برزت قلعة "حلب" وانتصبت شامخة على مر العصور وقد صنفت وبحسب موسوعة "غينس" للأرقام القياسية من أولى قِلاع الدنيا حصانة، وقد انفردت في العمارة والعلو والاتساع والدفاع، وجاء هذا التصنيف لامتلاكها لعدد من الأبواب الدفاعية والتي ساهمت وبشكل أساسي في عدم خضوعها للغزاة ممن اقتحموا حلب على مر التاريخ.

ومن بين هذه الأبواب باب "الحيّات" والذي صنّف بالرقم الثالث بحسب ما أورده المؤرخ "عامر رشيد مبيض" في كتابه قلعة حلب، ففي الصفحة /88/ جاء فيه: «باب الحَياة وليس الحيّات، إن كلمة تيفون- طيفون تعني طوفان بالعربية وقد اتخذ اسم نهر "العاصي" ونهر "قويق" أيضاً اسم تيفون من تنين داهمته صاعقة وشق فيها أثلاماً واسعة ليختبئ ومن هنا تشكل مجرى النهر تيفون التنين هذا الوحش كان يشكل أخطارا حقيقية على الحياة وعندما تفيض مياه الأنهار وتشكل مستنقعات واسعة تمنع تحرك الإنسان خلالها، لقد قدس العرب الكنعانيون السوريون الحيّات والأفاعي ورسموا الحية ملتفة حول دائرة ونصف دائرة وهي تبتلع برأسها ذنبها كتعبير عن فكرة التجدد الذاتي».

عند ذلك العصر الذي بنيت فيه القلعة كان هناك اعتقادات سائدة بوجوب الأخذ بالرموز كصفة ملازمة لها، ولا توجد مقارنة بينها وبين قلاع الصليبيين والإسماعيليين لأنها تتفوق عليهم جميعاً

* الأفعى تحمي المعبد

يعتقد قديماً بأن الأفعى تحمي المعبد وهذا ما دعا الناس إلى تقديم تقدمات شهرية لتلك الأفعى وكانت عبارة عن وعاء كبير يحوي عسلاً وأضاف "مبيض": «واعتقدوا بأنها أبدية أزلية وترمز إلى القدرة على الإنجاب بالإضافة إلى رمزها الأساسي كحارس للمعبد والمساكن.

سطور وكلمات توضعت تحت رمز الحيات

في سنة 588 هـ/1192م بعد أن فصل الملك الظاهر غازي سور حلب عن القلعة ووسع الخندق بمقدار /40/ ذراعا /17.50/ متراً، بني ثمانية أعمدة، ثم رفع على سفح تل القلعة باباً عالياً وجعل له مصراعين باباً بفردتين من حديد وأمر ببناء برجين ضخمين عاليين ووضع في أحد هذين البرجين ـ في البرج الشرقي ـ باباً حديدياً عرف في القرن العشرين بـ باب الحيّات أو الثعابين ثم شق طريقاً ملتوياً إلى داخل القلعة حتى السور العلوي بخمس دركاوات ـ دار قاعات ـ منضودة وحنايا ـ ممرات ذوات قناطر وأقواس حجرية تتوالى صعودا ـ وبني درجات الممرات الكبيرة من البازلت الأسود ثم أحاط يسار الطريق بدرابزين حجرية مسننة وجعل لهذه الممرات ثلاثة أبواب حديدية بحسب التسميات الحديثة وهي باب الحيات، والأسدين أيوبي والثالث باب الأسدين الضاحك والباكي، لكل باب وظيفة من أرباب السيوف وعامة الجند وأماكن لجلوس الجنود، وفتح في سور القلعة باباً سريا سمي باب "الجبل" وعمل له دهليزاً».

  • سطور باب الحيات ومميزاته
  • كلمات عربية واسلامية زخرفت بها الباب

    باب الحيات هو الأول لأبواب القلعة الثلاثة الداخلية وله مصرعان من الحديد، مبني بشكل متقدم عن سور القلعة العلوي، فالمهاجم الذي ينجح باجتياز البرج الأمامي المتقدم يكون معرضاً للقذائف التي تطلق عليه من كوى الرمي، وباب الحيّات بني بطريقة منكسرة حيث ينعطف يميناً لكي يتعذر على العدو اقتحامه، لأن في الاقتحام يجب أن تكون هناك مسافة جيدة من أجل تراجع الغزاة إلى الخلف ومنها يتقدمون إلى الإمام، وبقوة الدفع يفتح الباب بواسطة "الكبش" وهو عبارة عن جذع شجرة ضخم، وأعلى الباب أيضاً يوجد قوس تزييني مزخرف بزوج من الثعابين المتداخلة، تظهر أسنانها مهددة من يقتحم القلعة.

    يوجد سطرين عند نجفة باب الحيّات يقول السطر الأول أمر بعمارتها بعد دثورها السلطان الأعظم الملك الأشرف صلاح ،2، الدنيا والدين خليل محيي الدولة الشريفة العباسية ناصر الملة المحمدية عز نصره، وأما الثاني فهو تحت الكتابة الأولى مؤرخة سنة 786هـ/1384م يقول جددها بعد إهمال عمارتها وإشرافها على الدثور في أيام مولانا السلطان المالك الملك الظاهر أبي سعيد برقوق عمر الله ببقائه الأمصار، وشرف بوجوده ودوام دولته الأشراف، العبد الفقير إلى الله تعالى محمد ابن يوسف بن سلار نائب السلطنة بها في شهور سنة ست وثمانين وسبعمائة 1384م».

    الدكتور "محمود حريتاني"

    ونسب الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية «بأن كل باب من الأبواب يعود إلى الألف الثالث والرابع قبل الميلاد، فقديماً كانت الأنظمة الدينية هي الحاكمة في بادئ الأمر ثم تحولت بعد ذلك إلى النظام السياسي، أما عن الحركة الاقتصادية فكانت مقتصرة بداخل المعبد، فالآلهة ورجال الدين كانوا ملتزمين بتسيير أمور الدولة، وكانت الأراضي ملكاً للمعبد، بعد ذلك أوجد الحكم الملكي باعتبار "الملك" هو الكاهن الأكبر للإله المقدس، والمعبد آنذاك كان له حرمة، وخاصة في إحدى الفترات كان ممنوع على عامة الناس أن يدخلوه فهو مخصص فقط لرجال الدين، وكان الطواف حوله لعامة الناس، القصر له حرمته أيضاً من خلال ضخامة الباب ووجود الرموز عليه التي كانت في الغالب تتخذ على شكل الأسود وأنواع أخرى من الأفاعي».

    * أسطورة خلود الأفاعي

    أوضح الدكتور "حريتاني" أن رمز الأفعى هو رمز قديم يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، فشكل الأفعى تعنى رمز الحياة الخالدة ويعود هذا بسبب ذلك الصراع الذي احتدم بين "جلجاميش" ملك كور ـ جنوب العراق ـ مع "انكيلو" ذلك الرجل الضخم القوي وحين انتهى ذلك الصراع أصبحا صديقين حميمين، وبعد برهة أصيب أنكيلو بدهشة لوفاة صديقه "جلجاميش" فكيف لملك وقد تربّع على كرسي الألوهية الخالدة أن يموت، لذلك قرر "أنكيلو" أن يبحث لنفسه عن الخلود الأبدي، وعمل جاهداً حتى وجد شخص أرشده إلى مكان الخلود حينما قال له في الجبال الخضراء بمدينة لبنان توجد عشبه نباتية تحقق لك الخلود فذهب من كور جنوب العراق إلى الجبال الخضراء بلبنان وحصل على تلك العشبه، وأثناء الرجوع استلقى على الأرض منهكاً من التعب.

    وعند الاستيقاظ لم يجد العشبه وإنما كانت هناك أفعى قائمة، وبذلك فقد الخلود ومنذ ذلك الحين ساد المعتقد بخلود الأفاعي، بسبب عدم معرفتهم بأنها تعمر طويلاً وتبدل جلدها في كل سنة، تلك الرواية وجدت في اللوحات المسمارية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الأفعى رمزاً للخلود والبقاء، وحينما قام "الظاهر غازي" ببناء القلعة المرئية ـ الدرج، الخندق، والأسوار ـ جعل للباب رمزاً بشكل الأفعى».

  • الحيّات من أحد خطوط الدفاع
  • وتابع د. "محمود" «بأن الباب يعتبر من الخطوط الدفاعية الأولى في القلعة ويأتي من بعد الجسر الخشبي المتحرك الأول والثاني، حالياً هو حجري، وبالإضافة للخندق، والسفح وقد بني بطريقة عسكرية دفاعية جيدة بسبب انحرافه ليعيق تقدم الغزاة وتسهيل عمل المدافعين من خلال وجود فتحات لحاملي النشّاب ـ السهام ـ ولكونه ممراً متعرجاً كان هناك في كل زاوية مفاجأة للعدو ناهيك عن بقائهم تحت رحمة ساكبي الزيت والقطران والماء المغلي الممزوج بالحجر، قلعة حلب تعتبر من القلاع القوية ولم تقتحم عنوة وقد سُلمت على يد علماء حلب ومشايخها حينما أسرهم هولاكو وقال لهم حياتكم مقابل القلعة فسلموا له الأمر بذلك، لو افترضنا جدلاً بان الغزاة وصلوا إلى قاعة العرش فهناك خط دفاعي آخر تحت القاعة حيث يتم التصدي لهم بعمل هجوم معاكس من الخلف، ما يميز الخطوط الدفاعية وجود فتحات ضيّقة تسمح برؤية الأشخاص ممن يدخلون القلعة، فهي تتميز بامتلاكها حوالي 25-30 خط دفاعي».

    وختم د."حريتاني" حديثه بالقول: «عند ذلك العصر الذي بنيت فيه القلعة كان هناك اعتقادات سائدة بوجوب الأخذ بالرموز كصفة ملازمة لها، ولا توجد مقارنة بينها وبين قلاع الصليبيين والإسماعيليين لأنها تتفوق عليهم جميعاً».