كان الرومان من أكثر الشعوب القديمة تقدماً في مجال إنشاء الطرق البرية وتقنية بناء الجسور والعبّارات عليها وقد وصلت شبكات الطرق البرية لديهم أكبر اتساع لها في القرن الثاني الميلادي حيث غطت معظم مدن الإمبراطورية الرومانية حتى قيل بأنّ الحضارة الرومانية تنتقل من خلال طرقها بسبب كثرتها وطولها.

حول شبكة الطرق البرية الرومانية عموماً يقول الدكتور "محمد عبدو علي" وهو من المتخصصين في كتابة تاريخ منطقة "عفرين": «يعتبر الرومان أول من بنوا الطرق المرصوفة السريعة والجيدة وفي "سورية" بنوا شبكة واسعة من هذه الطرق وذلك للأغراض التجارية والعسكرية منها الطرق الرئيسية المعبّدة والترابية المحسّنة كما أقاموا أبراجاً للحراسة بجانب تلك الطرق وفي أماكن مرتفعة لمراقبتها وحماية القوافل التجارية المارة عليها وبالقرب من مصادره المياه والإمدادات التموينية العسكرية حيث كانت المياه تُوفَّر لتلك الأبراج من الأنهر القريبة والآبار والأحواض والصهاريج أو تُجَّر بواسطة قساطل من أماكن بعيدة ومنطقة "عفرين" مليئة بمثل هذه الآبار والأحواض والصهاريج في تقاطعات الطرق القديمة».

أما في "سورية" فقد كان طول شبكة الطرق أيام الرومان أضعاف طول شبكة الطرق الحالية فيها فمثلاً كانت هناك ثمانية طرق تصل إلى مدينة "تدمر" ومثلها من الطرق كانت تصل إلى مدينة "بصرى"

ويضيف: «كانت "إنطاكية" عاصمة الولاية الرومانية الشرقية وكانت صلاتها مع الشرق تتم عبر طريقين رئيسيين أحدهما عبر منطقة "حارم" /"باب الهوى"/ متجهاً شرقاً نحو "حلب" والثاني عبر "سهل جومة" ويُستخدم للاتصال بين "إنطاكية" ومدن أواسط "الأناضول" و"الجزيرة"».

الحجارة الميلية لتحديد المسافات على الطرق الرومانية

كما يقول الأستاذ "مروان بركات" في كتابه /"جبل ليلون" في مرآة التاريخ/ -صادر عن دار "عبد المنعم ناشرون" 2006: «كان لجبل "ليلون" /جبل "سمعان" في الفترة الرومانية ثلاثة طرق رئيسية لتأمين الاتصال بين التجمعات السكانية آنذاك وتلك الطرق هي: الطريق الرئيسي "إنطاكية" -"حلب" وكان يمر جنوب جبل "ليلون" وكان يتفرع منه عدة طرق فرعية لربط قرى جبل "ليلون" بمدينة "إنطاكية" حيث كانت منطقة جبل "ليلون" تابعة إدارياً لمدينة "إنطاكية" عاصمة العواصم آنذاك، والثاني كان يربط "سيروس" /"قلعة النبي هوري حالياً/ بمدينة "أفاميا" والثالث كان يبدأ من الطرف الشمالي لجبل "ليلون" مروراً بقراه الأثرية وصولاً إلى طريق "إنطاكية" -"حلب" الرئيسي».

وحول الطريق الرئيسي الذي كان يصل مدينة "إنطاكية" بمدينة "قنسرين" الواقعة إلى الجنوب من مدينة "حلب" يقول المهندس "عبد الله حجار" الباحث الأثري ومستشار جمعية العاديات للفترات الكلاسيكية: «لقد وصلت شبكة الطرق الرومانية البرية في أكبر اتساع لها في أيام الإمبراطور "تراجان" وذلك في بداية القرن الثاني الميلادي حيث وصل طولها إلى حوالي 85 ألف كيلو متر وامتدت من عند جدار الإمبراطور "أدريان" في "اسكتنلنده" وهو الجدار الذي يفصل اليوم بين "اسكتلنده" و"انكلترة" في الغرب وحتى "نهر دجلة" في الجهة الشرقية».

جسر روماني في منطقة عفرين

«أما في "سورية" فقد كان طول شبكة الطرق أيام الرومان أضعاف طول شبكة الطرق الحالية فيها فمثلاً كانت هناك ثمانية طرق تصل إلى مدينة "تدمر" ومثلها من الطرق كانت تصل إلى مدينة "بصرى"».

ويتابع حديثه قائلاً: «عرض الطريق 5,5 متر وطوله حوالي 100 كم ولا يزال قسم منه موجوداً حتى اليوم قرب قرية "تل عقبرين" -"تل الكرامة" حالياً التابعة لمحافظة "ادلب" ويبلغ طول القطعة المتبقية 1100 متر، والطريق بشكل عام كان مرصوفاً بواسطة طبقة من بلاطات حجرية كلسية جيدة سماكتها 70 سم وتحتها توجد طبقة سماكتها 30 سم مؤلفة من الحجر الصغير والبلوكاج الخشن بمعنى أنّ سماكة الطريق الكلي كان يبلغ حوالي المتر في المناطق الصخرية مثل المنطقة الواقعة قرب قرية "تل عقبرين"، أما في المناطق المستنقعية ذات التربة الرخوة فكانت سماكة الطريق تصل إلى مترين مؤلفة من أربعة طبقات تنتهي في الأعلى بالحجر ليكون هناك إمكانية لإنشاء عبّارة تمر من خلالها المياه وذلك بين طرفي الطريق فالرومان كانوا مشهورين ببناء الجسور والعبّارات ومن الأمثلة على ذلك الجسرين الرومانيين في منطقة "عفرين"».

كتاب جبل ليلون في مرآة التاريخ

«لقد كان هذا الطريق بسبب أهميته الإستراتيجية وباعتباره من طرق الدرجة الأولى يُرمّم من العاصمة "روما" /"الرومان" كان لديهم تصنيفات ودرجات للطرق/ وذلك كي يكون جاهزاً بشكل دائم عند الحاجة إليه سواء حين الدفاع عن أراضي الإمبراطورية أو الهجوم على مناطق مجاورة وقد كان لدى "الرومان" خرائط جميع طرقهم اعتباراً من القرن الثاني الميلادي، وبين الفترة والأخرى كان المتخصصون يحملون الخرائط ويجوبون الطرق الهامة بهدف الصيانة والترميم إذا لزم الأمر».

ويضيف: «كانت توجد على أطراف الطريق مهما كان طويلاً نقاط تحديد المسافات وهي عبارة عن أعمدة قصيرة تُسمى الحجارة الميلية /نسبة إلى الميل وهو مقياس طول المسافات/ وكان يكتبون عليها إضافةً إلى المسافات بين المدن الرومانية تذكاراً لمرور الأباطرة على الطريق أو الذين أنشؤوه أو رمموه، لقد كانت أحجار المسافات الميلية تتضمن قياس المسافات بين المدن والمناطق الرومانية بالميل والميل الروماني القديم كان يساوي ألف خطوة مزدوجة لجندي المشاة في الجيش الروماني والخطوة بحسب القياسات الحالية تساوي 74 سم، وهذا يعني أنّ الخطوة 74 سم x 2 /لأن الخطوة مزدوجة/ تساوي 1,48 متر x1000 /خطوة/ يساوي 1,48 كم وهو قياس الميل الروماني، وفي "سورية" توجد عدد من هذه الحجارة الميلية وذلك في متحف "اللاذقية" ومتحف "أفامية" وعند مدخل قلعة "بصرى"».

وحول تاريخ إنشاء الطريق يقول: «لقد تم البدء بإنشاء هذا الطريق منذ دخول الرومانيين إلى "سورية" وذلك في العام 64 قبل الميلاد ولكنه رُمّم أكثر من مرة وهناك كتابة موجودة على لوحة حجر ميلي بالقرب من "قصر البنات" الواقع بين "باب الهوى" و"عين دلفة" -محافظة "ادلب" تعود إلى أيام الإمبراطور "مارك أوريل" بين 160 -180 م ربما تشير إلى ترميم حدث في عصره، وبالتأكيد جرت ترميمات لاحقة في العصور البيزنطية».

وأخيراً يتحدث عن أهمية هذا الطريق بالقول: «لقد كان للطريق أهمية إستراتيجية للدولة الرومانية ومدينة "إنطاكية" عاصمة "سورية" من العام 312 قبل الميلاد وحتى الفتح العربي الإسلامي، فالطريق كما هو معروف كان يصل "إنطاكية" بمدينة "قنسرين" -"حلب"، و"حلب" كانت واقعة على طريق الحرير الذي كان يعود إلى فترة أقدم من العصر الروماني، وهناك أيضاً أهمية دينية للطريق لأنّ هناك اعتقاد بأنّ القديس "بولس" سار عليه في إحدى سفراته البرية إلى البرين التركي واليوناني، كما كان الطريق يتقاطع مع الطريق الروماني الآخر "قورش" -"افامية" القريب من المكان الذي كان يقيم ويتعبد فيه القديس "سمعان العمودي" حيث كانت تسلكه قوافل الحجاج والزوّار».