كبيرة في دراسة الحضارة السورية والتعرف على معالمها بشكل كبير وواسع كما انه سيتيح للكثير من الزوار التعرف على بعض أصول هذه الحضارة حال تم ترميمه وإعادة تأهيله كما تقول المهندسة ريم وتابعت: «تتم حاليا دراسات لامكانية إقامة متحف في موقع المعبد حيث لا يزال العمل جاريا حاليا للتأكد من أن كل تفاصيل المعبد قد تم كشفها. وقد تم كشف معظم أجزاء المعبد الداخلية وظهرت تقسيماته للعيان. حيث نجد أن طراز المعبد حاليا ينتمي إلى طراز الغرفة الواسعة أو القاعة والتي لها "مشكوات" /جمع مشكاة/ جدارية، إلا أنه في الوقت نفسه لا يتوافر أي معلومات عن الشكل الخارجي للمعبد».

وقد شارك كل من صندوق الأوابد العالمية وصندوق "كابلان" في تمويل عمليات الترميم والصيانة، وقد أقيمت عدة ورشات عمل حول هذا المعبد آخرها كان في العام /2005/ والتي تمت ما بين كل من والمديرية العامة للآثار والمتاحف وصندوق الأوابد العالمية وصندوق "كابلان" ومؤسسة "الآغا خان للثقافة" والبعثة "السورية- الألمانية" العاملة، حيث خرجت الورشة بمجموعة من التوصيات الهامة التي تتعلق بالمعبد أبرزها هو تشييد متحف في الموقع لحماية وعرض مكتشفات هذا المعبد في مكانه وعدم نقل موجوداته إلى خارج القلعة. يتألف المعبد حاليا من ألواح كبيرة بازلتية موجودة على الجدران وهي رسومات نافرة كما ذكرنا تقدم بعض المشاهد المهمة، وكان الهدف من إبقائها في مكانها هو التمسك والحفاظ على الإرث التاريخي للمعبد، إضافة إلى العامل المهم الآخر المتمثل في حماية الأحجار البازلتية عن طريق إبقائها في مكانها على اعتبار أن نقل الأحجار قد يؤدي إلى أخطار فيزيائية وسيدمر القصة التاريخية للبناء. لأجل ذلك صدرت التوصيات بتغطية الموقع عوضا عن نقل الألواح إلى المتحف وسيتم إيقاف الحفريات عند القدر الذي وصلت إليه».

السيد "كاي كولمار" رئيس بعثة السورية- الألمانية للتنقيب قال إن المعبد سوف يجذب عددا كبيرا من السياح إلى سورية حال كشفه والإعلان عنه رسميا مضيفا أن الهدف من بناء تغطية المعبد/ والتي تتم حاليا إنما على فترات متقطعة/ هو لحماية المعبد من العوامل الجوية: «يجب ألا تتعارض التغطية مع عمارة القرون الوسطى الموجودة في القلعة، كما يجب ألا تعيق الإطلالة الجمالية للثكنة الموجودة شمال القلعة أيضا. ويجب على التغطية أيضا أن تتكامل مع عمارة سطح القلعة الغربية مثل قبة "الأيوبيين"، وألا تمس الألواح النافرة أو الجدران أو الأرضيات».

أما المهندس "عدلي قدسي" الذي ترأس فريق أعمال الترميم ورئيس جمعية "أصدقاء قلعة حلب" فيؤكد أن الكشف هو إنجاز عظيم للبشرية يجب الاستفادة منه والإبقاء عليه بوضعه الأثري الراهن مع خلق التغطية المناسبة للمعبد لحمايته وتأهيله للاستقبال السياحي بالشكل الأمثل.

لا يزال هذا الاكتشاف مجهولا بالنسبة لكثيرين، ولا تزال أهميته غائبة بالنسبة لعدد أكبر في حين أن عدد المطلعين على هذا المشروع ليس كبيرا بقدر تميز هذا المشروع. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه حول اليوم الذي سنشهد فيه تدشين هذا المتحف للعامة وتقديمه على انه واحد من "أعظم الاكتشافات الأثرية" كما قال عنها الكثير من علماء الآثار؟.