"الذين تحدثوا عن خالد العظم قالوا ربع الحقيقة ولم يعطوه حقه كاملاً"، بهذا الكلام بدأ المؤرخ "مروان الطيب" حديثه معنا من خلال معاصرته للحقبة التاريخية التي كان فيها مقرباً من "خالد العظم"، خصوصاً أن والده كان يعمل محاسباً في ديوان الرئاسة السورية في تلك الفترة.
الحِنكة السياسية كانت من الصفات التي يتمتع بها "العظم" حسب قول الأستاذ "مروان": لقد بدأ "العظم" حياته السياسية رئيس حكومة عام 1941 -1942 مع خروج الفيشيين ودخول الديغوليين، عندما خرج "فيشي" من حكم فرنسا كان "العظم" رئيساً لحكومة سورية، وفي حينها طلب من "فيشي" بذكاء كبير أن يعطيه كتاب تكليف منه لتولي رئاسة الجمهورية بالنيابة، وحصل على الكتاب وأصبح رئيس وزارة ورئيس جمهورية مكلف، وفي نفس الليلة أحضر النائب العام واستصدر قانوناً ونشره في الجريدة الرسمية، حيث كان يتضمن إخراج جميع المعتقلين السياسيين الذين وضعتهم فرنسا في السجون السورية.
عقله عقل دولة كان لديه خطة غير مكلفة ووارداتها عالية لإنشاء سد "يوسف باشا" الذي يستفاد منه في تسهيل زراعة القمح و القطن في المنطقة الشرقية، لكن لظروف غير معروفة لم يتم إنشاؤه رغم أهميته الكبيرة التي كانت ستظهر نتائجها في يومنا هذا
أما أبرز الأمور التي قام بها "العظم" حسب رأي "الطيب"؛ أنه ضبط البلد من الفلتان الذي حصل، وحافظ عليه من انعكاسات ثورة "رشيد علي الكيلاني" في العراق عام 1941 ، أما سرقة بغداد في تلك الفترة فقد كان لها تأثيرها الكبير على سورية، كما حافظ على المال العام، وكانت عيناه تتوجه دائماً إلى رغيف الناس الفقراء بسبب اعتقاداته الاشتراكية، وهذا الكلام كله لم يذكر عنه في أي ندوة من الندوات التي قامت للحديث عن "خالد العظم".
أول من أدخل فكرة صوامع الحبوب إلى سورية لأنها تحفظ الحبوب لمدة 20 عاماً كان "خالد العظم" حسب الأستاذ "مروان" حيث قال:« عقله عقل دولة كان لديه خطة غير مكلفة ووارداتها عالية لإنشاء سد "يوسف باشا" الذي يستفاد منه في تسهيل زراعة القمح و القطن في المنطقة الشرقية، لكن لظروف غير معروفة لم يتم إنشاؤه رغم أهميته الكبيرة التي كانت ستظهر نتائجها في يومنا هذا».
كان لـ "خالد العظم" وجهات نظر كثيرة عرفها الأستاذ "مروان" ومنها: إنشاء غرفة الصناعة في سورية؛ فكان أول من أنشأ غرفة الصناعة، وكان أول رئيس لها_ وعندما تدخل إلى غرفة الصناعة الآن قاعة الاجتماعات سوف ترى صورة وضعت على الجدار كتب عليها "خالد العظم" مؤسس الغرفة وأول رئيس لها- .
كان نظرته دائماً موجهة إلى الفقير رغم أنه مليونير حسب قول "الطيب":« ومن أهم الأمور التي أخذت انتباهه، ارتفاع سعر بعض الأقمشة المستوردة التي يحتاجها معظم الناس، فقرر إقامة مصنع لها مما جعل أسعارها تصل إلى النصف تقريباً، كما أسس معمل الإسمنت لكون البلد كان في حاجة ماسة له خاصةً في البناء الذي كان على الطريقة القديمة، حيث يستخدم الحجر والكلس الذي يحد من عدد الطوابق، كما بدأ "خالد العظم" بتوسيع رقعة الأراضي المزروعة، وأسس غرفة الزراعة وجعل لها رئيس، وجعل لها صلاحيات، وأسس كياناً اقتصادياً مبدئياً للبلد.
وفي سؤال عن مذكرات "خالد العظم" قال الأستاذ "مروان":« لقد قرأت المذكرات سنة 1964عندما بدأ بطبعها في بيروت، وكان يساعده في تصحيحها من الناحية اللغوية "خليل الكلاس"، وقام بنشرها في جريدة النهار اللبنانية بشكل يومي، وبعد ظهور كامل الأعداد قاموا بطبعها وكان "خالد العظم" مازال على قيد الحياة.
أما عن صداقة "خالد العظم" مع البطريرك "المعوشي" قال "الطيب" :«كان بينهما مودة وصداقة قوية، وكان يسمى –بطرك الإسلام- وعند ذهاب البطريرك إلى أميركا لمقابلة الرئيس "أيزنهاور" قام بسؤاله عن "خالد العظم" فكان الجواب بأن الأمريكيين يعتقدون أنه أخطر عليهم من "غرو تشوف"».
إن الرئيس "القوتلي" تخلص من "خالد العظم" بإرساله سفيراً إلى فرنسا، كما قال الأستاذ "مروان" : «وبعد ذهابه لتولي المهام هناك حصلت لدى الرئيس "القوتلي" مشكلة في تأليف الوزارة، فلم يجد أحداً بكفاءة "خالد العظم" فأرسل الرئيس له طلباً لكي يحضر إلى دمشق لتشكيل الوزارة، وحضر على عجل من "باريس" إلى "بيروت" ثم إلى القصر الجمهوري في دمشق دون أن يحضر زوجته وأولاده أو حتى ثيابه، قام "خالد العظم" بتشكيل الحكومة من دون مشاورات، واستصدر قراراً من الرئيس "القوتلي" وقدمه إلى مجلس النواب، دخل البرلمان وألقى خطابه المؤثر يومها عن ضرورة أن تحوز الحكومة على الثقة، وأخذ الثقة على الحكومة التي شكلها.
وعند السؤال عن اتفاقية التابلاين ودور "خالد العظم" في تلك الفترة قال "الطيب":« كان "العظم" من أشد المعارضين لهذه الاتفاقية، لأنه رأى فيها تطاولاً على سيادة سورية، ولم يقبل التوقيع عليها إلا بعد إرجاع خط التابلاين إلى الوراء، وأن يمر من خلف دمشق متجهاً إلى طرطوس، ولكن الاحتلال الإسرائيلي لم يقبل لأن النفط سيصبح بعيداً عن متناول يديه، ولكن عندما تولى الرئيس "حسني الزعيم" عن طريق انقلاب عسكري قام بوضع "القوتلي" و"خالد العظم" في السجن، ووقع اتفاقية التابلاين والهدنة مع إسرائيل بالشروط التي تريدها ناسفاً كل الجهود التي بذلت لتعديل الاتفاقية».
وفي سؤال عن كونه قدّم وجهة نظره الصحيحة بـ "خالد العظم" عندما قام بتمثيل دوره في مسلسل حمام القيشاني قال "الطيب":« كان الدور جيداً، وذلك يعود لاستلام "خالد العظم" الوزارة في سورية خمس مرات، مما يبرز الدور الذي قام به في فترة عصيبة مرّت على سورية، وإلى حدٍٍٍٍ ما كنت مقتنعاً بالدور الذي قمت به، ولكن المسلسل لم يعطه حقه الكامل بصراحة إذا ما قورن مع الدور الكبير الذي قام به في تلك الفترة».