"الطاولة، الضامة، الدحاحل" هي أسماء لألعاب تراثية لها مكانة خاصة عند الدمشقيين، حيث كانوا يمارسون من خلالها طقوسهم في السهرات الليلية من قبل الكبار والصغار، بعضها اندثر وسكن ذاكرتهم فقط، وبعضها الآخر مازال متداولاً بالتوارث من جيل لآخر.
موقع "eSyria" بتاريخ 3/9/2010 التقى السيد "لؤي الأحمد" أحد القاطنين في الأحياء الدمشقية القديمة ليحدثنا عن أنواع هذه الألعاب وكيفية ممارستها، وبداية الحديث كان "المنقلة" تلك اللعبة التي مازالت محافظة على وجودها، عنها يقول: «"المنقلة" هي صفحة خشبية تقعرت في كل من جانبيها المتوازيين أنصاف كروية يتقابل فيها لاعبان متقابلان يخرج كل واحد منهما اثنين وسبعين حصاة ملساء نهرية تساوت في حجومها، ويكدسها في أولى الكوى ثم يغترف أولهما بغرفة من الحصا ويوزعها فردياً يحوم فيها على الكوى فإذا انتهى في آخرها كسب الأعداد من الحجارة المتساوية، والمستنفد قبل الآخر هو الرابح الذي تجاوز في العدد ولعلّ هذه اللعبة ترجع في أصولها إلى المجتمعات القبلية المتخلفة أو تتقارب في عهدها مع العصر الحجري».
"الشطرنج" هي لعبة الطبقة الواعية المثقفة والوجاهة والأعيان ممن يلتزمون الهدوء والتفكير، وكانت تقتصر على من ذكرت، وهي نادرة الاستخدام والتي ماتزال في طاولتها المرتسم على صفحاتها مربعات بيضاء وسوداء تتناحر في أحجارها بين القلاع، الوزير، الملك، البيادق، الحصان، الفيل.. في جبهة حربية مروضة للتفكير
أما عن "الضامة" فيقول "الأحمد": «وهي منضدة مربعة ترتسم على صفحتها مربعات بيضاء وسوداء تجثم عليها بيادق خشبية كحجارة الشطرنج وعددها ستة عشر بيدقاً لكل لاعب وبلونين مختلفين والحجارة تتحرك في كر وفر، أما "الضومنه" فهي عبارة عن منضدة ترتصف عليها قطع مستطيلة انتصفت في أعداد نردية في صورتها تستجمع في جانبيها مجاميع حسابية ممن لا يتمكن في المواءمة في هذه الأعداد والصور».
عن "الطاولة والنرد" اللعبة التراثية التي مازالت متداولة في المقاهي والبيوت الدمشقية القديمة يقول: «"طاولة الزهر" أو كتاب "إبليس" كما يدعوها بعضهم وهي التي يتلهى بها الناس حتى الآن في مجالسهم ومقاهيهم حيث يتحلق حول كل لاعب مناصروه وهم يجثون أو يتربعون على الأرض ساعات طويلة، وماتزال هذه اللعبة شائعة حتى يومنا هذا بعد أن زركشها بعضهم وحلاها بالموازييك وبالحجارة الفاخرة، أما "الدحاحل" فهي تسلية الكبار والصغار من الشباب من سن 5-40 عاماً يلعبون مع نظرائهم في قارعة الطريق، يرصفون دحاحلهم بشكل متباعد وعلى مستوى واحد على مسافة 2-3م أو يدفعونها للاحتباس في حفرة معدة لها ويبدأ اللاعب بدفع دحله بين إصبعيه السبابة والوسطى ليصيب بها الدحل المرصوف أمامه، فإذا أخطأ الهدف حلّ محله الآخر وقد يتدرجان في مساحات كبيرة أثناء اللعب ويحدث الكسب والربح بالإصابة، وكانت الدحاحل في "دمشق القديمة" قبل أن تكون زجاجية تُعد من الحجارة الكلسية المعروفة بالألوان ويستغرق ذلك طاقة وجهداً ووقتاً طويلاً إذ كان الحجر يستجلب من أودية "جبل قاسيون" يقطع في حجم 6-7 سم3 وينقره الصانع بمبرد حتى يتكور في شكله ويأخذ في تفحصه بين الآونة والأخرى بين ظفريه بأهمية ليتحقق من استوائها في الكروية، فإذا ثبت آل إلى ورق "القزاز" أو "السمبادج" حتى يملس وينعم حيث يقعر له حفرة في حجر آخر يغمره بالزيت ويقوم بعملية تنعيمه فيباهي به في مباراته باللعب».
كان لهذه الألعاب التراثية مكانة خاصة عند أهل "دمشق" هنا وعن الألعاب الأخرى التي اندثرت يحدثنا السيد "محمد عمرين" معمر من دمشق القديمة: «هنالك لعبة "الإدريس" وهي لعبة قائمة على ثلاثة إلى سبعة حجارة لكل من اللاعبين توضع في تناوب من الحركة بينهما حتى تستقيم الحجارة على خط واحد فتشكل ما يسمى "الإدريس" فيفوز اللاعب، أما لعبة "السبعة أحجار" حيث يأسر حجارة أحدهما حراً من الآخر فيتخطاه ويأسره ويفوز به وباللعبة ممن حصل على الحجارة الأكثر عدداً، أما "الوحداوة" أو "البرية" فهي مؤلفة من عصا طويلة بطول معين وأخرى بطول 20سم مروسة في طرفيها يطرقها اللاعب حتى تثب بالهواء لتبقى في حركة مستمرة، فإذا أخطأ اللاعب في ضربته على الأرض تولى غيره اللعب، أما لعبة "الدوش" وهي مباراة بين لاعبين كل يمسك حجراً بيده ليصيب حجر غيره وهما يتقابلان من مكان لآخر، ولعلّها لعبة العصر الحجري وعهود التخلف، ومن تلك الألعاب التي اختفت لعبة "دبحنا العنزة وسال الدم" يتبارى فيها جماعتان من الشباب تقفز إحداهما بالتوالي على ظهور الآخرين ركوعاً ويردد في مقدمتهم أجزاء من جسم العنزة، فإذا نطق الكلمة السرية فيها جاء دور الآخرين في اللعبة وهي رياضة مقبولة وحسنة».
يتابع: «أما لعبة "حمار الشيخ" فينقسم الشباب في فريقين وينحني عضو من الفريقين على صدر رفيقه وآخر يمسك بمقرعة يحول دون تمكن أحد من الفريق الآخر أن يستقر على ظهر المنحني، فإذا قفز ولم يتمكن حل أحد الفريق الثاني في مكانهما في حين يحاول الفريق المحكوم أن يحاول التغرير والحركة التي توقع أو تصيب من تنكب ظهر رفيقه، أما "المقرعة" فهي تحلق بعض الشباب حول حامل المقرعة التي هي حبل أو قطعة قماش يسائل أعضاء الحلقة في بعض الأمور فمن أخطأ نال عقابه بضربة فيها، وهناك "خاتم الوزير" حيث يلقي اللاعب خاتماً على ظهر كفه ويحاول أن يدخل الخاتم في أحد أصابعه، فإن تمكن حقق استمرارية في اللعب وإلا نال عقابه بالمقرعة».
ويحدثنا السيد "محمد" عن لعبة "الشطرنج" التي مازالت محافظة على وجودها فيقول: «"الشطرنج" هي لعبة الطبقة الواعية المثقفة والوجاهة والأعيان ممن يلتزمون الهدوء والتفكير، وكانت تقتصر على من ذكرت، وهي نادرة الاستخدام والتي ماتزال في طاولتها المرتسم على صفحاتها مربعات بيضاء وسوداء تتناحر في أحجارها بين القلاع، الوزير، الملك، البيادق، الحصان، الفيل.. في جبهة حربية مروضة للتفكير».
أما السيدة "منى قوطرش" فتقول: «كانت هناك ألعاب التقليد المعروفة في المجتمع، وهي كأن يعطى أحدهم صحناً قد راكم عليه شحاراً وهباباً أسود، وجلس آخر اتجاهه يطلب منه محاكاته وتقليده في حركاته، فإذا بوجهه يوسم بالشحار ويرسم فيه أشكالاً مضحكة على وجه المقلد، وهنالك التخفي في الألبسة الرجالية والنسائية، بالإضافة إلى الوجوه المخفية بالجوارب وغيرها، وهنالك طرح الفوازير، وشك الخيط في سم الخياط وهو متراكب القدمين وجاثم على القارورة نائمة على الأرض».
عن الألعاب النسائية المتداولة وقتذاك تخبرنا السيدة "أمينة حاج أحمد": «النساء كن يتلهين بالحديقة والأعمال المنزلية ويجالسن جيرانهن على المصاطب التي كانت تتصدر الباب الخارجي في الحارات يتهادين الأحاديث أو يتحلقن حول أطباق من القش ينثرن عليها الشعيرية، أما إذا اجتمعن على التسلية واللعب فكان في اجتماعهن رقص وغناء وكان الحاكي صندوق السمع يأخذهن في الأنغام والطرب، وكانت لعبة "البرسيس" هي السائدة في كافة المجتمعات والسهرات النسائية، وهي رقعة قماشية متصالبة في مستطيلاتها ومربعاتها يتوسطها المطبخ ويحتمي حجر اللعب في مركز الشعيرية، فإذا أفلت منها أصابه القتل من حيث بدأ، إذا كان الودع قد هيأ للدست والبنج والبارة والشكة حيث يدور الحجر في أبيات ومربعات من البدء المقابل للاعب ويدور في كافة الأطراف حتى يعود ليدخل في المطبخ بعدما يصيبه في طريقه الكثير من الصعوبات والتهديد والانتكاس».