مرت على مدينة "حلب" الكثير من الأمم والممالك وقد عملت كل واحدة منها على طبع المدينة بلونها المميّز والخاص من خلال العديد من الآثار العمرانية والتاريخية التي تركتها ومنهم "الزنكيون" الذين دخل قائدهم "عماد الدين زنكي" مدينة "حلب" في العام 1128 ميلادية ثم خلفه ابنه "نور الدين زنكي" الذي ترك الكثير من الآثار التي تدل على عصره ومن تلك الآثار "المطبخ العجمي".

وللتعرّف على تاريخ هذا المعلم الأثري والعمراني الهام التقى موقع eAleppo الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" الذي تحدث قائلاً: «يقع "المطبخ العجمي" في الشارع الذي تم فتحه بين "الجامع الأموي" و"قلعة حلب" في بداية الخمسينات من القرن المنصرم وهو بقايا قصر يعود بتاريخه إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي أي إلى الفترة الزنكية وربما هو لأحد أمراء "نور الدين زنكي" واسمه "مجد الدين بن الداية" الذي تقول بعض المصادر التاريخية بأنه أخو "نور الدين" بالرضاعة.

مؤخراً وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي تم ترميمه وأصبح متحفاً للتقاليد الشعبية وبعد نقل المتحف إلى بيت "أجقباش" تعرّض "المطبخ العجمي" للإهمال وحالياً هو معروض من قبل وزارة السياحة للاستثمار السياحي

تم ترميمه في القرن الخامس عشر ويمتاز بواجهته الفخمة والملأى بالزخرفة وبمتدليات مدخله وقد هُدم جزء منه بلغ حوالي أربعة أمتار من الواجهة أثناء فتح شارع "خان الوزير" الممتد بين "الجامع الأموي" والقلعة كما قلت حيث أعيدت واجهته إلى الخلف وتم تركيب باب حجري للواجهة يعود إلى القرن الثامن عشر وهو باب بيت "يكن" الحلبي التقليدي».

الباب الحجري من القرن الثامن عشر

وأخيراً يقول "حجار": «مؤخراً وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي تم ترميمه وأصبح متحفاً للتقاليد الشعبية وبعد نقل المتحف إلى بيت "أجقباش" تعرّض "المطبخ العجمي" للإهمال وحالياً هو معروض من قبل وزارة السياحة للاستثمار السياحي».

أما الدكتور "محمود حريتاني" وهو المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية فيتحدث عن "المطبخ العجمي" بالقول: «لا شك أنّ لاسم "المطبخ العجمي" صلة باسم "بني العجمي" حيث كانت منازلهم توجد في نفس المنطقة أو بالقرب منها أو في مناطق أخرى من الحي المجاور فالشارع الصغير المسدود حيث يوجد حالياً مدخل المبنى إلى الشرق من الباب الرئيسي يحمل اسم الأسرة نفسها تم ترميمه.

شارع عجمي المجاور

"المطبخ العجمي" تاريخياً هو مبنى قصر قديم حُوّلت وظيفته تماماً بمناسبات مختلفة ووُظّف بوظائف مختلفة فقد اُستعمل ملحقاً ومستودعاً للمتحف الوطني وبديلاً منه حين كان يُبنى المتحف الحالي كما اُستعمل لفترة طويلة كمشغل مخصص لصقل الأقمشة وكان حينها بملكية وقف "حاج موسى الأميري"».

وحول أوصاف "المطبخ العجمي" يتحدث "حريتاني": «يُدخل للبناء الرئيسي بدهليز طويل مقبّب ومتعرّج وهو عبارة عن قاعة كبيرة موجّهة حسب محور شمالي- جنوبي تغطي حوالي 500 متر مربع ومشكّلة من فراغ مركزي مربع تقريباً، أبعاده حوالي تسعة أمتار ونصف تعلوها قبة كبيرة، في الجنوب إيوان ضخم وفي الشمال إيوان صغير وفي الشرق والغرب صالتان ذات قباب تنفتحان على الفناء المركزي ويُدخل إلى الصالتين الجانبيتين عن طريق باب كبير على جانبيه فتحتان صغيرتان تعلوهما طاقات أصغر وتعلوهما طاقات ذات أقواس.

زخارف الباب الخشبي

ويمكن الدخول من الإيوان إلى غرفتين /قبتين/ في الشرق، الأولى غرفة مستطيلة ذات دعامات على شكل إيوان والثانية في الغرب وهي حُجرة مغطاة بقبة على شكل نصف دائرة لها رقبة ذات اثني عشر ضلعاً وفيها نوافذ مستطيلة صغيرة تحملها زوايا لها متدليات كروية مثلثة وهذه الحُجرة متطاولة نحو الغرب عن طريق مخدع مغطى بقبة ذات قوس عقدي من الحجر النحيت، ومن طرفي الإيوان الصغير الشمالي توجد الممرات ودهليز الدخول والاتصال مع الأفنية الأخرى بوضع كلاسيكي معروف، والمعبر الشمالي- الشرقي يتلاقى حالياً مع ممر المدخل الرئيسي بينما المدخل الشمالي الغربي يتيح الدخول إلى ممر مغلق في غربه وفي شماله إلى باحة صغيرة مكشوفة حيث يوجد الدرج إلى السطح، لقد هُدم من الغرفتين المذكورتين ثلاثة أرباعهما وذلك بعد فتح الشارع المجاور في العام 1950 وقد زالت معالمهما بالترميم الأخير للمبنى».

ويختم "حريتاني": «إنّ بناء القبة هو وبكل وضوح متأخر وبلا شك في الفترة المملوكية أي في القرن الرابع عشر، وفي الواقع إنّ المقرنصات بسماكة كبيرة وبسيطة وبناؤها قرميدي عليه طبقة من الجص يتجاوز الزخرفة الحجرية لحنية قوس الإيوان الكبير، أما الإيوان الصغير الشمالي وقسم كبير من الواجهة التي تحيط به حُوّلا في العصر المملوكي، كما أنّ الزخرفة التي على شكل صفين من الأزهار النافرة والسقف الرائع وفيه المتدليات الحجرية كل ذلك يؤرخ في العصر نفسه.

المخادع على طرفي الإيوان حُولت تماماً وأصبحت معرفتهما حالياً مستحيلة أما الفتحات الكبيرة في العقد المكسور المنخفض والساكف الخشبي الذي يسمح بالمرور من الإيوان إلى الغرف يشكلون جزء من البناء الأساسي أما القبة الغربية فهي تبرز حالياً بشكلين على الأقل الأحدث منهما تم حين تحول السقف إلى بنائه المزدوج في الزوايا ليبرز الأقواس الحاملة بنظام المتدليات /قبة ورقبة/ وقد بُنيت دون شك في فترة حكم نائب "حلب" المملوكي "خاير بك" خلال العقود الأولى للحكم العثماني، إنّ التدعيم الغربي بقبته على شكل قبة وربطها مع القبة يعودان إلى الفترة الحديثة نفسها نسبياً».