مدينة "حلب" هي من أقدم المدن المزدهرة في العالم وقد تواصل السكن في موقعها منذ بدأ الاستيطان البشري في الألف الخامسة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، ويدل على ذلك الآثار التي خلفها الإنسان الحلبي على مر تاريخه العريق في مواقع متعددة مثل مواقع "الأنصاري" و"باب الفرج" و"تل السوداء" و"العقبة" و"معبد القلعة" وغيرها.

واليوم سنحاول تسليط الضوء على تاريخ مدينة "حلب" خلال الألفين الثالثة والثانية قبل الميلاد، حيث التقى موقع eAleppo بالباحث الأثري الحلبي "عبد الله حجار" وسأله عن المدينة في هذه الفترة فأجاب بالقول: «لقد كشفت التنقيبات الأثرية في مستوطنة "الأنصاري" الواقعة بالقرب من حي "الحمدانية" عن جدران أبنية وفخاريات تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، كما ذُكرت مدينة "أرمان" و"أرمانوم" /وربما تكون "حلب"/ من قبل الملك "سرغون الأكادي" وحفيده "نارام سن" في القرنين الرابع والعشرين والثالث والعشرين قبل الميلاد، كما ذُكرت في محفوظات "مملكة إيبلا" في العام 2250 قبل الميلاد تحت اسم "خلم"، أما باسمها الحالي "حلب" فقد ذُكرت عندما كانت عاصمة "مملكة يمحاض" في محفوظات "مملكة ماري" /"تل الحريري" قرب "البوكمال"- "دير الزور"/ وفي "ألالاخ" /"تل العطشانة" قرب مدينة "إنطاكية"/ وفي "حتوشا" وهي العاصمة الحثية /قرب العاصمة التركية "أنقرة"/».

لم تتكلم "حلب" بعد عن نفسها بوثائقها الكتابية المنبثقة من تربتها بالذات ولعل الصدفة تسمح يوماً بكشف محفوظات "مملكة يمحاض" في القلعة أو "تل العقبة" أو "التلة السوداء" أو "الأنصاري" أو في سواها فنحصل بذلك على مزيد من الوثائق المادية المبيّنة لحضارة مدينتنا العريقة في تلك الفترة الموغلة في القدم

وأضاف: «لم تتكلم "حلب" بعد عن نفسها بوثائقها الكتابية المنبثقة من تربتها بالذات ولعل الصدفة تسمح يوماً بكشف محفوظات "مملكة يمحاض" في القلعة أو "تل العقبة" أو "التلة السوداء" أو "الأنصاري" أو في سواها فنحصل بذلك على مزيد من الوثائق المادية المبيّنة لحضارة مدينتنا العريقة في تلك الفترة الموغلة في القدم».

الكتابة الهيروغليفية -الحثية في جامع القيقان

وحول الوثائق المتوافرة حالياً قال "حجار": «الوثائق المتوافرة حالياً والتي تبيّن قدم مدينة "حلب" نجد الكتابة الهيروغليفية- الحثية الموجودة على حجر بازلتي أُعيد استعماله في بناء "جامع القيقان" في "حي العقبة" وتذكر تلك الكتابة اسم الإلهة "هبة شاروما" والملك "تلمي شاروما ابن تلبينو" الكاهن الأكبر في "حلب" وتعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد كما كشفت البعثة السورية- الألمانية في "قلعة حلب" عن أحجار تأسيس ضخمة لمعبد من الألف الثاني قبل الميلاد».

وحول تاريخ "مملكة يمحاض" قال: «هي مملكة عمورية كانت عاصمتها "حلب" وكانت أقوى مملكة في "سورية" آنذاك وقد ازدهرت خلال القرنين الثامن عشر والسادس عشر أيام ملوكها العظام من أمثال "يريم ليم" 1781 -1765 قبل الميلاد، وعندما اعتلى "زمر يليم" عرش "مملكة ماري" حوالي العام 1776 قبل الميلاد قام "يريم ليم" ملك "يمحاض" بالتحالف معه وزوّجته ابنته "شبتو" التي لعبت دوراً مهماً في "ماري"، وفي العام 1595 قبل الميلاد هاجم الحثيون المملكة بقيادة "مورسيل الأول" وقضوا عليها».

المعبد المكتشف في قلعة حلب

وتحدث حول المعبد الذي اُكتشف في "قلعة حلب" وبه ختم حديثه لنا: «بدأت في العام 1996 عمليات تنقيب أثرية في القلعة من قبل بعثة سورية- ألمانية مشتركة بإدارة "كاي كولماير" والأستاذ "وحيد خياطة" وانتهت في العام 2004 وقد ظهر معها في الموسم الثالث للتنقيب ثمانية ألواح جدارية بازلتية بمشاهد ميثولوجية مختلفة تعود إلى معبد من القرن العاشر للميلاد كما عُثر على بقايا كتابات ولقى وأواني فخارية تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وبعد إزالة الطبقات العلوية التي تعود إلى مختلف الفترات العربية الإسلامية والهلنستية وعلى عمق أكثر من عشرة أمتار من سطح الحفريات تم الكشف عن معبدين من الألف الثاني والأول قبل الميلاد مع وجود أحجار تأسيس ضخمة بارتفاع 1،20 م دون رسوم للمعبد الأقدم ووجود أكثر من ثلاثين لوح معظمها بازلتي تضم رسوماً نافرة لحيوانات وملوك وآلهة تصدّرها في الجهة الشرقية لوح ملك أمام إله الطقس الحلبي مع كتابة هيروغليفية- حثية من القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وفي الجهة الغربية من المعبد قرب المدخل وُجد تمثال أسد ضخم وبقربه رجل على هيئة سمكة مما هو معروف لدى الآشوريين وتمثال محطم لأبي الهول /"سفينكس"/».

أما الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف سورية الشمالية فقد تحدث عن "حلب" في تلك الفترة بالقول: «من المعروف أنّ موقع "تلة السوداء" بجوار "باب قنسرين" كان أحد التلال التي تكوّنت منها "حلب" إلى جانب مرتفع القلعة و"محلة العقبة" المجاورة لنهر "قويق" في الزمان الغابر، وقد دلت بعض الكسر الفخارية الملتقطة من "تلة السوداء" والحفريات التي أجرتها المديرية العامة لآثار والمتاحف في "حلب" في موقع "الأنصاري" وموقع مشروع "باب الفرج" على بداية تاريخ "حلب" في الألف الثالثة قبل الميلاد».

تل العقبة التاريخي

وأضاف: «يجب ألا يغرب عن بالنا أنّ مدينة "حلب" الحديثة بُنيت فوق المدينة القديمة وهذا لا يمنع من توافر المعلومات التي تشهد على قدم "حلب" فقد اُكتشف في مرتفع "قلعة حلب" جزء من طاولة تقدمات تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد كما أنّ الحجر البازلتي المكتشف في "حي العقبة" الذي كُتب عليه اسم الملك الحثي "تالي شاروما بن تلبينو" ويعود تاريخه إلى العام 1350 قبل الميلاد أي الألف الثانية».

وأخيراً يقول الدكتور "عبد الرحمن حميدة" في كتابه /محافظة "حلب"/- وزارة الثقافة 1992 ما يلي: «أقدم ذكر تاريخي لمدينة "حلب" كان في عهد "ريموش الأكادي" 2530 -2515 قبل الميلاد وقد خلف هذا "سرغون الأكادي" كما ذُكرت في مسلة الملك "الأكادي نارام سين" التي اُكتشفت في "ديار بكر" في الألف الثالثة قبل الميلاد تحت اسم "أرمان" ثم تكرر مؤخراً في كتابات "إيبلا" إذ يذكر هذا الملك أنّه فتح في العام 1450 قبل الميلاد مدينتين لم يسبق أن فتحهما أحد من قبله وهما "أرمان" و"إيبلا"».

ويضيف الدكتور "حميدة": «ظهرت "مملكة يمحاض" في منطقة "حلب" بعد أن استوطنها العموريون أو الآموريون الذين وفدوا من "شبه الجزيرة العربية" في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد وأقاموا المملكة المذكورة التي لعبت دوراً مرموقاً حتى إنّ ملكها "ياريم ليم" نهض لنجدة "حمورابي" ملك "بابل" حوالي العام 800 قبل الميلاد وكانت سلطته تمتد على عشرة ملوك تابعين كما تذكر النصوص، كما ورد ذكرها في أخبار "رمسيس الأكبر" وفي أخبار "حمورابي" في القرن السابع عشر قبل الميلاد».

وأخيراً يقول: «لقد حاول "حاتوسيل" ملك الحثيين الاستيلاء على مملكة "حلب" فعجز وهلك متأثراً بجراحه فاحتلها ابنه "مورسيل الأول" من بعده ودمرها وسبى أهلها حوالي 1806 قبل الميلاد وظلت في أيدي الحثيين حتى العام 1650 قبل الميلاد، وفي القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد احتلها الميتانيون وحكموها بواسطة السلالات الحاكمة فيها وفي العام 1483 قبل الميلاد ضمها فراعنة "مصر" لممتلكاتهم في عهد "رمسيس الأول" وفي منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد احتلها ملك آشور "شلمنصر الثالث" وبقيت في أيدي الآشوريين حتى العام 612 قبل الميلاد».