"حلب" مدينة قديمة ذُكرت في العديد من الوثائق التاريخية وبأسماء متعددة أما اسمها الحالي "حلب" فقد أُطلق عليها خلال زيارة أبو الأنبياء "إبراهيم الخليل" إليها في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.

وبحسب ما يذكره بعض المؤرخين القدماء والمعاصرين هناك ارتباط وثيق بين الاسم الحالي لمدينة "حلب" وزيارة النبي "إبراهيم" عليه السلام إليها وحول ذلك يقول المؤرخ الشيخ "كامل الغزي" في الجزء الأول من كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ ما يلي: «قيل إنها سُميت بقول العرب "إبراهيم" حَلَبَ الشهباء حينما كان مقيماً في تل القلعة، ويحلبُ كل يومٍ بقرةً شهباء ويوزع لبنها على العرب المقيمين في جواره، وهذا الوجه في تسميتها هو المشهور عند أكثر الحلبيين على أنه قد يكون له من الصحة إذا اعتقدنا أنّ العرب كانوا يترددون على هذا الصقع للميرة والكلأ كجري عادتهم أو أنهم يقطنون مع إخوانهم الآراميين».

إنّ أسماء القرى والمدن العربية القديمة ذات ثلاثة مداليل، طبيعي مثل "بردى": البرد، أو عسكري مثل "ماري" وجذرها مَر ومعناه القوة، أو ديني مثل "رام الله": ماء الله، أما "حلب" فليس اسماً طبيعياً أو دينياً أو عسكرياً بل هو اسم بصيغة الفعل حَلَبَ-يحلبُ- تحلبُ- حَلَبَ "إبراهيم" أغنامه

أما المؤرخ "كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة" المعروف "بابن العديم" فيقول في كتابه /بغية الطلب في تاريخ "حلب"/: «اسم "حلب" عربي لا شك فيه، وكان لقباً لتل قلعتها وإنما عُرف بذلك لأنّ "إبراهيم الخليل" صلوات الله عليه كان إذا اشتمل من الأراضي المقدسة ينتهي إلى هذا التل فيضع به أثقاله ويبث رعاءه إلى "نهر الفرات" وإلى "الجبل الأسود"، وكان مقامه بهذا التل يحبس به بعض الرعاء ومعهم الأغنام والمعز، و"إبراهيم" قد حَلَبَ أغنامه فهلموا فيطعمون ويشربون ويحملون ما بقي إلى بيوتهم.

الكشف عن معبد إله الطقس في قلعة حلب

صار إليه "إبراهيم" /وصل إلى بيت الصنم/ في رأس تل "قلعة حلب" فأخرج الصنم وقال لمن حضره من الكنعانيين أدعوا إلهكم هذا أن يكشف عنكم الشدة فقالوا وهل هو إلا حجر؟ فقال لهم فإن أنا كشفت عنكم هذه الشدة ما يكون جزائي؟ فقالوا له نعبدك، فقال لهم بل تعبدون الذي اعبد، فقالوا نعبد، فجمعهم في رأس التل ودعا الله فجاء الغيث وضرب "إبراهيم" برأس تلّه حين اقلع الغيث فآمنوا برسالته عليه الصلاة والسلام وتوافدوا إليه من كل وجه».

وحول اسم "حلب" وعلاقته بقصة "إبراهيم الخليل" يقول مؤرخ "حلب" المعاصر الأستاذ "عامر رشيد مبيض": «إنّ أسماء القرى والمدن العربية القديمة ذات ثلاثة مداليل، طبيعي مثل "بردى": البرد، أو عسكري مثل "ماري" وجذرها مَر ومعناه القوة، أو ديني مثل "رام الله": ماء الله، أما "حلب" فليس اسماً طبيعياً أو دينياً أو عسكرياً بل هو اسم بصيغة الفعل حَلَبَ-يحلبُ- تحلبُ- حَلَبَ "إبراهيم" أغنامه».

صورة من المعبد /بيت الصنم الذي ذكره ابن العديم/

ويضيف: «تؤكد الأدلة الأثرية بأنّ كلمة "حلب" وردت لأول مرة بلفظها في العصر العربي الأموري الكنعاني في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ويرجّح بعض العلماء أو يكادون أنّ هجرة أبي الأنبياء "إبراهيم" كانت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد أي حوالي قبل أربعة آلاف سنة من الآن، ففي عهد ملك "حلب" العربي "سومو إيبوخ" أو ابنه "ياريم ليم" أو ابنه "حمو رابي" تباركت "حلب" بهجرة سيدنا "إبراهيم" إليها وإقامته فيها فترة من الزمن فاستمدت اسمها من قصة "إبراهيم" أثناء حلبه الأغنام في تل المدينة ويدل تغيّر الاسم من "أرمان" إلى "حلب" على تقبل كثير من الحلبيين دعوة التوحيد.

إنّ المكتشفات الأثرية في "قلعة حلب" بين 1996 -2009 تتطابق مع رواية "ابن العديم" التي ذكرها في كتابه قبل 800 سنة حيث لم يكن "ابن العديم" قد رأى "بيت الصنم" وقد حدد موقعه بدقة لأنّ المعبد كان فوقه منشآت أيوبية وكانت تحت سطح أرض تل القلعة بأكثر من عشرة أمتار وهذا دليل قاطع على أنّ النبي "إبراهيم الخليل" قد مر في "حلب" وصعد تلها /القلعة/ وأنّ "حلب" كان اسمها "أرمان" ثم استمدت اسمها من حَلَبِ "إبراهيم" لأغنامه، بمعنى أنّ رواية المؤرخ "ابن العديم" حددت طبوغرافية "بيت الصنم" /معبد إله الطقس/ بدقة متناهية في "قلعة حلب"».

عامر رشيد مبيض -مؤرخ حلب المعاصر

ويضيف قائلاً: «إنّ الطبيب المسيحي البغدادي "ابن بطلان" زار إمارة "حلب" سنة 440 هجرية -1048 ميلادية وقال حينها: هي بلد مسوّر بالحجر الأبيض فيه ستة أبواب وفي إحداها مكان المذبح الذي يقرّب عليه "إبراهيم" عليه السلام وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ فيها غنمه وإذا حلبها أضاف بلبنها الناس، فكانوا يقولون حَلَبَ أم لا؟ ويسأل بعضهم بعضاً عن ذلك فسُميت "حلب"».

ويختم بالقول: «حسب عالم الآثار السوري "فيصل عبد الله" فقد ظهر في نصوص ماري أنّ إله البحر "حدد" ومعبده في "حلب" كان قبلة الباحثين عن النبوءة والوعد من الملوك السوريين والعراقيين على حد سواء وحسب عالم الآثار الألماني "كاي كولماير" رئيس بعثة التنقيب عن معبد إله العاصفة في "قلعة حلب" أنّ معبد "حدد" هو الأقدم والأكبر في سورية وما حولها، كما يقول عالم الآثار الفرنسي "جان ماري ديوران" قارئ نصوص "ماري" ومترجمها أنّ النظام العالمي آنذاك كان يتعلق بإله "حلب" "حدد" وحده وما من ملك يجرؤ على مخالفة رغباته. هذه أسباب قوية تؤكد بأنّ النبي "إبراهيم" قصد تل "حلب" لأن دعوته أساساً كانت للوحدانية الخالصة وموجهة إلى الوثنيين في عصره لهذا حضر "حلب" فمعبدها في القلعة كان مركزاً عالمياً للوثنية والنظام العالمي كان مرتبطاً بمدينة "حلب"».