في العام 2000 تم اكتشاف لوحة موزاييك مرسومة باستخدام حصى نهرية وذلك في موقع "تل أحمر" الأثري الذي يقع إلى الشمال من مدينة "حلب" بنحو 180 كم من قبل بعثة بلجيكية- سورية، وبعد عشر سنوات قررت المديرية العامة للآثار والمتاحف بالاتفاق مع الجانب البلجيكي قلعها من الموقع ونقلها إلى "حلب" بغية ترميمها في خطوة هي الأولى من نوعها في سورية والعالم.

موقع eAleppo التقى الدكتورة "رانية العلي" رئيسة قسم الترميم في المتحف الوطني بحلب التي تحدثت عن تاريخ هذه اللوحة ومواصفاتها وقصة قلعها ونقلها وترميمها في المتحف الوطني بحلب قائلة: «يبعد موقع "تل أحمر" الذي اكتشفت فيه اللوحة عن مدينة حلب بنحو 180 كم شمالاً حيث تعمل فيه بعثة سورية- بلجيكية مشتركة، اللوحة اكتشفت في قمة التل تقريباً ضمن قصر آشوري وذلك في العام 2000 ولكن لم يتم نقلها حينها إلى مدينة "حلب" لأنهم كانوا يقومون بحمايتها سنوياً، وفي العام 2010 فكرت مديرية الآثار والمتاحف والجانب البلجيكي بأن يتم ترميم اللوحة لأنه لم يعد هناك من مجال كي تبقى مكانها على الطبيعة لكونها بدأت تتهدم وتنفرط الحصى النهرية منها، وإثر قرار القلع توجهنا إلى الموقع بعد أن جاءنا مدير مخبر الفسيفساء بدمشق "محمد الكايد" والمرمم المتخصص "برهان الزراع" والمرممة "جيهان سليمان"».

إن ترميم لوحة موزاييك من حصى نهرية يتم لأول مرة في سورية والعالم، وقد تم فعلاً وذلك بخبرات وطنية بمشاركة المعمل الفني بدمشق وطلاب من الجامعة، الترميم يحتاج إلى ألواح تدعيم ومواد لاصقة.. الخ، وفي العادة يتم استيراد الألواح الداعمة من اسبانية أو ايطالية بأسعار باهظة ولكن المرممين هنا وجدوا طريقة تصنيع الألواح نفسها في سورية ومؤلفة من مواد خفيفة ومتينة لتدعيمها وإعطائها قاعدة ثابتة

وقالت متحدثة عن عملية قلع اللوحة: «كانت عملية صعبة جداً لأنها المرة في تاريخ سورية والعالم التي يتم فيها اقتلاع مثل هذه اللوحة وهي تختلف عن لوحات الموزاييك العادية /البيزنطية والرومانية/ بأن نمطها فريد من نوعه، لذلك كانت عملية القلع عبارة عن تجربة رائدة ومخيفة بنفس الوقت فهي تتضمن إما النجاح أو الفشل ولا حل وسط.

الدكتورة رانية العلي -رئيسة قسم الترميم في المتحف

لقد قمنا باعتماد طريقة مبتكرة وذلك بحسب ظروف الموقع نفسه مع طرق الاقتلاع المعروفة بالنسبة للموزاييك العادي، لقد كانت الصعوبة البالغة في عملية القلع هي أن هذه الحصى النهرية مزروعة مباشرة على تربة هشة ولا يوجد تحتها أي أساس أو طبقات تحضيرية يمكن الاعتماد عليها أثناء القلع كالموزاييك البيزنطي والروماني ولذلك دامت عملية القلع ثلاثة أيام حيث قمنا بقص طبقة ترابية من تحتها بسماكة حوالي 30 سم.

وحول طريقة نقلها قالت: «كانت عملية نقل اللوحة من الموقع إلى المتحف الوطني بحلب أمراً صعبا للغاية حيث استغرقت الرحلة حوالي أربع ساعات ونصف على الطريق لأن أي حركة كانت ستؤدي إلى فرط اللوحة لكون الحصى النهرية فيها مزروعة مباشرة في الطبقة الترابية الهشة كما قلت ولكننا استطعنا إيصالها بسلام وأمان».

الأستاذ أحمد عثمان -أمين متحف الشرق القديم

وعن عملية ترميم اللوحة قالت رئيسة قسم الترميم في المتحف: «إن ترميم لوحة موزاييك من حصى نهرية يتم لأول مرة في سورية والعالم، وقد تم فعلاً وذلك بخبرات وطنية بمشاركة المعمل الفني بدمشق وطلاب من الجامعة، الترميم يحتاج إلى ألواح تدعيم ومواد لاصقة.. الخ، وفي العادة يتم استيراد الألواح الداعمة من اسبانية أو ايطالية بأسعار باهظة ولكن المرممين هنا وجدوا طريقة تصنيع الألواح نفسها في سورية ومؤلفة من مواد خفيفة ومتينة لتدعيمها وإعطائها قاعدة ثابتة».

خلال أسبوعين من العمل تم الانتهاء من ترميمها بخبرات وطنية وبعملية ناجحة، فقد قمنا بترصيف الحصى في المربعات المخرّبة بالاستناد إلى المربعين المحفوظين بشكل ممتاز ضمن اللوحة وكذلك بالاعتماد على الصور الملتقطة للوحة أثناء اكتشافها وبعد انجازنا للترميم تبين لنا أن نسبة فقدان اللوحة للحصى هو أقل من 5% وهو رقم ممتاز وحتى أقل من نسبة فقدان المربعات في لوحات الموزاييك العادي خلال قلعها ونقلها، والجدير بالذكر أنه وخلال عملنا في ترميم اللوحة زارنا مدير مخابر الترميم بالجزائر وقد أعجب كثيراً بوجود هذه الخبرات الوطنية في سورية.

اللوحة معروضة في المتحف بعد ترميمها

للوحة جمال فظيع، أبعادها 1 متر ×1 متر و30 سم وهي مؤلفة من سبع مربعات أربعة منها كانت كاملة كل مربع أبعاده 38 سم وكل مربعين متقابلين بالرأس والحصى مرصوفة بنفس الطريقة تبدأ بحصى بيضاء ومن ثم سوداء وهكذا على شكل حلقة ويدل رصف الحصى بهذه الطريقة الهندسية على دراستها بشكل دقيق فلو أنها رُسمت دون هدف لكانت أبعاد المربعات ستختلف».

كما تحدثت الدكتورة "رانية" عن أسباب قلع اللوحة وعدم تركها ضمن الموقع بالقول: «اللوحة كانت ضمن منطقة سكنية حيث كان الناس وحيواناتهم يمشون عليها ويؤذونها ويخربونها هذا من جهة ومن جهة ثانية إن "تل أحمر" هو من التلال التي غُمرت بمياه سد تشرين ما دعا إلى عملية إنقاذ لآثار كل التلال الهامة الموجودة في المنطقة ومن ضمنها طبعاً "تل أحمر".

المنحى حالياً في سورية هو ليس التنقيب عن الآثار فقط إنما التوجه نحو صيانة المكتشفات الأثرية وترميمها وخاصة الفسيفساء والموزاييك والتماثيل ..الخ لأن الكشف عنها يعني تغير شروطها البيئية القديمة وتعرضها لشروط بيئية جديدة ما يؤدي إلى إتلافها إن لم توضع ضمن شروط مناسبة».

الأستاذ "أحمد عثمان" أمين متحف الشرق القديم قال: «تاريخ اللوحة يعود إلى ما بين القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد وقد اُكتشفت في موقع "تل أحمر" /تل برسيب/ الواقع إلى الحدود السورية التركية جنوب مدينة جرابلس بنحو 20 كم وتحديداً في منطقة سد تشرين وقد تم اقتلاعها من الموقع وترميمها في المتحف الوطني بحلب وهي الآن معروضة في قاعة "تل أحمر" في المتحف بجانب مسلات "اسر حدون".

وبالنسبة لموقع "تل أحمر" فقد عملت فيه عدة بعثات هي: بعثة فرنسية بين عامي 1929-1931 وبعثة استرالية بين عامي 1998-1999 ومنذ العام 2000 تعمل فيه بعثة بلجيكية من جامعة لييج.

للوحة أهميتها الأثرية والسياحية الكبيرة حيث تحكي عن جزء من تاريخ بلدنا فهي كما قلت تعود إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد /آشورية/ وعرضها في المتحف سيتيح للسياح رؤيتها وبالتالي التعرّف على تاريخنا العريق».