لابد للمرء أن يترك بصمته التي يتميز بها عن غيره من أقرانه أبناء مهنته في كل مجالات الحياة، وللجد والمثابرة الدور الكبير في صناعة هذه البصمة، كما أن العمل على هدف يرسمه الإنسان لحياته ويسعى بكل ما يمتلك من أساليب للوصول إليه، يجعله من المبدعين في عمله على كافة المستويات والصعد.

وهذه البصمة بدت واضحة عند الدكتور "حسان الخيمي" الذي استطاع أن يحقق ما لم يستطيع تحقيقه العديد من المهندسين والخبراء في مجال الطرق والأنفاق، ليس على مستوى "سورية" فحسب، بل على مستوى "أوروبا" حيث له مجموعة من الدراسات والأبحاث، التي مازالت معتمدة في "ألمانيا" في هذا المجال حتى اليوم.

أن "حسان" إنسان عملي يعرف ما يريد، ويستخدم جميع السبل للوصول إلى هدفه بطريقة سلسة، ويترجم فكره الأكاديمي إلى واقع عملي، حيث تمكن من ردم الفجوة بين الدراسة الأكاديمية، والجانب التطبيقي، كما أنه يتمتع بفكر خلاق ومبدع، وليس تقليديا، وله شخصية قيادية تمكنه من قيادة المشاريع بنجاح

موقع eSyria التقى الدكتور "حسان الخيمي" ليحدثنا عن مسيرته الإبداعية في مجال هندسة الأنفاق والطرق، والذي بدأ حديثه قائلاً: «كانت رغبة والدتي دراسة الطب، لكن دراسة الهندسة كانت تستهويني منذ البداية، فدخلت إلى كلية الهندسة المدنية في "جامعة دمشق"، وكان هدفي الظهور بين طلاب الجامعة، والتميز، وسعيت لهذا الهدف بكل ما أملك، من خلال عملي أثناء الدراسة في المكاتب الهندسية، حتى أتمكن من ربط الجانب النظري الذي أقوم بدارسته على مدرجات الكلية، بالجانب العملي بين العمال في ميدان العمل، وهذه العوامل خلقت لدي نوعاً من حب المهنة، وقدرة على التعامل مع جميع المستويات التي أتعامل معها في العمل، من مدير مشروع، ومهندس، وبالتالي هذه المهارة تخلق قدرة على النجاح، وتخلق ما يسمى بـ"المنطق الهندسي"، وهذا يجعلك تتغلب على جميع المشاكل التي تعترضك، حتى تمكنت من الوصول إلى هدفي».

الدكتور المهندس حسان الخيمي

ويضيف: «كانت نتيجتي عند التخرج، من الطلاب العشرة الأوائل على مستوى الكلية، فتم تعييني مدرسا في جامعة "دمشق"، لكن طموحي لم ينته عند هذا الحد، بل كان لابد لي من إكمال دراستي في التعليم العالي، فدرست الماجستير، وكان الموضوع المطروح مهماً للغاية يخص "دراسة الأبنية في مدينة دمشق على الزلازل"، وكنت أمام تجربة صعبة، لأن هذا الموضوع لم يكن مطروحاً، بسبب عدم تعرض المنطقة للزلازل، ولاقى الموضوع معارضة من الدكاترة في الجامعة، لكنني كنت مصمماً على متابعته، وأثناء العمل توصلت إلى نتائج جيدة، وأُثبتّ أهمية الموضوع بعدة فترة، أثناء الزلزال الذي ضرب "أرمينيا"، فتم تناول هذا البحث في تنفيذ المباني بمدينة "دمشق"».

ويضيف قائلاً: «سافرت إلى "ألمانيا" لإكمال دراسة الدكتوراه في مجال الهندسة وعندما وصلت بدأت بتعلم اللغة الألمانية وبعد أربعة أشهر تم انتقائي كأفضل طالب في معهد "غوته"، وكانت معايير التقييم تتم من خلال تمثيل الطالب لثقافة بلده، وسرعة تعلمه اللغة، فكنت من أسرع الطلاب تعلما للغة في هذا المعهد، وتم تكريمي خلال حفل التخرج، وبعدها انتقلت إلى جامعة "هنوفر" لدراسة الدكتوراه، وكانت رغبتي الدراسة في مجال الطرق، لكن ظهر لي اختصاص آخر يسمى "هندسة الأنفاق" ولم يكن هذا الاختصاص معروفا لدينا في "سورية"، فقررت أن أدرس هذا الاختصاص لأنه من الاختصاصات النادرة على مستوى العالم، وبعد اجتياز العديد من الاختبارات أعطاني البروفيسور موافقة القبول في هذا الاختصاص، وكان موضوع البحث ليس نظريا فقط بل يحتاج إلى العمل، ويكلف طالب الدكتوراه بالتدريس في الجامعة، وفي الأبحاث في اختصاصه، وكنت من أكثر الطلاب نشاطاً على مستوى العلاقات الاجتماعية والعمل والدراسة».

إحدى شهادات التقدير التي حصل عليها

أما عن الجانب العملي أثناء وجوده في "ألمانيا" فيقول الدكتور "حسان": «بما أن اختصاصي من الاختصاصات النادرة فقد عُرضت عليَّ العديد من الإغراءات لكي أعمل في "ألمانيا"، فقررت العمل هناك لكسب المزيد من الخبرات وتطوير نفسي من خلال العمل بالمشاريع على أرض الواقع، فقد خضعت لمجموعة من الاختبارات، وعندما تأكدوا أنني الشخص المناسب بدأت العمل في شركة من أكبر الشركات الاستشارية في "ألمانيا"، وشغلت فيها منصب رئيس قسم الأنفاق وكان الشرط الأساسي الذي وضعوه لي، ألا أعود إلى بلدي، وكان يعمل معي أكثر من ستين مهندسا، قمنا بتنفيذ مجموعة من أنفاق الميترو في كبرى المدن الألمانية، واستمر العمل حتى وصلت إلى مرتبة كبير خبراء في هذه الشركة، ومن أهم المشاريع التي قمت بتنفيذها، مشاريع القطار السريع، ومشاريع مترو الأنفاق، وغير ذلك من المشاريع الضخمة في العاصمة وغيرها من المدن الألمانية، وبعد أن شعرت بأنني حصلت على كل ما أريد من خبرات ومهارات وتقنيات حديثة في العمل، وحققت النجاح الذي كنت أحلم به، وأنني قادر على نقل هذه الخبرات للاستفادة منها في بلدي قررت العودة إلى سورية».

وعن أهم الأعمال التي قام بها في "سورية" بعد عودته بشهادة الدكتوراه، وبمجموعة من الخبرات والمهارات الأحدث على مستوى العالم يقول "الخيمي": «بعد عودتي عُينت مدرساً في كلية الهندسة بجامعة البعث عام 2000 وكانت وقتها "سورية" تشهد نهضة كبيرة في مجال الطرق، تم تكليفي بالعديد من المشاريع الصعبة والمهمة بنفس الوقت، ومنها نفق "الأمويين" ونفق "العباسيين" في مدينة "دمشق"، وفي هذه الفترة نُقلت إلى جامعة "دمشق" وأسست وحدة عمل هندسية تحت اسم "الوحدة الهندسية للمنشآت الخاصة" التابعة لجامعة "دمشق" وكان اهتمامي الأساسي نقل الخبرات الحديثة من "ألمانيا"، وتطبيقها في المشاريع الوطنية بنفس الجودة التي تمارس هناك ما أدخل إلى سوق العمل الهندسي معارف جديدة وطرق عمل قائمة على الدقة، والمعرفة العلمية العالية».

عمر النمر صديق الدكتور حسان

ويتابع حديثه قائلاً: «كانت "دمشق" تسعى لحل الأزمة المرورية فيها، فقامت المحافظة بتنظيم مسابقة مرورية لمشروع محور "المهدي بن بركة" وسط المدينة، فقدمت مجموعتنا الهندسية خططا لهذا المشروع مع ثمانية خطط من مكاتب هندسية أخرى، وتم تعيين خبراء لدراسة هذه الخطط، واختيار الخطة الأمثل، فحصلت خطتنا على الجائزة الأولى بين الخطط المقدمة، وتم تنفيذ هذه المشاريع وفق الخطة التي قدمناها، ومنحنا جائزة وزير الإدارة المحلية، وجائزة وزير النقل، والمحافظة، وحصلنا على أفضل جائزة عن مشروع شمال وجنوب المدينة، والمنطقة المحيطة بمدينة "دمشق" القديمة، وجاءت هذه الجوائز نتيجة الاستفادة من الخبرات التي حصلت عليها في "أوروبا"، لأن علاقتي مازالت جيدة مع جامعتي في "ألمانيا"، حيث بقيت على تواصل معهم لمعرفة آخر التطورات في مجال العلوم الهندسية، من خلال الزيارات التي أقوم بها بين الحين والآخر».

وعن الربط بين العمل الأكاديمي في الجامعة والعمل الميداني يقول: «الربط بين العمل الأكاديمي، والجانب العملي يعتبر من أهم الأهداف الإستراتيجية التي تساهم في تطوير البلد والمجتمع، فأنا أقوم بزيارة طلابي في المشاريع التي يقومون بتنفيذها، وأقف على أهم المشاكل التي تواجههم، لنضيف ما يُدرّس في الجامعة إلى الجانب العملي والخبرة الأكاديمية التي تؤدي إلى تطوير العمل الميداني في المشاريع من خلال توظيف الدراسة بالمشاريع المنفذة».

وعن عمل الدكتور "حسان" سألنا ابنته الآنسة "زينة الخيمي" التي تدرس هندسة العمارة في جامعة "دمشق" والتي تقول: «إن شدة تعلق والدي بعمله والنتائج التي حققها دفعتني إلى دراسة الهندسة التي كانت هوايتي بالدرجة الأولى لكن شدة اهتمامه بعمله الذي يأخذ منه معظم وقته، حتى إننا لا نكاد نستطيع الجلوس معه لانهماكه في عمله، وهذا التعلق بالعمل اعتبره سبب نجاحه، حيث استطاع تحقيق ما لم يستطيع تحقيقه الكثيرون في هذا المجال».

كما التقينا الدكتور "عمر النمر" صديق د. "حسان" والذي قال لنا: «أن "حسان" إنسان عملي يعرف ما يريد، ويستخدم جميع السبل للوصول إلى هدفه بطريقة سلسة، ويترجم فكره الأكاديمي إلى واقع عملي، حيث تمكن من ردم الفجوة بين الدراسة الأكاديمية، والجانب التطبيقي، كما أنه يتمتع بفكر خلاق ومبدع، وليس تقليديا، وله شخصية قيادية تمكنه من قيادة المشاريع بنجاح».

يشار إلى أن الدكتور "حسان الخيمي" من مواليد "دمشق" عام 1962 حاصل على إجازة في الهندسة المدنية من "جامعة دمشق" عام 1985 وشهادة ماجستير في الهندسة من "جامعة دمشق" عام 1988 ودكتوراه اختصاص "أنفاق" من جامعة "هنوفر" الألمانية، كما أنه حاصل على عدة شهادات تقدير من عدة مؤتمرات وندوات شارك فيها على مستوى الوطن العربي، ويعمل مدرساً في كلية الهندسة المدنية في "جامعة دمشق" قسم النقل والمواصلات ورئيس قسم الهندسة التكنيكية الزلزالية في المعهد العالي للدراسات والأبحاث الزلزالية.