لم ترض قلعة "حلب" بان تكون قلعة شامخة على مر العصور منذ ثمانمئة عام وإنما تصدرت على مقاييس كتاب "جينس" للأرقام القياسية واحتلت الصدارة الأولى في العمارة والدفاع والاتساع والعلو، هذا ما أكده الباحث الدكتور "محمود حريتاني" لموقع eSyria فيقول:

«لا شك أن لقلعة حلب حوالي 25ـ 30 خطاً دفاعياً لكي يتمكن الغزاة من دخول القلعة وهم على التوالي البرج، الجسر المتحرك، البرج الثاني، ارتفاع الجسر، الخندق، السفح، باب الحيّات الأول وهو منحرف لكي يتسبب بإعاقة العدو في فتحه ولا يتمكن من اقتحامه بسهولة لأن حاملي العمود الخشبي الذي يحمله المحاربون لفتح باب القلعة محتاجون لأن تكون هناك مسافة مستقيمة أمام الباب حتى يتمكنوا من الرجوع والتقدم بقوة كبيرة وفتح الباب بقوة الدفع، ناهيك عن وجودهم تحت رحمة حاملي النشّاب- السهام- والحجر المغلي الممزوج بالقطران وليس بالزيت المغلي وعلى الأكثر ممزوج بالماء المغلي، لأنني لم ألحظ أي وجود لمادة القطران وبالإضافة لذلك لوجود الزوايا الملأى بالمفاجآت آنذاك ناهيك عن الممرّ المتعرّج، حتى وإن وصل الغزاة إلى باب الأسدين الضاحك والباكي فإنهم يتعرضون لخط دفاعي آخر بشكل هجوم معاكس وهذا الخط موجود تحت قاعة العرش».

سبب وجود هذين الرأسين من شكل الأسد إنما هو شكل الأبواب الذي كانت تتخذ عليها شكل الأسد آنذاك، ومن الخطأ أن يقال بأن رأس الأسد الضاحك هو للنصر والباكي هو للهزيمة وللأسف هذا هو الشائع بين الناس، وشكل الأسدين هما من أصل الجدار نفسه وقد تم نحتهما على شكل الضاحك والباكي وهما فريدان من نوعهما في العالم

وعقّب على الخطوط الدفاعية قائلاً: «تعتبر قلعة حلب من أمنع قلاع الدنيا في مقاومة الغزاة على الإطلاق ولم تُعرف أبداً على مر التاريخ بأنها دُخلت عنوة أو اقتحاماً، وباب الأسدين يعتبر من الخطوط الدفاعية الرابعة عشر على الأكثر، وعن سبب وجود هذين الرأسين على هذا الباب كان بسبب التقليد الشائع في ذلك الوقت، ومنذ الألف الرابع قبل الميلاد أي قبل ستة آلاف سنة كانت المعابد والقصور تزيّن أبوابها بالأسود، لأن الأسد هو رمز للشجاعة والقوة، لذلك كان شعاراً يتخذ في أي قصر أو قلعة، لأن شكل الأسود يعبّر عن رمز القوة والإخافة والدفاع وهذا التقليد موجود قبل تشييد القلعة بنحو أربعة آلاف سنة، وتبيّن أيضاً أن كل اللوحات التي كُشفت في الألف الثالث والرابع قبل الميلاد كانت آنذاك مهمة "الملك" والكاهن الأكبر أن يُجلس الأسدين لحماية الثور والذي كان رمزاً للإنجاب والقوة والحراثة وهذا هو التفسير العلمي لباب الأسدين».

د. محمود حريتاني

وعن سبب اختيار شكلي الأسد الضاحك والباكي أشار الدكتور "محمود": «إذا نظرنا إلى متحف "حلب" فإننا نرى أن أحد معابد مدينة ماري يتواجد فيها جزء من شكل الأسد مصنوع من مادة البرونز، وفي الألف الثاني والثالث قبل الميلاد كانت كل المعابد التي كُشف عنها في ماري كان يحميها شكل الأسد فشكله قد ارتبط بخط الدفاع وهذا التحليل هو تعليلي وليس هو دليل علمي، وكل ما نراه في قلعة حلب من أبواب وأسوار وبدنات- الأجزاء النافرة من السور- لأن البدنة تسمح للمحارب برؤية الجانب الأيسر والأيمن على عكس البرج الذي يوجد له حماية وكل هذه الأجزاء وغيرها هو من عمل "الظاهر غازي" بن "صلاح الدين الأيوبي"».

واختتم حديثه: «سبب وجود هذين الرأسين من شكل الأسد إنما هو شكل الأبواب الذي كانت تتخذ عليها شكل الأسد آنذاك، ومن الخطأ أن يقال بأن رأس الأسد الضاحك هو للنصر والباكي هو للهزيمة وللأسف هذا هو الشائع بين الناس، وشكل الأسدين هما من أصل الجدار نفسه وقد تم نحتهما على شكل الضاحك والباكي وهما فريدان من نوعهما في العالم».

الأسد الباكي

أما المؤرخ "عامر رشيد مبيّض" الذي أرّخ في كتابه "قلعة حلب عرش التاريخ" جاء في الصفحة /69، 70، 71/: «إن التسمية التي أطلقت على باب الأسدين، "الضاحك والباكي" في قلعة حلب، تسمية حديثة استنتاجيه تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، ولم نقف على أول من أطلقها. ومن خلال المكتشفات الأثرية، وفي حدود معرفتي للميثولوجيا القديمة، فإن الأسد هو رمز الإلهة العربية السورية "عشتار" ففي منطقة عين دارة- محافظة حلب- اكتشفت لوحة لأسد له وجه إنسان وهي "عشتار" زوجة "حدد"، فهي إلهة الحب والخصب والتناسل، ورمزها الثور، وهي آلهة الحرب ورمزها الأسد- رمز القوة والعظمة- وهو مؤهل لحراسة أبواب المعابد والقلاع وهي "آلهة" نجم الزهرة "العزى" ومن أعمال حلب "دارة عزى"».

وأضاف أيضاً: «الأسدان "الضاحك والباكي" اللذان يخرجان من قائمة الباب الخامس للقلعة "باب الأسدين" ليكونا بمثابة الحوامل، وكأنهما الحاميان لهذا المدخل، وربما أن هاتين الكتلتين الضخمتين تعودان إلى الألف الثانية ق.م، وبالتأكيد ليستا من تصميم مهندس أبواب القلعة "ثابت بن شقويق" في عهد الملك الظاهر غازي، بل ارتكز المهندي على الكتلتين الضخمتين للأسدين وزخرفتهما الجانبيتين اللتين رآهما في القلعة وربما بالقرب من معبد حدد، وتم بناء الأسدين الضاحك والباكي».

الأسد الضاحك

واختتم موضحاً: «أرجح بأن فكرة باب الأسدين، الضاحك- رمز الرعد، والباكي- رمز المطر، وأن الأسد الذي هو رمز الإلهة الحلبية عشتار الأقدم في التاريخ، وهي آلهة الحرب ورمزها الأسد- رمز القوة والعظمة- وهو مؤهل لحراسة أبواب المعابد والقلاع، حيث كان يحرس معبد "حدد" إله العاطفة في قلعة حلب، اقتبسها بذكاء حاد مهندس قلعة حلب "ثابت بن شقويق" في عهد الملك الظاهر غازي».