للمرة الثانية في "دمشق" وبعد حصوله على جائزة أفضل إخراج في مهرجان "القاهرة" الدولي للمسرح التجريبي بدورته الحادية والعشرين، أعادت فرقة "كون" المسرحية تقديم عرض "الدون كيشوت" على المسرح الدائري للـ"معهد العالي للفنون المسرحية"، وذلك على مدى سبعة أيام بين 13 و19/11/2009.

وكانت المرة الأولى التي تم فيها تقديم العرض في أواخر العام /2008/ ضمن إطار برنامج المنح الإنتاجية لاحتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية، من سينوغرافيا وإخراج: "أسامة حلال"، وتأليف "كفاح الخوص" في رؤيةٍ جديدة لشخصية "الدون كيشوت" التي احتلت مكانة مرموقة في تاريخ الأدب العالمي، عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الإسباني "سرفانتس" أحد أبرز الرموز الثقافية الإسبانية والعالمية، وركزّت هذه الرؤية على غنى العلاقة الإنسانية بين "سانشو" والــ"دون كيشوت" بطلي المسرحية، ومراجعة كثير من المفاهيم الأخلاقية التي تبدو شديدة الأهمية لإنسان زمننا الحالي، بالإضافة إلى إجراء مقارنة بين البطل الأسطوري والبطل الحديث، من خلال إخضاع مفاهيم الفروسية والبطولة لظروف تتناسب مع تطورات وأزمات ومشاكل الزمن الحالي.

كان أداءً مرهقاً، إلا أنني استمتعت به كثيراً، وأرجو أن تكون رسالة "سانشو" المعاصرة قد وصلت

وتم تقديم هذه الرؤية المعاصرة لشخصيتي "الدون كيشوت"، و"سانشو" في إطار تجريبي كوميدي، يخترق الصورة النمطية لكلٍ منهما من حيث الشكل والمضمون، فالدون كيشوت لم يبدو كما المعتاد طويلاً ونحيلاً وصارماً في تقديم مقولاته وطروحاته التي يؤمن بها، حيث أدى دوره الفنان "معن عبد الحق" على نحوٍ كوميدي وبصفاتٍ شكليةٍ مختلفةٍ تماماً عن الصورة الذهنية السائدة عنه، أما "سانشو" الذي أدى دوره الفنّان "جلال الطويل" فبدا طويلاً ضخماً وأكثر واقعية، ربما لأنه أدرك أن فارس ذلك العصر «أهزل من جرادة»، فقرر التمرد على سيده الذي أغواه بالسعي وراء الأحلام، فقرر قتله لأن: «من رضي عاش»، ولأن وقت اليقظة قد حان، ولكن هذه اليقظة: «أمرّ من الموت ذاته».

سانشو القرن الحادي والعشرين

أما الفضاء المسرحي الذي صممه "أسامة حلال" فكان غنياً بالتفاصيل والتقنيات، حيث أخذت المنصة شكلاً مستقيماً على طول قطر المسرح الدائري، وفي كثير من المشاهد كانت الشخصيات تتحرك على طول الخشبة باستخدام قطعٍ متحركةٍ من المنصة على شكل اللسان، كما تم تقديم العديد من الحلول الإخراجية المبتكرة، فحصان "الدون كيشوت" لم يكن سوى أرجوحةٍ معلقةٍ في الهواء تراوح في نفس المكان تقريباً، أما طواحين الهواء فتمت الإشارة إليها من خلال رقصة "التنورة" المصرية الغنيّة بالألوان والشبيهة من حيث الشكل بالميلوية وأدّاها اثنان من الدراويش، ولأن الرؤية في المسرح جانبية- بناءً على اختيار المخرج- تمت الاستفادة من تقنية خيال الظل لأداء عددٍ من المشاهد، وكان للموسيقا الحيّة دورها المؤثر في العرض، مع الأصوات المصاحبة للجوقة.

وفي حديث لموقع "eSyria" أكّد "أسامة حلال" أنّ إعادة عرض الدون كيشوت في "دمشق" للمرة الثانية يعني له الكثيرعلى الصعيد الشخصي، خاصة بعد حصوله على جائزة أفضل إخراج في مهرجان "القاهرة" الدولي للمسرح التجريبي، وأضاف قائلاً: «كنّا بحاجة لهذه الجائزة كنوعٍ من الاعتراف بإبداعنا في مجال المسرح التجريبي، واجتهاداتنا المستمرة في سورية على هذا النوع من المسرح».

الدون كيشوت أما طيف حبيبته

وأوضح قائلاً: «لم يكن هناك أي اختلاف في الرؤية الإخراجية بين العرض الأول والثاني للمسرحية، ولكن الذي اختلف فقط هو اختيار ممثلين جديدين لأداء الأدوار الرئيسة، ففي العرض الثاني أدى "معن عبد الحق" شخصية الدون كيشوت بدلاً من "كفاح الخوص"، و"جلال الطويل" بدلاً من "جمال شقير" في شخصية "سانشو"، الأمر الذي فرض علاقة جديدة مع الممثلين تمت الاستفادة منها في تكريس مقولة العرض الأساسية وهي كسر الصورة النمطية لكلٍ من الشخصيتين، كإنسانين من لحمٍ ودم، ولديهما مواصفات تنطبق على الجميع».

كما أخبرنا "أسامة حلال" بأن الفرقة تلقت دعواتٍ لتقديم العرض في كلٍ من "المغرب، ونيويورك، وعددٍ من دول الخليج"، أما جديد "فرقة كون المسرحية" فسيكون "روميو وجولييت" خلال العام /2010/.

الفنان بسّام كوسا

أما الفنّان "معن عبد الحق" فاعتبر أن الشكل الذي قدّمه لشخصية الدون كيشوت هو تطورٌ جديد لهذه الشخصية لا يخرج عن جوهرها الحقيقي، فدون كيشوت القرن الحادي والعشرين ما يزال يدافع عن القيم النبيلة ويصارع الوهم، ولكن هذه المرة تم تقديم الشخصية بتطور جديد بدءاً من الشكل، ووصولاً لطريقة الأداء، وأضاف: «أرادت المسرحية طرح تصور مختلف عن الرواية التقليدية عبر تغيير الشكل النمطي لكلٍ من البطلين ولكن ضمن نفس الخط الأصلي للرواية وهو الصراع بين الوهم والحقيقة».

وختم "معن" بالقول: «"الدون كيشوت" من الشخصيات التي مثلت تحدياً كبيراً بالنسبة لي على مستوى الأداء، خاصة أن محور الدور هو تقديم الشخصية بشكلٍ جديد وكوميدي مع الحفاظ على خصوصيتها، إلا أن هذا التحدي كان ممتعاً بالنسبة لي».

كذلك الأمر بالنسبة للفنان "بسام الطويل" الذي قال: «أثناء أدائي لدور "سانشو" فكّرت به على أنه شخص منّا، لديه زوجة وأولاد وله نصيب كبير من المعاناة اليومية للإنسان العادي، ورغم تقديسه لقيم الصداقة إلا أنه ضد الدون كيشوت في فكرة الحلم الذي لا يتحقق، والاستمرار في هذا الحلم دون أي مقاربة للواقع، فيقرر قتله وهو على علم بأنه سيعود ليكمل معه رحلته.. رحلة الحلم».

وأضاف بأن أداء هذه الشخصية كان صعباً بالنسبة له، فهو يشتغل للمرة الأولى على هذا النوع من الأداء، وبدون أي خط فعل متصل للشخصية، وختم قائلاً: «كان أداءً مرهقاً، إلا أنني استمتعت به كثيراً، وأرجو أن تكون رسالة "سانشو" المعاصرة قد وصلت».

الفنان "بسام كوسا" كان من بين الحضور، وتحدث لموقع "eSyria" عن العرض قائلاً: «النص مبني على أساس تجريبي، وفيه اقتحام كبير لهذه الشخصية العالمية، وأعتقد أنه كان موفقاً في كثير من النقاط، لكنه كان يحتمل اجتهاداً كوميدياً أكبر بحيث تكون جرعة الكوميديا أعلى مما تم تقديمه، كما تضمن العرض العديد من الحلول الإخراجية الجيدة والتي كان ينقصها برأيي التنفيذ الدقيق، إلا أن ذلك أيضاً أضفى على الأداء شيئاً من العفوية والبراءة، ورغم أن المكان لا يصلح لهذا النوع من العروض إلا أن القائمين على العرض استطاعوا التحايل عليه، واستغلاله بأفضل شكل ممكن خاصةً فيما يتعلق بالعمل على اللسان وهو أمر في غاية الصعوبة».

وختم الفنّان "بسام كوسا" بالقول: «نحن دائماً بحاجة لهذا النوع من العروض في سورية، خاصّة تلك التي تحمل الحس التجريبي، ولسنا بحاجة لمسلمات أو نهايات، فالمسرح بحاجةٍ دائمة للجدل والتجريب والاقتحام».