يعود تاريخ الجامع الأموي الكبير في "حلب" إلى زمن الصحابة في العام 16 هجرية 637 ميلادية أما من الناحية المعمارية /التجديدية/ فيعود إلى زمن "سليمان بن عبد الملك" في العام 98 هجرية 716 ميلادية ولكنه حافظ على شكله المعماري على الرغم من الإضافات والتجديدات عبر التاريخ، ومن أهم ما يميز هذا الجامع هو مئذنة فريدة من نوعها في العالم الإسلامي.

يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض"- مؤرخ "حلب" المعاصر حول هذه المئذنة: «إنّ أهم ما تم بناؤه في القرن الخامس الهجري- الحادي عشر الميلادي هو بناء المئذنة في الجامع وقد انتهت عمارتها في العام 488 هجرية /1095 ميلادية وهي ذات أهمية فريدة من نوعها وتشبه واجهة إحدى عمارات مدينة البندقية.

أما الطابق السادس للمئذنة فهو عبارة عن غرفة صغيرة مكعبة الشكل من الحجارة يغطي قمة الدرج ويتوسطها جوسق المئذنة وقد جُدد درابزون المئذنة في العام 791 هجرية 1388 ميلادية كما جُدد الرفراف الذي يعلوها في شهر محرم سنة 855 هجرية- شباط 1451 ميلادية

إنّ كاتب نقوش المئذنة والفكر المحرك لهذا العمل بأكمله هو قاضي "حلب" الشهير "أبو الحسن محمد بن الخشاب" وذلك بدليل النقش الكتابي الموجود على المئذنة في الطابق الأول من جهة الجنوب "مما ابتدأ بإنشائه القاضي الأجل أبي الحسن محمد بن يحيى بن محمد بن الخشاب رحمه الله"».

الطابق الثالث من المئذنة

وحول أوصاف هذه المئذنة يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض": «لقد وُصفت هذه المئذنة على أنها المبنى الأساسي في سورية القرون الوسطى، مخططها مربع الشكل وهي مقسمة إلى أربعة طبقات رئيسية وكل طبقة مطعّمة بطريقة مختلفة ولكن بحس موحد ومتوازن جداً، يبلغ عرض المئذنة من الجهات الأربع 4،95 متراً أما ارتفاعها فيبلغ 46 متراً ويُصعد إليها بدرجات يبلغ عددها 164 درجة، وبدن المئذنة مقسّم إلى خمسة طوابق يحمل كل طابق منها كتابات».

وهذه الكتابات هي بحسب الأستاذ "عامر": «يضم الطابق الأول شريط كتابي من الجهات الأربع نصه "بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المأذنة في دولة مولانا السلطان المعظم شاهنشاه الأعظم سيد الأمم مولى العرب والعجم سلطان أرض الله ركن الإسلام والمسلمين معز الدنيا والدين جلال الدولة أبي الفتح ملكشاه بن محمد أمير المؤمنين نصر الله سلطانه وأيام الأمير الأجل المظفر قسيم الدولة ونصير الملة آلب أبي سعيد آق سنقر بك مولا أمير المؤمنين أعز الله نصره مما ابتدأ بإنشائه القاضي الأجل أبو الحسن محمد بن يحيى بن محمد بن الخشاب رحمه الله إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلوة وآتى الزكاة".

الطابق الرابع

وفي الطابق الثاني تبدأ الكتابة من جهة الشرق ونصها "بسم الله الرحمن الرحيم وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين".

في الطابق الثالث تبدأ الكتابة عند الزاوية الشمالية الشرقية ونصها "بسم الله الرحمن الرحيم إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي الرضى ومحمد وعلي والحسن والحجة القائم وارفع منارهم وارحم أوليائهم".

الطابق الخامس

في الطابق الرابع من المئذنة تزداد الزخرفة ويوجد في الزوايا وفي وسط الأوجه الأربعة أعمدة صغيرة محصورة بقواعد مثمنة الشكل وتيجان يستند إليها قوسان يعلوهما سبعة فصوص ويوجد في وسط كل رواق مقنطر كوة مستديرة محاطة بزخرفة بارزة بستة فصوص كما يحمل الإفريز كتابة بخط كوفي مزهر وهي أبسط من كتابات الطابقين الثاني والثالث وهي قريبة من الكتابة الموجودة في الطابق الخامس وهي: "بسم الله الرحمن الرحيم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون".

الطابق الخامس هو طابق النوافذ الكثيرة وهي مستطيلة الشكل وتحتفظ جزئياً ببلاطات مخرّمة، تبدأ الكتابة من الزاوية الشمالية الغربية وتجتاز الأوجه الأربعة وهي من نوع الخط الكوفي "بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإتمام هذه البنية في دولة السلطان المعظم شاهنشاه الأعظم تاج الدولة القاهرة وسيد الأمة الباهرة أبو سعيد تتش بن محمد ناصر أمير المؤمنين"».

ويضيف مؤرخ "حلب" المعاصر: «أما الطابق السادس للمئذنة فهو عبارة عن غرفة صغيرة مكعبة الشكل من الحجارة يغطي قمة الدرج ويتوسطها جوسق المئذنة وقد جُدد درابزون المئذنة في العام 791 هجرية 1388 ميلادية كما جُدد الرفراف الذي يعلوها في شهر محرم سنة 855 هجرية- شباط 1451 ميلادية».

ويختم كلامه متحدثاً عن الشريط الكتابي المكتشف في أعلى المئذنة بالقول: «في العام 2002 تم اكتشاف الشريط الكتابي في أعلى المئذنة حيث كان مطلياً بالطين ونصها "بسم الله الرحمن الرحيم كملت في دولة الملك العادل جلال الدولة وجمال الملة عز الإسلام أمير المؤمنين أبي المظفر ابن محمد عضد الدين أعز الله ملكه والأمير الأجل جناح الدولة عماد الدين حسام أمير المؤمنين أبي عبد الله الحسين ابن ايتكن أدام الله سلطانه على يدي الأمير الأجل الموفق فخر الرؤساء مقدم الملك أبي الحسن بركات بن فارس أدام الله أيامه وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين وأربعمئة ولله الحمد والمنة" /1095 ميلادية».

ويقول الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" متحدثاً عن المئذنة: «لقد تم تجديد بناء المئذنة الحالية أيام السلطان السلجوقي "ملكشاه بن ألب أرسلان" ونائبه في حلب "قسيم الدولة أقسنقر" في العام 482 هجرية 1089 ميلادية كما تبين الكتابة الموزعة على أحزمة طبقات المئذنة والتي تضم فيها اسم المعمار وتاريخ البناء بالخط الكوفي المورق والجميل وهو "صنعه حسن بن مفرح السرماني سنة ثلث وثمانين وأربعمئة" 1090م.

ويُفهم من كتابة الطبقة العلوية بأنّ بناء المئذنة قد تم أيام السلطان "تتش" الذي خلف أخاه "ملكشاه" سنة 487 هجرية 1094 ميلادية وأشرف القاضي "ابن الخشاب" على البناء».