امتازت العمارة الدمشقية القديمة بمتانتها وملاءمتها لاختلافات الطقس، فمازالت بعض هذه البيوت ساكنة حضن "دمشق" بزيها التراثي القديم، ولعلّ منطقة "ركن الدين" من المناطق السكنية القديمة التي حافظت على وجود الأبنية الطينية فيها.

موقع "eSyria" بتاريخ 17/8/2010 وللوقوف على نمط العمارة الدمشقية وطرازه في منطقة "ركن الدين" التقى الأستاذ "عز الدين ملا" باحث في التاريخ والتراث ليحدثنا عن طراز العمارة في هذه المنطقة.

طراز العمارة كان سلسلة متلاحقة من بيوت عربية أرضية من طين وحجر ذات جدران تعد بوساطة خشبين متقابلين بينهما التراب الرطب الذي يتماسك بالطرق حتى إذا بلغ مداه حل رباط البابين فأخرج قالباً ترابياً يسمى "الدك" يواصله مع غيره، فإذا جفت دائرته علا في دائرة من "دالك" من حيث النوافذ والكوى والأبواب

وعن الشكل العام للبيوت يقول: «طراز العمارة كان سلسلة متلاحقة من بيوت عربية أرضية من طين وحجر ذات جدران تعد بوساطة خشبين متقابلين بينهما التراب الرطب الذي يتماسك بالطرق حتى إذا بلغ مداه حل رباط البابين فأخرج قالباً ترابياً يسمى "الدك" يواصله مع غيره، فإذا جفت دائرته علا في دائرة من "دالك" من حيث النوافذ والكوى والأبواب».

نمط عماري قديم

يتابع: «كانت هذه الدور تسير متوازية ومتلاصقة مع قناة يزيد من شرقها إلى غربها تنفرج بينهما ساحات واسعة تخترقها مداخل وحارات ضيّقة ومتعرجة، يدخل إلى البيت من باب خارجي ذي درفة واحدة إلى فسحة سماوية تدعى "الحوش" حيث أحواض الورد والأشجار المثمرة مبثوثة فيها تستقي ماءها من بئر ركز على فوهتها دولاً خشبياً تدلى منه حبل ودلو حتى يصل قعر البئر يغترف به الماء والبعض الآخر اغترف الماء "بالطليمة أو الكباس"، وإلى جانب من الحوش غرفة كبيرة هي "المطبخ" الذي ترتصف في جانب منه أكوام الحطب وفي الجانب الآخر "كانون وسفود" موقد تعلوها مدخنة تنفث الدخان إلى فتحة في أعلى السقف، وفي الجانب الآخر تتجمع أدوات المطبخ على مرتفع يدعى "الكلّينة" كما ينتحي جانباً "الكندوش" الذي هو مخزن وهراء للحبوب والمؤونة السنوية، وكان يجاور المطبخ غرفة التنور أو الصاج "سيل" تتراكم على جدرانها الدخان والهباب الأسود، فقد كان يُعِد التنور أناس متخصصون يجلبون التراب الغضاري من مناطق محددة في جبل "قاسيون" يمزجونه بالأشعار الإنسانية أو الحيوانية من محلات الحلاقة أو شعر الماعز ثم يطلونها بـ"الحال" والذي هو مسحوق حجر البازلت مع الطين الغضاري؛ يصقلونه حتى ينعم ملمسه إذ يستغرق هذا الإعداد أكثر من شهر تقريباً ثم يحاط التنور إذا جف ببناء آجري تعلوه فتحة سقفية يتصاعد الدخان منه وينطلق في الجو».

أما عن التفاصيل الأخرى فيقول: «وكان في صدر الحوش غرفتان أو أكثر يتوسطهما "إيوان" ترتفع جدرانه حتى تبلغ 5-6 م وتتجاوز سعة كل غرفة بين 5-7م، وفي مدخل كل منها "عتبة" وتنتهي الجدران بنوافذ وكوى صغيرة تدعى "المندلون" وبمحاذاة الأبواب نوافذ ذات درفات بلورية تحميها قضبان من الحديد المبروم، وفوق الباب مندلون أيضاً ترتصف في أرضيته أكياس "اليبيس" من الخضار أو مرطبانات المؤونة أو أشياء أخرى كاليقطين، البصل والثوم، وفي أحد الجدران يقوم مجمع لحفظ الفرش والوسائد واللحف يسمى "اليوك"؛ في أرضيته فتحة سرية يودع فيها المال والسلاح، كما يقوم على جانبي اليوك "الكتابي" وهي فجوات في الجدار ذات رفوف خشبية تجثم عليها أكداس من صحون، أطباق نحاسية وفخارية كان في إعدادها مظهر من التباهي والفخر».

تنور قديم

أما عن سقوف الدار فيقول: «كانت السقوف طينية ترتكز على أعمدة خشبية يعترضها رصفٌ من قش، حصير، خشب أو قصب، وكان بعض الميسورين يطلون غرفهم بالكلس، والكلس هي حجارة مشوية تذاب في الماء حتى تصبح لبنية الشكل وتنشر حرارة أثناء تذويبها ثم تخلط بمفروم القنب "الكتيت"، ومنهم من غطى أعمدة السقف بـ"الطاوان" الذي هو سبائط خشبية مسمرة وهي بعرض حواف 2سم حيث يتسمك بها الطين الكلسي فيعطي مظهراً رائعاً للغرفة، كما كان الجيران يتواصلون فيما بينهم بفتحة جدارية من زاوية الغرفة، أما أرض الغرف والدّيار فكانت تفرش بالرمل، العدسي والقصرمل الذي كان يستجلب من رماد ومخلفات "القميم" ويصقل ويلون بالصباغ الأزرق أو الأحمر، كما كانت الجدران من الداخل والخارج تطلى بوزرة منها بارتفاع متر تقريباً».

أما عن أبواب الغرف فينهي الأستاذ "عزالدين ملا" حديثه معنا ليقول: «كانت أبواب الغرف خشبية وبمصراع واحد، أما الأبواب الخارجية فكان جلّها من خشب وأغلبها بمصراع واحد يغلّف أحياناً بلوح معدني مزئبق سمر بمسامير ذات طبعة انتظمت في أشكال هندسية منتظمة تنتصف في أعلاها حلقة أو يداً معدنية يطرقها القادم ليؤذن له بالدخول، وكانت قلة من الأبواب ذات مصراعين عاليين وبعضها يسمى "باب خوخة" وهو باب كبير يضم باباً صغيراً على طرفه، ويوصد برتاج "السقاطة" ويقفل بـ"غال" مفتاحة يتجاوز في طوله 20 سم وكان صاحب البيت يعقده على خاصرته أو يدليه بخيط من عنقه، وكان يجاور الباب الخارجي باب صغير يختزن خلفه مخلفات أصحاب البيت».

ساحة شمدين

هنا وعن أشهر وأهم البيوت السكنية وميزاتها في الموقع والهندسة المعمارية في المنطقة يحدثنا السيد "خليل آلوسي" أحد مخاتير "ركن الدين" فيقول: «هناك بيوت كانت واسعة وذات طابع مميز في بنائها وفي حدائقها والتي بعضها يتجاوز في مساحته ومساحة حديقته 3000 متر، ومن أهمها، بيت "اسماعيل أومري" وولده "عبد القادر" الذي رحل واستوطن منطقة "تشاد" في "افريقيا" وتوفي هناك في الخمسينيات وهذا البيت يجاور في موقعه جامع "عيد باشا" وعلى إطلالة نهر "يزيد" وعلى أنقاض معمل اللبن والطوب لبيت "البهلول"، أما بيت "أبو بديع ديركي" "نورا هللو" وهو واسع جداً ويطل على حديقة شمال البناء السكني فيها أشجار مثمرة».

وعن نمط هذه البيوت يقول: «تمتاز أغلب البيوت القديمة في منطقة "ركن الدين" بتعدد الغرف وعلّو جدرانها والعناية الخاصة؛ وخاصة بغرفة الضيافة على مدخل البناء وبسعة الفناء والحديقة وبطراز البناء في الأسفل والأعلى وهو من الخشب والطين والأدراج الحجرية التي تتوسط البناء للوصول إلى فسحة الغرف العليا، ومما يدل على ذلك أنه في العهد العثماني قد أخذت هذه البيوت طابعاً معمارياً خاصاً وذلك لوجود الأرض الواسعة للبناء ولمكانة صاحبه الاجتماعية والاعتبارية اللتين تميز بهما بين الناس».