"القصر الملكي" أو "دار العز" أو "دار الشخوص" هي تسميات مختلفة أطلقها المؤرخون على قصر جميل ما زالت آثاره باقية إلى اليوم في "قلعة حلب" منذ أيام الدولة الأيوبية في "حلب" تحديداً إلى عهد مهندس هذه الدولة الملك الظاهر "غازي"...

الذي قام خلال فترة حكمه بإضافة وبناء العديد من المنشآت في القلعة وخارجها كما قام بأعمال ترميم وتجديد مهمة، ومن أهم آثاره في مدينة "حلب" هو "القصر الملكي" في قلعتها.

دارٌ حكت دارين في طيبٍ ولا ## عطرٌ بساحتها ولا عطّار ## رُفعت سماء عمادها فكأنّها قطبٌ على فلكِ العمود تُدار ## وزهت رياض نقوشها فبنفسجٌ ## غضٌّ وورد يانع وبَهارُ نورٌ من الأصباغ مبتهجٌ ولا ## نورٌ وأزهارٌ ولا إزهار

حول مواصفات القصر تقول المهندسة "ياسمين مستت" مديرة "قلعة حلب" لموقع eAleppo: «بُني "القصر الملكي" في العصر الأيوبي، وفي عهد الملك الظاهر "غازي" وذلك على أنقاض ثلاثة قصور كانت عائدة للعصر الزنكي.

المهندسة ياسمين مستت

مدخل القصر تزيّنه مقرنصات جميلة ويعلو المدخل كتابة أُضيفت إليه في العصر المملوكي وذلك بمناسبة جر المياه إلى الحمام أو إلى صهريج لجمع المياه الموجود تحت القصر، كما يُلاحظ وجود ثلاث بوابات بازلتية تؤدي إلى الساحة الرئيسية للقصر التي كانت مكاناً لإقامة الملك وتحتوي على ثلاثة إيوانات، كما يُلاحظ وجود ساحة أصغر للاجتماعات الرسمية وكلتا الساحتين مبلّطة بالمرمر الملوّن، أما الإيوان الشمالي فيحتوي على سلسبيل ماء خلفه خزان لتأمين وصول الماء إلى القصر ويعود إلى الفترة المملوكية في "حلب"».

أما الأستاذ "عامر رشيد مبيض" فيسميه "قصر الملك الظاهر غازي" أو "دار العز" وعنه يقول: «عندما تزوج الملك الظاهر "غازي" في 11 جمادى الأولى 609 هجرية /9تشرين الأول 1212 ميلادية من ابنة عمه "ضيفة خاتون" التي حكمت "حلب" بعد وفاته وخلال حفلة الزفاف احترق القصر وجميع ما فيه من سجاد ومزهريات مذهّبة ومجوهرات وأثاث وأوان وأشياء أخرى كما أتى الحريق على "الزردخانة" /دار السلاح/. وبعد هذا الحريق الذي أتى على "دار العز" أمر الملك الظاهر بتجديد عمارتها وسماها "دار الشخوص" /أي الصور/ وذلك بسبب وفرة الرسومات النباتية التي اُستعملت في تزيين الدار أو لكثرة ما كان فيها من زخرفة، وقد بلغت مساحة القصر 40 ذراعاً، (17.5)م ويمكننا تسمية هذا القصر بـ"قصر التأمل". وفي سنة 628 هجرية 1230 ميلادية بنى الملك العزيز "محمد بن الملك الظاهر غازي" قصراً جميلاً إلى جانب "الزردخانة" /دار السلاح/ بلغت مساحته 30 ذراعاً أي (13)م2، تحيط به مجموعة من الباحات».

من داخل القصر

ويختم "مبيض": «تنفتح بوابة بين الجدران الملساء التي فُتحت فيها نافذتان صغيرتان وبُنيت البوابة من قواعد متناوبة من الكلس الفاتح والبازلت الرمادي الغامق، وسُترت مشكاة الباب بقبة نصفية ذات نخاريب تنتهي بقوقعة، في الأعلى تمت زخرفة السطح حول القوقعة بضفيرة خشنة منحوتة في ألواح البازلت مع تغشيات بالرخام الفاتح بين الأطراف الشديدة السواد، إنّ الساكف والركائز الداعمة العريضة في الباب مزخرفة بضفيرة لكن خطوطها هي أخاديد ضيقة منحوتة في الأحجار الصفراء أو الرمادية».

أما الدكتور "شوقي شعث" الأمين السابق للمتحف الوطني في "حلب" فيقول عن "القصر الملكي": «يُعتقد أنّ هذا القصر الجميل كان ذا طابقين بناه في أواخر العصر الأيوبي الملك "صلاح الدين الناصر يوسف الثاني" وهناك من يرى أنّ القصر يعود إلى فترة أقدم من عصر "يوسف الثاني" وإنما قام "يوسف الثاني" بترميمه وتوسيعه، للقصر باب جميل تعلوه مقرنصات بديعة وتتوسطها كتابة أُضيفت إليه في العصر المملوكي في حوالي 769 هجرية 1367 ميلادية وذلك عند جر الماء إليه وجعل قاعة "حبس الدم" المجاورة قسماً منه حيث استُخدمت كصهريج ماء.

من داخل القصر.

للقصر باحة جميلة- والكلام للدكتور "شعث"- تتوسطها بحيرة ماء رُصفت أرضيتها بالمرمر الجميل المشقّف المتعدد الألوان وفي صدر الباحة الشمالية يوجد سلسبيل ماء وفي الجنوب إيوان كبير ومن الشرق إيوان آخر أصغر حجماً، وتتصل الباحة بحمام بواسطة ممر رُصفت أرضه بأحجار أخذت أشكالاً هندسية وهي من اللونين الأسود والأبيض، ويتكوّن الحمام كما هو شأن معظم الحمامات العربية من البراني والوسطاني والجواني وقد قامت مديرية الآثار والمتاحف مؤخراً بترميم هذا الحمام مع بعض أقسام القصر».

وحول الكتابة التي أُضيفت للمدخل في العصر المملوكي بمناسبة جر الماء يقول الدكتور "شوقي شعث": «يرجع تاريخ الكتابة إلى العام 769 هجرية /1367 ميلادية ونصها: /بسم الله الرحمن الرحيم، ونبئهم أنّ الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر وانساق الماء إلى هذه القاعة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين شعبان، أعزّ الله أنصاره بالإشارة العالية المولوية المالكية المخدومية السيفية "منكلي بغا الشمسي" كافل المملكة الشريفة الحلبية، أعزّ الله أنصاره، في شهر المحرّم سنة تسع وستين وسبعمئة/».

وأخيراً يتحدث المؤرخ "عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم" /"ابن شداد"/1217-1285 ميلادية في كتابه الشهير/ الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء "الشام" و"الجزيرة"/ عن أهم الأعمال التي قام بها الملك الظاهر "غازي" في "قلعة حلب" ومنها "القصر الملكي" فيقول: «وبنى /أي الملك الظاهر "غازي"/ فيها /أي القلعة/ داراً تُعرف بـ"دار العز" وكان في موضعها دار للملك العادل "نور الدين محمود بن زنكي" تُسمى "دار الذهب" ودار تعرف بـ"دار العواميد" و"دار الملك رضوان"، وبنى حولها بيوتاً وحجراً وحمامات وبستاناً كبيراً في صدر إيوانها فيه أنواع الأزهار، وأصناف الأشجار».

ويضيف "ابن شداد": «ولما تزوج بـ"ضيفة خاتون" ابنة عمه الملك العادل التي حكمت في "حلب" بعد وفاته وأسكنها به وقعت نار عُقيب العرس فاحترق جميع ما كان فيها من الفرش والمصاغ والآلات والأواني واحترقت معها "الزردخانة"، ثم جدد عمارتها وسماها "دار الشخوص" لكثرة ما كان منها /أي الشخوص/ في زخرفتها».

وأخيراً يورد بيوتاً من الشعر قالها "الرشيد عبد الرحمن ابن النابلسي" يمدح فيها القصر وهي:

«دارٌ حكت دارين في طيبٍ ولا

عطرٌ بساحتها ولا عطّار

رُفعت سماء عمادها فكأنّها

قطبٌ على فلكِ العمود تُدار

وزهت رياض نقوشها فبنفسجٌ

غضٌّ وورد يانع وبَهارُ

نورٌ من الأصباغ مبتهجٌ ولا

نورٌ وأزهارٌ ولا إزهار».