وُجدت مدينة "حلب" على مفترق الطرق العالمية منذ آلاف السنين وكانت شبكة الطرق تدخل إليها ضمن الأسوار وذلك عن طرق عدد من الأبواب كانت تحيط بالمدينة من جهاتها الأربع وفي فترة الحكم العثماني- كما يقول المؤرخون- كان هناك ثمانية أبواب رئيسية، وقد كان لمواقع الأبواب منذ القدم أهمية تجارية كبرى، ومن هذه الأبواب الهامة "باب النصر".

يقول المؤرخ الحلبي الشهير الشيخ "كامل الغزي" 1853- 1933 ميلادية في كتابه "نهر الذهب في تاريخ حلب" حول هذا الباب: «هو باب قديم يشتمل على ثلاثة أبواب لكل منها دركاة أولها مما يلي البلد وآخرها مما يلي ظاهرها وثالثها داخل البابين وقرب الباب الداخلي يوجد قطعة من الحجر كبيرة مبنية بالجدار على علو قامة فيها ثقوب يدخل الناس فيها أصابعهم لزوال ما فيها من عروق الملح على حد زعمهم، ويقولون بأنه تحت الحجر قبر نبي مع أنّ الكتابة التي كُتبت عليها تدل على أنّ هذه الحجرة كانت موضوعة على قبر دُفن فيه عروسان اسم الرجل "أرتميس" واسم المرأة "كاليكتي" والظاهر أنها مأخوذة من مقبرة ومبنية في محلها.

إنّ قسم السور الواصل بين "باب النصر" والزاوية الشمالية الغربية الجديدة من السور لا يمكن أن يعود إلاّ إلى الفترة الأيوبية كما يؤكد ذلك المؤرخ "ابن الشحنة" ويجب علينا أن نفتش على الطبيعة عن الموقع النظري للسور العائد لأيام "نور الدين" الذي يبدو أن موقعه يجب أن يكون أكثر إلى الجنوب على طول الشارع الذي يجتاز بكامله "الحي اليهودي"

هذا الحجر ذكره "الهروي" في إشاراته وقال بأنّ الملل الثلاثة يعتقدونه ويصبون عليه ماء الطيب والورد، وفي سنة 1303 هجرية /1885ميلادية / هدمت الحكومة الباب الأول ووسعت به الجادة فبقي فيه الباب المتوسط ومكتوب على نجفته ما يُفهم أنّه من بناء الملك الظاهر "غازي"».

جزء من سور حلب القديمة

أما الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية فيتحدث بالقول: «يقع "باب النصر" في الجبهة الشمالية لسور المدينة القديمة ويعبره محور من الفعاليات الهامة وقد كان الباب فعالاً منذ القرن الأخير لحكم "المماليك" في "حلب" وكان يُدعى في السابق "باب اليهود" ثم أصبح اسمه منذ القرن الثالث عشر الميلادي "باب النصر" والمحور الذي يعبره كان مختصاً بفعاليات حي "سويقة اليهود" وفيه حمامات ومساجد وعلى أطرافه كثافة سكانية كبيرة وكان فيه منزل الوزير "نظام الدين الطغرائي" كما كانت فيه مقابر اليهود خارج الأسوار، و"سويقة اليهود" تلتقي مع المحور المركزي للمدينة الذي لا يتجه إلى الجامع الكبير بل ينحرف قليلاً إلى الشرق عن طريق "سوق الصابون".

"باب النصر" هنا يُعتبر نقطة اتصال أكثر من كونه نقطة إغلاق كما كان "باب الحديد" بالنسبة للضواحي الشرقية، وفي منطقة الباب توجد أربعة محاور مستمرة وموازية للسور تخدم بشكل واسع حارات في الغرب متجهة إلى "باب الفرج" و"باب جنين"».

أبواب حلب وأسوارها -كما ورد في /كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب/ للغزي

ويختم: «في العام 1260 ميلادية احتل "المغول" مدينة "حلب" وقاموا بتدميرها فطرأت تبدلات هامة في المنطقة وعندما عاد ازدهار المدينة نشأت ضواح هامة شرق المدينة وشمالها فأصبح محور "باب النصر" هاماً جداً بالنسبة إلى السلطة على الأقل فقد بُنيت فيه قصور الحكام "المماليك" ثم أصبح محوراً اقتصادياً للمدينة تحت حكم العثمانيين وأخيراً أصبح محطاً أولياً للحداثة التي دخلت "حلب" في القرن التاسع عشر».

وأخيراً سألنا الباحث الأثري "عبد الله حجار" عن تاريخ هذا الباب فأجاب بالقول: «كان "باب النصر" يُدعى حتى القرن الثالث عشر الميلادي "باب اليهود" والسبب في ذلك هو أنه كان يؤدي إلى الحي الذي سكنه اليهود بمدينة "حلب" بينما كانت مقابرهم تمتد خارجه، وقد أطلق عليه الملك الظاهر "غازي"/ وهو أيوبي/ اسم "باب النصر" ويُعرف به حتى اليوم وإذا كان مظهر "باب النصر" قد تغير بالكامل عند إعادة بنائه في القرن الثالث عشر فلا شيء يجعلنا نفترض أنّ مدخله بالذات يمكن أن يكون قد تغير أو انتقل من مكانه أكثر من عدة أمتار».

الدكتور محمود حريتاني

وأضاف: «إنّ قسم السور الواصل بين "باب النصر" والزاوية الشمالية الغربية الجديدة من السور لا يمكن أن يعود إلاّ إلى الفترة الأيوبية كما يؤكد ذلك المؤرخ "ابن الشحنة" ويجب علينا أن نفتش على الطبيعة عن الموقع النظري للسور العائد لأيام "نور الدين" الذي يبدو أن موقعه يجب أن يكون أكثر إلى الجنوب على طول الشارع الذي يجتاز بكامله "الحي اليهودي"».