في "قلعة حلب" توجد العديد من المعالم والآثار التاريخية التي تعود إلى عهود مختلفة، وكل معلم منها يروي لزوار القلعة عن فنون العمارة الدينية والعسكرية وتطورها عند مختلف الممالك التي حكمت مدينة "حلب" وقلعتها، ومن هذه المعالم سنتحدث اليوم عن "المسجد الصغير".

لهذا المسجد تسميات مختلفة يطلقها عليها الباحثون والآثاريون فمنهم من يسميه "مسجد نور الدين الزنكي" ومنهم من يدعوه "المقام التحتاني" أو "مقام إبراهيم الخليل" أو "مسجد إبراهيم" ولكن جميع هذه التسميات تشير إلى مسجد يقع إلى يسار الزائر بعد اجتيازه لباشورة /حصن/ القلعة ببضعة أمتار وهو "المسجد الصغير".

يتألف الجامع من الساحة الرئيسية وغرف المصلين الصغيرة ذات الأسقف المقببة، وفي وسط الساحة نلاحظ وجود خزان ماء عميق 15 متراً يعود إلى "نور الدين زنكي" كما نلاحظ وجود مكان لبئر عميق فيها

حول المسجد تقول المهندسة "ياسمين مستت" مديرة "قلعة حلب" لموقع eAleppo: «"مسجد نور الدين الزنكي" أو "الجامع الصغير" بُني على أنقاض الكنيسة التي حوّلها "بنو مرداس" إلى جامع، وبناؤه الحالي يعود إلى الفترة الزنكية فقد بناه "نور الدين الزنكي" وقد اشتهر الجامع بمحرابه الخشبي الذي سُرق أو فُقد خلال الاحتلال الفرنسي». وتضيف: «يتألف الجامع من الساحة الرئيسية وغرف المصلين الصغيرة ذات الأسقف المقببة، وفي وسط الساحة نلاحظ وجود خزان ماء عميق 15 متراً يعود إلى "نور الدين زنكي" كما نلاحظ وجود مكان لبئر عميق فيها».

المسجد من الداخل

أما المؤرخ الحلبي المعاصر الأستاذ "عامر رشيد مبيض" فيقول عن المسجد: «يوجد فوق الباب الخارجي الصغير "للمقام التحتاني" / "المسجد الصغير"/ نص إعادة بناء ملكي مؤرخ للعام 575 هجرية 1179 ميلادية ضمن لوحة وُضعت بعد حين فوق الباب الخارجي وهي ثلاثة أسطر بخط نسخي نوري وأحرف متوسطة والكتابة هي / أمر بعمارته الملك الصالح "نور الدين أبو الفتح إسمعيل ابن محمود بن زنكي بن آقسنقر ناصر" أمير المؤمنين بتولي العبد "شاذبخت" في سنة خمس وسبعين وخمسمائة/».

ويتابع محللاً النص: «أولاً تشهد الكتابة على نشاط الملك الصالح "إسماعيل" في "المقام التحتاني"، ثانياً وحسب المؤرخ "ابن العديم" أنّ الملك العادل "نور الدين" جدد عمارته، وثالثاً عند وفاة الملك العادل "نور الدين بن محمود زنكي" في 11 شوال 569 هجرية /أيار 1173 ميلادية حقق "الشاذبخت" خلافة الابن الأصغر "صالح إسماعيل بن نور الدين محمود" 11 سنة والذي كان موجوداً في "دمشق" لحظة وفاة والده "نور الدين محمود" وذلك بأن جعل أمراء "حلب" يولّونه ديناً ودنيا قبل أن يعلن خبر وفاة الأمير "نور الدين محمود"».

إحدى الكتابات يمين باب القبلية

«وعلى يسار جدار باب قبلية المقام يوجد نص كتابي يتحدث عن الوقف ومحفور ضمن الحجر والنص مؤلف من أربعة أسطر مؤرخة للسنة 811 هجرية 1408 ميلادية وتتضمن الكتابة/ وقف العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الإسلام "زين الدين محمد ابن الشحنة الحنفي" عامله الله بلطفه نصف فدان بقرية "أورم الكبرا"* من "جبل سمعان" على فرش وتنوير ومصالح "مقام الخليل" بقلعة "حلب" بتاريخ جماد الأول سنة إحدى عشرة وثمان مائة/».

ويضيف الأستاذ "عامر": «وهناك نص كتابي يمين قبلية الجامع وهو ليس من أصل البناء بل كُتب ضمن لوحة من الرخام الأبيض وهو مؤلف من خمسة أسطر يعود إلى عهد "نور محمود" مؤرخ من السنة 563 هجرية 1167 ميلادية ويتضمن / بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المسجد المقام الملك العادل "نور الدين" الفقير إلى رحمة الله "أبو القاسم محمود ابن زنكي بن آقسنقر" غفر الله له ولوالديه وأحسن خاتمته في سنة ثلاثة وستين وخمسمائة/، أما فوق باب قبلية المقام فهناك نص مؤلف من سطرين يعود إلى العهد العثماني ومؤرخة من العام 1290 هجرية 1873 ميلادية ويتضمن / قال عليه السلام من بنى لله تعالى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة <<1290 هجري>>»."

الطنف الحجري

وحول محراب الجامع المفقود يقول: «كان محراب "نور الدين محمود" محفور من الخشب ومزخرف بشبكات وغصينات من أجمل الطرازات أكثر اعتدالاً وجمالاً من محراب "الحلوية" الغني جداً، ويروي "بول بوران" مراسل مكتب العاديات في المفوضية العليا وعضو المعهد الفرنسي للآثار والفنون الإسلامية في "دمشق" أنّ محراب "نور الدين" في "قلعة حلب" اختفى سنة 1922 م بطريقة غامضة ولم يُعرف الفاعل ولم تثمر تحريات البحث عن أية نتيجة».

وأخيراً يتحدث عن الصهريج الموجود في المسجد بالقول: «الصهريج في "المقام التحتاني" كان يُملأ بالزيت مرة في السنة وهو اسطواني الشكل يبلغ عمقه 15 متراً تقريباً وقطره من الأسفل 6 أمتار وقد وهبه وقفاً العبد الفقير "شاذبخت" نائب "قلعة حلب" في عهد "نور الدين محمود". يوجد البئر في "المقام التحتاني" يمين مدخل القبلية حيث يُحفظ فيه زيت إنارة مصابيح الجامع وكان الزيت يُسحب بواسطة دلو رُبط حبله إلى بكرة معلّقة إلى /طنف/** وهو إفريز حجري ما زال ظاهراً ويحمل كتابة تشرح الغاية من البئر والتاريخ المتوقع هو سنة 575 هجرية 1179 ميلادية متوافقاً مع اللوحة الحجرية المرمرية على ساكف الباب والمؤرخة من العام 575 هجرية والتي تحمل اسم "شاذبخت"».

أما الأستاذ "شوقي شعث" فيقول حول المسجد في كتابه /"قلعة حلب" -دليل أثري تاريخي/ -دار القلم العربي 1993 ما يلي: «يتكون هذا المسجد من قبلية مستطيلة وباحة خارجية وبعض الغرف المطلة على الباحة، وهناك كتابات وقفية على واجهة القبلية تشير إلى أوقاف كان ينفق من ريعها على المسجد، وفي وسط الباحة يوجد بئر ماء».

ويضيف: «أسسه الملك العادل "نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي" في العام 563 هجرية 1167 ميلادية حسبما تقول الكتابة الموجودة على مدخله وكان له محراب خشبي جميل نقله أحد الضباط الفرنسيين الذين كانوا يقيمون في "حلب" في العام 1934، وقد قامت مديرية الآثار بترميم بعض الغرف الملحقة وإعدادها للاستعمال».

  • "أوروم الكبرى": تقع على طريق "حلب" -بلدة "الأتارب" وتبعد عن "حلب" 15 كم وقد وردت في النص "أوروم الكبرا".
  • ** طنف: جزء حجري أو خشبي ناتئ من جدار داعم لشيء فوقه، حلية زخرفية في بناء أو أثاث.