على بعد نحو 45 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة "عفرين" تقع أطلال مدينة "سيروس"* التاريخية /"قلعة النبي هوري"/ والتي تتضمن إضافةً إلى قلعتها ومسرحها الجميل وأسوارها التي تعود إلى الفترة السلوقية مدفناً رومانياً سداسي الشكل وقد دفن فيه بحسب بعض المؤرخين أحد القادة الرومانيين، ويقول آخرين بأنه يضم قبر "أوريا بن حنان".

حول أوصاف مدينة "سيروس" التاريخية ومدفنها يتحدث الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" لموقع eAleppo بالقول: «تمتد المدينة من سفح التل حتى طرف الوادي الذي يجري فيه "نهر صابون" /أحد روافد "نهر عفرين"/ وهناك سور من أيام السلوقيين أعيد ترميمه عدة مرات ويحيط بالمدينة من الشمال والجنوب ويسير في الشرق مع انحناءات الوادي، وفي المدينة قلعة قائمة موقع الأكروبول القديم تمتد مع أطراف التلة البيضوية وفي جدران سورها أربعة أبراج مربعة وبرجان حول باب السور الجنوبي وفي أعلى القمة قام الحصن الرئيسي. يمر وسط المدينة شارع مستقيم شمالي جنوبي وقام فيها مسرح وضمن سور ضخم يستند إلى سور المدينة الغربي قامت باحة واسعة جداً بداخلها كنيسة قديمة ذات ثلاثة أروقة».

"قلعة قورص" /"قورش" أو "سيروس"/ وبها قبر "أوريا بن حنان"

ويضيف الأستاذ "حجار" متحدثاً عن "المدفن الروماني" في المدينة وهو من أهم معالمها الباقية إلى اليوم: «لقد امتدت قبور مدينة "سيروس" خارج أسوارها شمالاً وجنوباً، ففي جهتها الجنوبية الغربية قام مدفن روماني سداسي الشكل يعود بتاريخه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي وهو ما يدعوه الأهالي والناس المحليون من المنطقة بقبر النبي هوري، وذكر "الهروي" أنّ فيه قبر "أوريا بن حنان".

تيجان الأعمدة في المدفن

يبلغ طول ضلع الشكل السداسي للمدفن خمسة أمتار وخمسون سنتيمتراً وهو مبني بأحجار منحوتة ملسة في الأسفل منه تنتهي في الزوايا الست بأحجار استناد تحمل الإفريز الذي يحيط بكامل البناء وقد علاه نافذة كبيرة من كل أوجهه الستة انتهت بقوس في أعلاها، وللمدفن إفريز ثان مزخرف قام فوقه سقف على شكل هرم عال تجمعت وجوهه المثلثية لتنتهي في قمته بتاج كورنتي مزخرف بأوراق الأكانت /الخرشوف/، ويوجد داخل المدفن غرفة صغيرة مقوّسة فيها قبر رمزي يعود تاريخه إلى العام 703 هجرية /أي من أيام المماليك/ والقبر موشح بحلة خضراء وهو مكان تكريم من قبل الأهالي».

ويختم "حجار" حديثه: «بجانب تلك الغرفة يوجد ممر ضيق يصعد منه بدرج إلى الطبقة العلوية حيث النوافذ المطلة على جميع الاتجاهات وكذلك الأعمدة البديعة في زوايا البناء للطبقة العلوية، وقد تألفت العواميد من قطعة واحدة من المرمر».

قبة الهرم في المدفن

أما الدكتور "محمد عبدو علي" وهو متخصص بكتابة تاريخ منطقة "عفرين" وله العديد من الدراسات والكتب في هذا المجال فيقول عن "المدفن الروماني" في "سيروس": «من أبرز المعالم الأثرية الباقية لمدينة "سيروس" مسرحها الروماني الرائع وشارعها الرئيسي والحمامات والمدافن التي بُنيت في غاية الرقي والإبداع، وفيها أيضاً قبر قائد روماني مبني على شكل برج مسدس الشكل ويقع في الطرف الجنوبي الغربي من المدينة ولا يزال يحتفظ بكامل هيكله، وفي الغرفة الصغيرة الموجودة تحت البرج يوجد مقام رمزي مؤرخ لعام 1303 هجرية 1885 ميلادية.

للموقع عدة تسميات وهو يعرف حالياً باسم "نبي هوري" و"قلعة هوري" وللاسم "هوري" رواية تقول أنه يعود إلى اسم "أوريا بن حنان" أحد قادة النبي "داوود" الذي قُتل في معركة جرت أحداثها في الألف الأول قبل الميلاد ودُفن فيها، ففي الصفحة 225 من كتاب /الدر المنتخب في تاريخ مملكة "حلب"/ يقول المؤرخ "ابن الشحنة"** حول هذه القصة بأنّ النبي "داوود" أحب زوجة "أوريا بن حنان" فأرسله إلى القتال في تلك الجهات لكي يأخذ زوجته بعد مقتله، وهناك من المؤرخين من يرى أنّ هذه رواية مغرضة لمناقضتها عصمة الأنبياء».

القبر الرمزي تحت المدفن

وأخيراً يقول الدكتور "محمد": «رغم الأهمية الكبيرة لأطلال مدينة "سيروس" إلا أنها متروكة للقدر يعبث بها كل من هب ودب والواجب يدعو مديرية الآثار تعيين حراس عليها لحماية آثارها من العبث، فللموقع أهمية سياحية كبيرة حيث يرتادها مئات السياح والمصطافين من أهالي المنطقة ومدينة "حلب" وكذلك الفرق السياحية الأجنبية بهدف التعرّف على مدينة "سيروس" وآثارها الرائعة».

وفي المصادر التاريخية ورد في كتاب /الإشارات إلى معرفة الزيارات/ للمؤرخ "الهروي"*** المتوفى في مدينة "حلب" في العام 611 هجرية ما يلي: «"قلعة قورص" /"قورش" أو "سيروس"/ وبها قبر "أوريا بن حنان"».

وفي الصفحة 168 كتاب /الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة/ للمؤرخ "ابن شداد" وهو مؤرخ بلاد الشام في عصر "الظاهر بيبرس" ورد ما يلي: «وبقورس /"قورش" أو "سيروس"/ قبر "أوريا بن حنان" في قبة من قبلي المدينة وقصته مع "داوود" مشهورة».

هوامش:

  • "سيروس": ينسب تاريخ بناء المدينة إلى فترة حكم "سلوقس نيكاتور" 312 -280 قبل الميلاد وهو مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق، وبحسب بعض المصادر التاريخية أيضاً أنّ الاسم "سيروس" هو اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي "كورش" حيث تعود المدينة إلى أيامه.
  • ** "ابن الشحنة": هو "أبو الفضل محمد بن الشحنة" 1402 -1485 ميلادية.

    *** "الهروي": هو "أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي" وأصله بحسب المؤرخين من مدينة "هراة" في "أفغانستان" وهو موصلي المولد وسائح مشهور توفي في "حلب" ودفن في ضاحية "حلب" الجنوبية.