"قلعة حلب" نموذج فريد من نوعه بين قلاع العالم في مجال العمارة العسكرية حيث تتميّز بوجود عناصر دفاعية عديدة أقامها أصحابها بهدف منع وصول الغزاة والمعتدين إلى داخلها وردّ هجماتهم عنها، ومن هذه العناصر المعمارية الدفاعية مداخل القلعة وأبراجها، فالقلعة تضم عدداً من الأبراج منها ما هو منفرد ومنها ما هو متصل بالسور، ومن الأبراج المنفردة "البرج الأمامي المتقدم".

حول هذا البرج الذي يحتوي اليوم على غرفة بيع بطاقات التذاكر لزوّار القلعة يتحدث الأستاذ "عامر رشيد مبيض"– مؤرخ "حلب" المعاصر قائلاً: «يوجد "البرج الأمامي المتقدم" وسط الجسر الحجري الكبير وهو برج مستطيل ارتفاعه عشرون متراً إلا أنه تعرض للتدمير والترميم لعدة مرات فحجارته لم تعد ضخمة كما كانت وكذلك فإنّ لون الحجارة مختلف عن لون حجارة الأقسام المنخفضة للبرج الكبير /الحصن الرئيسي/ وقد تم ترميمه من قبل آخر السلاطين المماليك "قانصوه الغوري"».

يُنزل إلى الخندق بدرج متجه إلى الأسفل ولهذا يعتقد بعضهم أنّ هناك ممراً سرياً تحت الجسر يصل بين "البرج الأمامي المتقدم" والحصن الذي هو البرج الرئيسي للقلعة

ويضيف: «للبرج بابان من الحديد المصفّح، الباب الأول جنوبي خارجي منفتح على الطريق العام وهذا الباب المصفّح بالحديد ربما يعود لباب الأسدين الذي يقع بعد "باب الحيات" وقد نقله نائب حلب "أبرك الأشرفي السيفي" مملوك السلطان "قانصوه الغوري" عندما رمم البرج سنة 913 هجرية 1507 -1508 ميلادية، وعلى مصراعي هذا الباب كتابة من الجهتين هي: من جهة اليمين /أمر بعمله مولانا الملك الظاهر/ ومن جهة اليسار /"غازي يوسف" في سنة ثمان وستمئة/ وهذا التاريخ يوافق 1211 ميلادية، وهنا ملاحظة أود ذكرها وهي أنّ الكتابة على مصراعي هذا الباب حُذفت منه كلمة /بن/ فهي كما ذكرت /غازي– يوسف– في سنة– ثمان وستمئة/ أما الكتابة الموجودة على مصراعي "باب الأسدين، الضاحك والباكي" فتتضمن لفظة /بن/ وهي / غازي– بن يوسف– في سنة– ثمان وستمئة/، وأغلب الظن أنّ الباب الجنوبي الحديدي كان موضعه الباب الأيوبي الثاني للقلعة /"باب الأسدين"/ الذي يقع بعد "باب الحيات" مباشرةً حيث يوجد فوق نجفة الباب نقش بأسدين وإنّ هذا الباب نقله نائب "حلب" "أبرك الأشرفي" ربما لأنّه لم يكن يرغب بوضع اسم السلطان "قانصوه الغوري" على الباب الأول الجنوبي بعد ترميم "البرج الأمامي المتقدم".

الكتابة أعلى مدخل البرج

أما الباب الثاني للبرج المتقدم الأمامي– والكلام للأستاذ "مبيض"- فهو مصنوع من الخشب ومصفّح بالحديد ويقع شمال البرج بين الغرفتين المتقابلتين ولا توجد كلمات على مصراعيه، وتوجد داخل البرج أيضاً غرفتان متقابلتان في كل غرفة نافذتان أماميتان جنوبيتان تطلان على الجسر الحجري الأول ونافذتان تطلان على جانبي الخندق من جهة الشرق والغرب وتتصل الغرفتان مع مدخل القلعة الرئيسي بواسطة جسر حجري، كما وتوجد في أعلى البرج غرفة في جدرانها فتحات /كوى/ لرمي السهام عند الضرورة ويُصعد إليها بواسطة درج حجري من الجهة الشمالية، وتوجد على سطح البرج شرفات جدارية متقاربة يحتمي خلفها عسكر القلعة ويشرفون على المهاجمين ويطلقون عليهم السهام».

وحول الكتابات الموجودة في "البرج الأمامي المتقدم " يقول "مبيض": «هناك النص المحفور ضمن الحجر فوق ساكف الباب الجنوبي للبرج وهو مؤلف من سطر واحد في الوسط إلى الأعلى توجد البسملة وتحت النص في الوسط يوجد التاريخ، والنص عبارة عن مرسوم سلطاني مؤرّخ سنة 913 هجرية 1507-1508 ميلادية وعلى جانبي النص شعاران دائريا الشكل للسلطان "قانصوه الغوري"، والنص هو/ بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد عمارته مولانا السلطان الأعظم الملك الأشرف "أبو النصر قانصوه الغوري" عزّ نصره بتولية المقرّ السيفي "أبرك الأشرفي" نائب القلعة المنصورة الحلبية عز نصره بتاريخ شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وتسعمئة/».

الباب الجنوبي الأول -المصنوع من الحديد المطروق

ويضيف: «وهناك أيضاً مرسوم سلطاني مملوكي بترميم خندق القلعة، فبعد الدخول من الباب الحديدي الأول للبرج وسط الجسر وبين الغرفتين المتقابلتين يوجد في الأعلى قوس حجري محفور عليه مرسوم مؤلف من أربعة أسطر بخط نسخي مملوكي وبأحرف متوسطة ونص المرسوم هو/ لما كان بتاريخ سنة أحد عشرة وتسعمئة برز المرسوم العالي السلطاني الملكي الأشرفي "أبو النصر قانصوه الغوري" عزّ نصره إلى نائب هذه القلعة المنصورة بحفر الخندق وإخراج ما فيه وبناء دائر الخندق بالقلعة المنصورة حماها الله واستكمل عمل ذلك من بنائها إلى مدة آخرها سنة ثلاث عشرة وتسعمئة المتولى فيها قبل توجه إلى خدمة الأبواب الشريفة وهو نائب القلعة وعاد المقر السيفي "أبرك الأشرفي" مقدّم الألوف بالديار المصرية وشاد الشرابخانة الشريفة ونائب هذه القلعة المنصورة أعز الله أنصاره بتاريخ سنة خمس عشرة وتسعمئة/».

أما الدكتور "شوقي شعت" أمين المتحف الوطني بحلب سابقاً فيقول عن "البرج الأمامي المتقدم" في كتابه /"قلعة حلب"– دليل أثري تاريخي/- دار القلم العربي 1993 ما يلي: «أول الأبراج في القلعة هو ما يُسمى البرج الأول أو برج المدخل المتقدم ويبلغ ارتفاعه 20 متراً وهو مستطيل الشكل جُدّد في عهد "قانصوه الغوري" وحُصّن بسقاطات ذات ثلاث فتحات وفتحة للسهام تعلو المدخل وببابين صُنع الجنوبي من الحديد المطروق ذو مصراعين جُدّد في عهد الملك الظاهر "غازي الأيوبي" أما الشمالي فصُنع من الخشب السميك والثقيل وصُفّح بالحديد ويُعتقد بأنه يعود إلى عهد السلطان "الغوري"، هذا إلى جانب شراريف(1) تحيط بسطح البرج ومرامي السهام».

البرج المتقدم الأمامي مع الجسر الحجري

ويضيف "شعث": «لقد كان هذا البرج يتصل في الأصل بالقلعة بواسطة جسر خشبي ثم استبدل بجسر ثابت من الحجر يقوم على ثمانية أقواس وقد زُيّن أعلى المدخل بحليات معمارية من النوع المعروف بالصنج المزررة سبعة منها من الحجر الكلسي الأبيض تأخذ شكلاً واحداً يسمح بتداخلها مع الصنج ذات اللون الأسود المصنوعة من الحجر البازلتي فيما عدا الشكل الأوسط الذي يأخذ شكل الكأس، أما الصنج ذات اللون الأسود فبلغ عددها ثمانية وُضعت على نحو متناوب مع رفيقاتها البيض.

لقد زُيّنت واجهة البرج بكتابات على أشكال دائرية ربما كانت رنوكاً وبأشكال دائرية أخرى عليها عناصر تزيينية ثلاثة منها يمين السقاطة وثلاثة إلى يسارها كما أن هناك واحدة تحتها».

ويختم: «يُنزل إلى الخندق بدرج متجه إلى الأسفل ولهذا يعتقد بعضهم أنّ هناك ممراً سرياً تحت الجسر يصل بين "البرج الأمامي المتقدم" والحصن الذي هو البرج الرئيسي للقلعة».

(1) – الشراريف: هي من العناصر المعمارية الدفاعية في القلاع والأبراج، وهي نوع من الحجارة المسنّنة أو غير المسنّنة تُبنى في أعلى الحصن وأسوار القلاع ويحتمي وراءها المدافعون.