أعياد كثيرة وعديدة منها رسمية ومنها ما اكتسبت من الطبيعة وروحانيتها الجميلة، الطبيعة التي خلقت منها النبات والثمار، والتي لها مكانة كبيرة في نفس كل كائن، ومن هذه الأعياد "جمعة النبات" و"خميس البيض" وأعياد أخرى كثيرة منتشرة في ريفنا السوري الغني بالعادات والتقاليد السورية القديمة.

موقع "eSyria" بتاريخ 5/10/2009 التقى بالباحث في التراث والفلكلور السوري الأستاذ "محمد عبد الغني" الذي حاول أن يتحدث لنا عن احتفالات الطبيعة التي كان يحتفل بها في ريفنا السوري، وبداية الحديث كانت عن "جمعة النبات" فيقول: «"جمعة النبات" تاريخ هذا اليوم يسبق الجمعة العظيمة بأسبوعين، وفيه تذهب البنات العزبات لجمع زهور نبات خاص من الشيح البري يدعى "النبات"، ليُصار إلى تركه تحت النجوم ليلاً حتى صباح اليوم التالي يوم الجمعة، وفي بكرة هذا اليوم يغلى هذا النبات "المنجّم" بالماء ليغتسل به البنات لزيادة حظهن في الزواج، أما الأطفال الذكور فكان الأمر بالنسبة لهم مختلفاً، حيث كانت الأمهات يغسلنهم بهذا الماء المنجّم رغبة منهم بملامسة الطبيعة والتبرك بها وطلب الشفاء والتطهر منها».

"جمعة الحلاوة" هي تلي الجمعة العظيمة بأسبوع، حيث كانت كل أسرة تحتفل بهذا اليوم بصنع الحلاوة وأكلها وتوزيعها على الفقراء، ولأن هذه الأكلة كانت تصنع من السميد والدبس فقد أطلقوا عليها اسم حلاوة "دبسية"

يتابع الأستاذ "محمد" حديثه عن الاحتفال بـ"جمعة النبات" قائلاً: «الملفت للانتباه هو إقدام الأمهات في هذا اليوم على وضع خطٍ من "المُغْرَة" الحمراء حول رقبة الأطفال بعد اغتسالهم إشارة إلى الفداء والأضحية، ثم يرسلنه إلى أحد الشباب من طوال القامة في الحي ليقوم برفع الطفل من أذنيه عالياً إلى محاذاة رأسه وهو يردد "شُلُّعْ، شُلُّعْ، بَصل" وذلك لاعتقادهن بأن في هذا العمل يغدو الطفل طويلاً في المستقبل».

أعياد الطبيعة

لم يكن "جمعة النبات" اليوم الوحيد الذي كان يحتفل به في ريفنا السوري، بل كان لـ"خميس البيض" حصة من هذا الاحتفال، وعن ذلك يقول الأستاذ "محمد": «"خميس البيض" أو "خميس الأموات" كان أحد الأعياد الدينية الشعبية في سائر الأنحاء والمناطق الريفية، وكانوا يحتفلون بهذا العيد سنوياً في يوم الخميس الذي يسبق عيد الفصح حسب التقويم الشرقي للطوائف المسيحية، والتي كانت تحتفل في اليوم نفسه بـ"خميس الفصح أو خميس الآلام"».

يتابع الأستاذ "محمد": «في صباح هذا اليوم كان يتوجب على كل أسرة أن تتهياً مسبقاً لهذا العيد بجمع ما يكفيها من البيض، ثم تقوم بسلقها بالماء مع النباتات والأعشاب الملونة مثل نبات "النوّار" أو قشر "البصل" أو ما شابه، كانت تحمل النسوة في صباح هذا اليوم ذلك البيض المسلوق بالإضافة إلى أقراص العيد الفاخرة المصنوعة من دقيق القمح والحليب والسمن والسكر، ويذهبن بها إلى المقبرة، وهناك تجلس كل أسرة بجانب القبر الذي يخصها لتستقبل قُراء الفاتحة على قبور الموتى والأطفال المتسولين ولتوزع عليهم البيض والحلوى صدقة على روح موتاها».

وعن فرحة الشباب بهذا اليوم يكمل الأستاذ "محمد": «أما الشباب فكانوا يخرجون إلى الشوارع ليتباروا بكسر البيض أو كما يسمونه "المكامشة"، وإن هذه العملية "كسر قشر البيض" لا تعدو في في المعتقد الشعبي القديم إلا أنها تعبيراً عن رغبة الإنسان بكشف الغطاء عن الأسرار، ولكن هذا المعتقد أخذ يغيب مع الأيام عن الأذهان حتى بات الجميع يمارسون كسر البيض بهدف الربح أو الخسارة فقط، وما يجب الإشارة إليه هو أن بعض القرى في الريف السوري كانت تتميز حتى الخمسينات من القرن العشرين باهتمامها بهذا العيد وبمحافظتها على المراسم الاحتفالية البهيجة فيه بشكل واضح، حيث كانوا يقومون في عصر هذا اليوم بعقد الدبكات الشعبية في ساحة فوق النهر».

ومن الاحتفالات الأخرى بالطبيعة كانت "جمعة الحلاوة"، وعن ذلك يقول الأستاذ "محمد": «"جمعة الحلاوة" هي تلي الجمعة العظيمة بأسبوع، حيث كانت كل أسرة تحتفل بهذا اليوم بصنع الحلاوة وأكلها وتوزيعها على الفقراء، ولأن هذه الأكلة كانت تصنع من السميد والدبس فقد أطلقوا عليها اسم حلاوة "دبسية"».

وينهي الأستاذ "محمد عبد الغني" الباحث في أمور التراث والفلكلور السوري حديثه معنا بقوله: «هناك أعياد كثيرة مرتبطة بالطبيعة وبعضها منتشرة في مناطقنا وريفنا السوري والأخرى منتشرة في مناطق أخرى من البلاد العربية مثل "خميس البقرات" أو مايسمى بـ"خميس العسل"، وبكرته يوم الجمعة العظيمة أو جمعة "المُغرة" لأنهم يصبغون في هذا اليوم الحيوانات بالمُغرة بين قرونها وعلى إليتها، وهو يوم عطلة الحيوانات فلا ترسل في هذا اليوم إلى الحقول ولا يباع حليبها بل يؤكل ويوزع على الفقراء، ومن بعض الأعياد الأخرى "جمعة الحزانى"، وهي جمعة النّورْ "الغجر"، وموعدها بعد الجمعة العظيمة بثلاثة أسابيع، وفيها يذهبون إلى مسجد "عمر" في "القدس" للإعراب عن حزنهم».