يقع "باب الحديد" في الزاوية الشمالية الشرقية من السور القديم لمدينة "حلب" وقد أعطاه هذا الموقع أهمية تجارية كبيرة عبر التاريخ حيث كان يشكل نقطة وصول القوافل التجارية من الشرق والفرات والعراق وبلاد فارس والشرق الأقصى، إضافة إلى أنه كان المكان الذي تدخل منه المياه إلى مدينة "حلب" عبر "قناة حيلان".

حول تاريخ إنشاء هذا الباب وأسمائه المتعددة التي عُرف بها يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ "حلب" المعاصر: «ما يزال "باب الحديد" حتى يومنا هذا من أهم أبواب مدينة "حلب" وهو محافظ على شكله بشكل جيد، وقد سُمي الباب باسم "باب القناة" لأنّ القناة التي ساقها الملك "الظاهر غازي" من قرية حيلان إلى مدينة "حلب" كانت تعبر هذا الباب، ويقول المؤرخ "ابن الشحنة" عنه بأنه سُمي بباب بانقوسا لأننا نخرج منه إلى بانقوسا الحارة الكبيرة وهي من أحياء ضاحية "حلب" في الجهة الشمالية الشرقية واسمه اليوم "باب الحديد"، وقد وُجد هذا الباب منذ انتقال السور إلى جهة الشرق في العهد المملوكي حيث يحمل كتابة إنشاء باسم "قانصوه الغوري" وهي مؤرخة في العام 1509 ميلادية».

إنّ "باب الحديد" هو من عمل السلطان "قانصوه الغوري" فجدرانه متينة بسماكة تتراوح بين 3,15 متر و 4,80 متر، وإنّ غرفة صغيرة أبعادها 5,15 متر و 4 أمتار تحتل البروز بالكامل ويتم الدخول من طرف البروز والخروج بعد الالتفاف بتجاوز جدار الاستحكام الكبير وكما في كل مكان يوجد ضريح الولي

وحول الكتابات والنقوش الموجودة على الباب يقول "مبيض": «على يسار الداخل إلى الباب يوجد نص سلطاني ضمن الحجر وهو عبارة عن لوحة كبيرة بعدة أجزاء مدمجة في الزخرفة إلى يسار الباب نفسه والكتابة مؤلفة من سطرين مع البسلمة في الأعلى أبعادها 2,60 م و80 سم وهي مكتوبة بخط نسخي مملوكي وبأحرف كبيرة، والكتابة هي: << بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا الحصن المنيع والباب الرفيع مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره بتولية مملوكه أبرك مقدم الألوف بالديار المصرية وشاد الشرابخانات الشريفة ونائب القلعة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره سنة خمس وعشرة وتسعمائة>> أي 1509 ميلادية.

الكتابة الموجودة على يسار الداخل إلى الباب

كما يوجد رنك /شعار/ في قمة قوس الباب ويوجد رنكان /شعاران/ على الوجه الشرقي للبروز، وهناك نص كتابي سلطاني محفور ضمن الحجر بستة أسطر بخط نسخي مملوكي وسط لوحة الجبهة الشمالية فوق فاصل المزار الحديث، والكتابة هي: << بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا البرج المشيد والباب الجديد صاحب السيف والقلم مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره بتولية المقر السيفي أبرك مقدم الألوف بالديار المصرية وشاد الشراب خانة الشريفة ونائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة اعز الله أنصاره بتاريخ سنة خمس عشرة وتسعمائة>>».

ويتابع "مبيض" متحدثاً عن النقطة التي غيرت تسمية الباب: «من هذه الكتابة أستنتج بأنّ الباب سُمي بباب الحديد ليس كما يقال بأن صناعة الحديد كانت قائمة في السوق داخل الباب بل أجزم بأنّ مصدر التسمية جاءت من قراءة خاطئة من أحد العوام للكلمة الواردة في النقش السابق المحفور ضمن الحجر وهي كلمة /الباب الجديد/ حيث قرأها آنذاك أي في العام 1509 ميلادي /الباب الحديد/ بدلاً من /الباب الجديد/ وعبارة الباب الجديد تعني أن الباب كان موجوداً في عهد سابق بدلالة ورود اسمه في المصادر التاريخية باسم "باب القناة" ثم "باب بانقوسا" فجدده "قانصوه الغوري"».

شعار موجود في قمة قوس الباب

ويختم: «إنّ "باب الحديد" هو من عمل السلطان "قانصوه الغوري" فجدرانه متينة بسماكة تتراوح بين 3,15 متر و 4,80 متر، وإنّ غرفة صغيرة أبعادها 5,15 متر و 4 أمتار تحتل البروز بالكامل ويتم الدخول من طرف البروز والخروج بعد الالتفاف بتجاوز جدار الاستحكام الكبير وكما في كل مكان يوجد ضريح الولي».

أما الدكتور "محمود حريتاني" وهو المدير السابق لآثار ومتاحف سورية الشمالية فيقول عن الباب: «"باب الحديد" ويدعى أيضاً "باب القناة" ويقع في الزاوية الشمالية الشرقية من سور مدينة "حلب" القديمة ويعود تاريخه إلى فترة انتقال سور المدينة إلى الشرق في فترة حكم المماليك وتوجد عليه كتابة التأسيس باسم السلطان "قانصوه الغوري" من العام 1509 ميلادية.

الباب من الداخل

يصل هذا الباب الضواحي الشعبية الكبيرة الموجودة في الشمال الشرقي من المدينة مع الأحياء في مركز المدينة عن طريق مناطق سكنية وفعاليات قائمة شرق القلعة كما يربط المدينة بالمناطق الريفية والبادية الشرقية عبر ضواح اختصت بفعاليات وسكن جماعات هامشية بعيدة عن المدينة الأساسية وهي مهاجرة من مناطق مختلفة مثل الأكراد والتركمان ورجال قوافل وتجار امتهنوا العمل في منتجات تربية المواشي والزراعة كما سكنها الانكشاريون في فترة الحكم العثماني».

ويتابع الدكتور "محمود": «حول هذا الباب وقرب مدخله بُنيت أربعة حمامات وجامعان كبيران وخانات وأسواق في الفترتين المملوكية والعثمانية وتلك إشارة هامة تدل على نشاط واسع في المبادلات قبل الدخول إلى المدينة، والمحور الذي يربط الباب بالقلعة فيه جامع كبير وحمام مملوكي ويخترق المحور أحياء سكنية تسكنها بعض عائلات أعيان المدينة كما توجد فيه فعاليات حرفية موجودة بشكل خاص في سوق كبير مسقوف يُعرف بسوق النجارين أو سوق المسلاتية بُني في العصر المملوكي وخُصص حتى وقت قريب جداً لبيع تجهيزات خشبية لأعمال الزراعة مثل المحاريث وغيرها وإلى طرف المحور قليلاً توجد مصبنة كانت تعمل حتى عقود متأخرة وقد بنيت بلا شك في القرن الثامن عشر».