لم يثنه كبر سنه عن التواصل مع الأقارب والأصدقاء، وأضاف إلى ما يتمتع به من دماثة الخلق وطيب المعشر، كتاباً من تأليفه وآخر مازال مخطوطاً، ولعل أهم ما يعتزّ به التحاقه بجيش الإنقاذ عام 1946 حيث لم يُقبل لصغر سنه، كذلك وسام الشجاعة المعلق على صدره دوماً.

كتب عنه الكاتب "هاني الخير" في كتابه "شخصيات سورية في القرن العشرين": «هو واحد من رجالات سورية العظام، وبطل من أبطالها المجهولين، ويعد من أبرز الشخصيات الوطنية السورية في القرن العشرين، إنه المتقاعد (أبي هشام) "سعيد جاويش"، أحد المشرفين على عملية اصطياد الجاسوس "الياهو كوهين" ضمن المجموعة المكلفة بتحديد موقعه في دمشق وإلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة».

إن القضية الفلسطينية والعدو الصهيوني هاجس "سعيد" منذ عرفته، وإنني أفتخر وأرفع رأسي به وأقدر كثيراً ما قام به لأجل فلسطين والأمة العربية

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 20 تشرين الثاني 2013 السيد "سعيد جاويش" لتقدّم لنا صورة عن حياة هذه الشخصية الدمشقية، ليبتدئ بأحب حدث إلى قلبه: «عندما فتح باب التطوع للقتال ضد الصهاينة في فلسطين في عام 1946 ذهبت للتطوع ولكني لم أقبل لصغر سني، ثم تقدمت للتطوع للمرة الثانية في الجيش السوري عام 1951، فقُبلت والتحقت بسلاح الإشارة، واتبعت دورة إشارة ودورة لغة عبرية، لأنتقل بعدها الى الشعبة الثانية لرئاسة أركان الجيش، وأعين في قسم المراقبة الهاتفية كعنصر، ثم بعد عدة أشهر عينت رئيساً للمراقبة».

كتاب "هاني الخير"

أما بداياته الأولى فكانت من معشوقته "دمشق" التي ولد فيها، ودرس الشهادة الابتدائية في مدرسة "الملك العادل"، ثم اتجه بعدها للعمل في مجال الكهرباء، لسوء الوضع المادي وخصوصاً بعد وفاة والده وهو بعمر 12 سنة.

وعندما انتقل "سعيد" إلى "حمص"، تابع عمله وأكمل دراسته حتى حصل على الشهادة المتوسطة، ثم درس الثانوية العامة، وبعدها استمر بتدريس اللغة العبرية والإشارة من عام 1952 حتى عام 1956 حيث وقع العدوان الثلاثي على مصر، وقد كُلّف بمهمة معاون لضابط إشارة الكلية العسكرية، ومعاون لمدرس اللغة العبرية فيها.

كتب "جاويش" كتاباً سماه "حكاية جاسوس لم تكتمل"، وكتاب آخر عن الحرب الجاسوسية الإلكترونية بصدد نشره، وقد تحدث عنهما وعن سبب تأليفهما فقال: «قمت بكتابة الكتاب بعد صمت دام 45 سنة، لنشر ثقافة الأمن الوقائي وتنمية الوعي الأمني لدى أبناء الشعب السوري خصوصاً والشعب العربي عموماً، ولتعزيز ثقة الشعب بإمكانيات الجيش الوطني، وأنا حالياً بصدد إصدار كتاب عن الحرب الجاسوسية الالكترونية سيصدر نهاية هذا العام».

كان له دور مباشر في اكتشاف الشبكات التجسسية بإنشاء جهاز مراقبة للشبكات اللاسلكية العسكرية المعادية والاتصالات اللاسلكية الجاسوسية، تحدث عنها: «بينما كنت أشرح للطلاب كيفية استعمال جهاز لاسلكي لاقط، سمعت في الجهاز اتصالاً لاسلكياً لمحطة عسكرية معادية كانت تنادي (ثعلب هنا- ثعلب واحد)، وعندها فكرت بإنشاء جهاز مراقبة للشبكات اللاسلكية العسكرية المعادية والاتصالات اللاسلكية الجاسوسية، وعندما تم نقلي من الكلية العسكرية كلفتني القيادة بهذا المشروع، حيث قمت بالذهاب إلى الجبهة الجنوبية الغربية وبدأت مراقبة الشبكات اللاسلكية العسكرية وتسجيل كل أنواع الاتصالات وقد كنت وقتها برتبة رقيب».

وحدث أن اكتشف "جاويش" عملية سرقة لخطوطنا العسكرية الهاتفية، في عام 1964، فقام مع زميله "ابراهيم شريف" بتفكيك هذه الأجهزة التي كانت تنقل المكالمات الهاتفية مباشرة إلى الأرض المحتلة، وفي عام 1965 اكتشف ثلاثة أجهزة أخرى كانت مزروعة في بلدة "كفر حارب".

أما قصة الرسائل الجاسوسية المشفرة التي أثارت الارتياب لكونها صادرة عن جاسوس، فكانت في منتصف كانون الثاني عام 1962، حين التقط المراقب "مصطفى كيالي" أحد المراقبين اللاسلكيين ما تبثه محطة الموساد لجواسيسها في كل مكان ومن بينهم رسائل مشفرة كانت ترسل إلى جاسوسها المدعو "الياهو بن شاؤول كوهين" الذي كان يعيش في دمشق على أنه عربي سوري الأصل، وعلى أنه مغترب في الأرجنتين، ومعروف باسم "كامل أمين ثابت"، وبنفس الوقت كان هناك مراقبون آخرون يلتقطون البث.

وعن تسلمه وسام الشجاعة قال: «كان "كوهين" قد زرع في سورية بمهمة الوصول الى مواقع السلطة، إلا أننا تمكنا من اكتشافه واعتقاله ومحاكمته وإعدامه، حيث قمت بترؤس مجموعة أمنية مؤلفة مني، ومن ضابط الصف "أبو الخير"، وضابط الصف "رفعت أورفلي"، والسائق المدني "اسماعيل بدور"، وكان قائد الوحدة هو الرائد "محمد وداد بشير" ومعاونه وقتها الملازم "محمد ناصيف".

وتم اقتحام منزل "كوهين" في "حي أبو رمانة"، والذي انهار على الفور بعد تحطيم الباب الخارجي وذلك في 18 كانون الثاني 1965، والشيء الذي يدعو للفخر أنه ما من أحد من الشعب السوري الذي تعرف عليه كان قد تعاون معه أو مده بأية معلومات، لأنه أعدم قبل أن تبدأ مهمته الحقيقية بتزويد اسرائيل بمعلومات هامة، وبعد تلك المهمة الوطنية كرمنا وتم تسليمنا وسام الشجاعة».

زوجته السيدة "سارة سويد" تحدثت عنه فقالت: «إن القضية الفلسطينية والعدو الصهيوني هاجس "سعيد" منذ عرفته، وإنني أفتخر وأرفع رأسي به وأقدر كثيراً ما قام به لأجل فلسطين والأمة العربية».

يذكر أن "سعيد جاويش" من مواليد دمشق 1930.