تعد مدينة "حلب" من أقدم المدن المأهولة في العالم إذ يعود تاريخها بحسب المؤرخين إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وقد كانت عبر تاريخها الطويل مركزاً اقتصادياً وسياسياً ودينياً مهماً بسبب موقعها الجغرافي الذي يتوسط العالمين الشرقي والغربي إضافةً إلى كونها كانت مركز عبادة إله العاصفة "حدد" الذي كان من الأهمية بحيث لا يجرؤ أحد من الملوك على مخالفة أوامره.

ومن الصفحات المشرقة والمهمة في تاريخ مدينة "حلب" عندما كانت عاصمة للمملكة العمورية "يمحاض" التي تأسست حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وللتعرف على هذه المملكة تحدث لموقع eSyria الأستاذ "زكريا الحصري" -دبلوم تأهيل وتخصص آثار وممثل "جامعة دمشق" في البعثة السورية اليابانية المشتركة التي نقّبت في "كهف دودرية" أوائل التسعينيات من القرن الماضي قائلاً: «لقد نشأت مملكة "يمحاض" وعاصمتها مدينة "حلب" في الشمال الغربي من "سورية" وهي أهم منطقة تجارية وذلك منذ حوالي أربعة آلاف سنة، حيث كانت تشكل صلة الوصل بين شرق "الهلال الخصيب" و"البحر المتوسط"».

لقد نشأت مملكة "يمحاض" وعاصمتها مدينة "حلب" في الشمال الغربي من "سورية" وهي أهم منطقة تجارية وذلك منذ حوالي أربعة آلاف سنة، حيث كانت تشكل صلة الوصل بين شرق "الهلال الخصيب" و"البحر المتوسط"

وأضاف متحدثاً حول أسباب ازدهار المملكة بين القرنين التاسع عشر والنصف الثاني من القرن السابع عشر قبل الميلاد: «يعود ذلك إلى موقعها الجغرافي الهام فقد كانت تمر عبر المملكة القوافل التجارية المحمّلة بالبضائع المختلفة بين الشرق والغرب إضافةً إلى ما كانت تنتجه مدينة "حلب" وفي مقدمتها النسيج، ويُضاف إلى ذلك أنّ "حلب" مركز المملكة وعاصمتها كانت مركزاً لعبادة إله العاصفة "حدد"، ومن الأسباب التي ساعدت على ازدهار المملكة أيضاً هو تراجع دور مملكة "إيبلا" بعد مهاجمتها من قبل الملك الأكادي "نارام سن"».

الأستاذ زكريا الحصري

أما الباحث "عبد الله حجار" فيقول عن المملكة: «"يمحاض" هي مملكة عمورية كانت عاصمتها مدينة "حلب" وكانت على علاقات وثيقة مع جاراتها تصدّر وتستورد مختلف البضائع التجارية مع جنوب "بلاد الرافدين" ومع الشمال حيث "كركميش" /شمال "جرابلس"/ وسواها عن طريق مرفئها "إيمار" /"مسكنة"/ على "نهر الفرات" وقد ازدهرت طيلة القرنين الثامن عشر والسابع عشر وذلك أيام ملوكها العظام أمثال "يريم ليم" 1781 -1765 قبل الميلاد وسواه».

«تعلّمنا وثائق مدينة "ماري" أنّ الحرب التي كانت تدور بين أكبر حاكمين شمال "بلاد الرافدين" وهما "يريم ليم" ملك "يمحاض" و"شمشي أدد" الآشوري أصابت الممالك الأخرى فكانت "إشوانا" وملكها "إيبال بيئيل الثاني" و"بابل" وملكها "حمورابي" /المشرّع الشهير/ تدعمان مملكة "يمحاض" بينما كانت مملكة "قطنا" /شرقي "حمص"/ تدعم "شمشي أدد"».

الأستاذ عبد الله حجار

وتابع "حجار": «بعد موت "شمشي أدد" اعتلى "زمريليم" عرش مملكة "ماري" حوالي 1776 قبل الميلاد قام ملك "يمحاض" "يريم ليم" بالتحالف معه حيث زوّجه ابنته "شبتو" التي لعبت دوراً مهماً في "ماري"، كما تخبرنا الوثائق التاريخية أنّ عشرين حاكم مدينة كانوا يتبعون "يرليم ليم" ملك "يمحاض" وهم أكثر مما كانوا يتبعون ملوك "بابل" و"لارسا" و"إشنونا" و"قطنا" مجتمعين».

«كان "يريم ليم" ملك "يمحاض" على علاقة جيدة مع ملوك شمال سورية مثل "أبلاخندا" ملك "كركميش" و"شنام" ملك "أورشوم" وكذلك مع "إبني أدد" ملك "حازور" في شمال "فلسطين"، وقد أرسل جيوشاً إلى "حمورابي" ملك "بابل" لمساعدته، وفي السنة التاسعة لحكم "زمريليم" ملك "ماري" مات "يريم ليم" ملك مملكة "يمحاض" وخلّفه ابنه "حمو رابي الأول"، وبعد "حمورابي الأول" خلّفه ابنه "أبا إيل" على عرش "حلب" ووضع أخاه حاكماً على مدينة "ألالاخ" /"تل العطشانة"/ ثم تتالى على عرشها "يريم ليم الثاني" ثم "نقميبا" ثم "أركب توم" ثم "يريم ليم الثالث" وأخيراً "حمو رابي الثاني" الذي هاجم الحثيون في أيامه سورية بقيادة "مورسيل الأول" حوالي العام 1595 قبل الميلاد وقضوا على مملكة "يمحاض" وذلك بعد أن استمرت قرنين من الزمن وكانت أقوى مملكة في سورية فقد دخل القائد الحثي "مورسيل الأول" "حلب" ونهب الكثير من كنوزها كما حمل معه تماثيل الإله "حدد"».