"حلبون" "زهرة القلمون" بلدة ريفية في محافظة "ريف دمشق" تقع في سلسلة "القلمون" الجبلية شمال غرب "دمشق" وتبعد عنها حوالي (27 كم)
البلدة التي طالما تميز سكانها بأصالة النسب والكرم وحسن الضيافة، لم تسلم حياتهم الهادئة البسيطة البعيدة عن تعقيدات الحياة المعاصرة من حركة تطور الحياة الاجتماعية والانفتاح الاقتصادي والتقدم الذي رافق وسائل المواصلات والاتصالات، والتي أدت مع التقدم في الزمن إلى زوال عدد من التقاليد والعادات، ومنها طقوس العيد التي لم تعد معظمها قائمة إلى يومنا هذا فيتذكرها الكبار وشيوخ البلدة بكثير من الحنين.
كانت سهرات العيد غالباً ما تكون في بيت المختار حيث جلسات المصالحة بين عائلتين متخاصمتين أو تسوية خلاف بين حارتين أو جلسات سمر يحتسون فيها الشاي والذي نادراً ما يتوفر في غير بيت المختار ويتبادلون فيها القصص والنوادر والروايات
الحاج "محمد علي فرج" "أبو علي" (78 عاماً) من سكان البلدة، وشاهد على تغيير بعض ملامحها بإشراقة حب في عينيه يقول لنا بتاريخ 12/12/2008: «كانت بهجة العيد وفرحة قدومه تسبق أيامه، ففي ليلة العيد طالما حاولت النوم باكراً لكن السعادة والفرحة التي تغمرني لا تسمح للنوم أن يتسلل إلى عيني إلا في وقتٍ متأخر، ليبدأ صباح العيد فتعرفه من ملابس أهالي القرية بثيابهم الجديدة يكتبون عنوان العيد من الصغير حتى الكبير يرتدون ما تعارف على تسميته "القنباز" للأولاد، "الشروال" العربي مع "الزنار" أو ما يسمى "الشالة العجمية" التي تلف على الخصر، مع "السترة" و"الحطة" و"العقال" وفي العيد تكون هذه "الحطة مقصبة"، أما النساء يلبسن "الفساتين" ذات النهايات "المكشكشة" وعلى الرأس "الوربة" أو "السربند" وهي عبارة عن قطعة مزركشة بتطريزٍ يدوي تلف على الرأس ويوضع فوقها "الشال" أو "اللشماية".
يضيف "الحاج أبو علي" في سرد أحداث صباح يوم العيد: «بعد تأدية صلاة العيد يقوم الأهالي بمعايدة بعضهم البعض فور خروجهم من المسجد، وتبدأ بمعايدة إمام البلدة فالمختار ووجهاء البلدة مشكلين رتلاً من المهنئين، بعد ذلك تذهب جموع المصلين إلى المقابر لقراءة الفاتحة على ساكنيها، وهناك كانت عائلات المتوفين تقوم بتوزيع الحلويات المنوعة المصنوعة منزلياً أو الحلويات التي تجلب من المدينة، وأحياناً كانت بعض العائلات توزع الأطعمة على الفقراء والمساكين، وبعضها الآخر يوزع المال كصدقة عن روح المرحوم، بعد ذلك تبدأ الزيارات باتجاه بيت كبير العائلة وهناك يتدخل أحياناً لتسوية الخلافات والمشاكل -إن وجدت- بين الإخوة وأبناء العمومة في العائلة الواحدة، ثم يتناول الجميع فطور العيد والذي غالباً ما يكون "الكشك" أو "الفول" أو "فتة الحمص"، بعد ذلك يتابع الحاج: ينتقلون لتهنئة الجيران وسكان البلدة».
أما بالنسبة لحلويات العيد فكانت معظمها تصنع منزلياً إلى جانب الأطعمة المجففة من محاصيل وخيرات البلدة لكونها منطقة زراعية ومعظم سكانها يعملون بالزراعة وعن ذلك تخبرنا الحاجة "نايفة إسكاف" (73عاماً): «كانت الحلويات عبارة عن "المشبٌك" و"العوامة" و"القطايف بالجوز" أو "القطايف مع الدبس" و"الرز بالحليب"، إلى جانب "التين المجفف" و"الزبيب" و"القضامة المغبرة".
الألعاب كانت بسيطة جداً وبدائية تحاكي طبيعة البلدة الجبلية، كالدمى القماشية ولعبة "القفز على الحبل" للبنات، واللعبة المحببة للأولاد كانت "الدحل" وهي كرات زجاجية صغيرة ملونة، بينما كان الشباب يمارسون ألعاباً يغلب عليها طابع المنافسة والتحدي كلعبة "الصلبة" أي حمل أثقال وأحجار كبيرة، ولعبة "الزتة" أي قذف الأحجار الكبيرة حيث يكون الفائز صاحب أقوى رمية، وتجدر الإشارة أنه في بعض الأحيان يجرى منافسات "سباق الخيل".
وعن ساحات البلدة كساحة "العين" و"البيادر" تعج بالأطفال والشباب وحتى الرجال الذين يجتمعون ليشاهدوا عرضاً استثنائياً "كصندوق الفرجة" وعروضاً لحيوانات "كالقرود" المدربة وحتى "الدببة" التي يجلبها أصحاب السيرك من خارج البلدة.
الحاج "علي أحمد القادري" (76 عاماً) تحمس للحديث وعن ذكريات الأعياد وعن السنجق أخبرنا: «في بعض الأعياد يجتمع أهالي البلدة ليشاهدوا مرور "السنجق" وهو طقس روحي يمارس في المناسبات والأعياد، و يتألف "السنجق" من عمود خشب يعلوه قطع من القماش الملون على شكل شراع مكتوب عليها عبارة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، ويتقدم حامل "السنجق" الجموع السائرة وراءه بهدف التبرك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حامل "السنجق" يجب أن يكون قوي البنية ليستطيع حمله، ثم يتناوب على حمله عدة أشخاص، يلي حاملَ السنجق رجلٌ ذو شأن ديني واجتماعي يمتطي الحصان، وحصراً يجب أن يكون من عائلة "القادرية" نسبة إلى الشيخ "عبد القادر الجيلاني"، أو من عائلة "الرفاعية" نسبة لعائلة الشيخ "أحمد الرفاعي"، وتجرى عملية "الدوسة" أو "الدعسة" حيث يستلقي بعض الرجال على بطونهم متجاورين بعضهم البعض ويصطف بقية الرجال والشباب والنساء على جانبيهم ويمر الشيخ بفرسه عليهم دون أن يتسبب ذلك بأي أذى أو ضرر لأحدٍ منهم، مفسرين ذلك بأنه شيخ مبارك أي "وِلي" حيث تعلو أصوات التكبير والتهليل والأناشيد الدينية المصاحبة لأصوات "الطبل" و"الدف" و"الصنجات" وهي "صفيحتان من النحاس"، يمر موكب "السنجق" على بعض أضرحة الشيوخ في البلدة كضريح الشيخ "الشيباني" الشيخ "الزهري" والشيخ "أبو سليمان"».
في المساء يضيف الحاج "القادري": «كانت سهرات العيد غالباً ما تكون في بيت المختار حيث جلسات المصالحة بين عائلتين متخاصمتين أو تسوية خلاف بين حارتين أو جلسات سمر يحتسون فيها الشاي والذي نادراً ما يتوفر في غير بيت المختار ويتبادلون فيها القصص والنوادر والروايات».
أما اليوم بعد تطور البلدة اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً تغيرت معظم العادات والتقاليد التي توارثها السكان لعدة أجيال ومنها طبعاً عادات وطقوس العيد، ليبقى العيد التقليدي القديم في بلدة "حلبون" حبيساً في ذاكرة كبارها وشيوخها ويتحول إلى قصص مشوقة لأجيال الحاضر والمستقبل.
