ما إن يسير المرء في شوارع "دمشق القديمة" أو يمر بحارة من حاراتها، إلا ويجد سبيل ماء على أحد جدران البيوت الدمشقية القديمة منها والحديثة.

موقع "eDamascus" سلط الضوء على هذا الملمح الدمشقي الذي ما زال بعض منه موجوداً في "حارات دمشق القديمة"، هذا التقليد الذي اتبعه الدمشقيون قديماً بسبب طبيعة المدينة وخصال سكانها الحميدة في صنع الخير، إذ يتميز هذا الأثر الحضاري بطابع عمراني لافت للنظر امتزجت في بنائه البساطة والإتقان مع وجود الزخارف التي تحيط به..

"سبيل العمري" من أقدم السبلان بحي القيمرية، وأذكر عندما كنت صغيراً كنت اجلب الماء لعائلتي من هذا السبيل الذي كان يروي ظمأ أهالي "حي القيمرية" والأحياء المجاورة صغاراً وكباراً، لكون السبيل تغذيه مياه "نهر بردى" التي استبدلت لاحقاً بمياه أخرى

يحدثنا "أبو ممدوح الحارس" من سكان "حي القيمرية" عن "سبيل العمري" الذي أنشأها المرحوم الشيخ "عصام العمري" كصدقة جارية على روح جده العلامة الدمشقي "محمود حسن العمري"، قائلاً: «"سبيل العمري" من أقدم السبلان بحي القيمرية، وأذكر عندما كنت صغيراً كنت اجلب الماء لعائلتي من هذا السبيل الذي كان يروي ظمأ أهالي "حي القيمرية" والأحياء المجاورة صغاراً وكباراً، لكون السبيل تغذيه مياه "نهر بردى" التي استبدلت لاحقاً بمياه أخرى».

سبيل العمري

بدوره حدثنا "ياسين بغدادي- أبو محمد" وهو من أهالي "حي القنوات" عن سبيل الماء في "دمشق القديمة": «"دمشق" كانت مشهورة بوفرة مياهها العذبة قديماً فمن المعروف أن لنهر "بردى" سبعة أفرع جميعها تمر في "دمشق" أو تحاذيها منها "قنوات، بانياس، تورا، الديراني" وفي العصر الروماني تم إنشاء قساطل فخارية وأنابيب مياه لسحب المياه من "نهر القنوات" إلى "دمشق" وتوزيعها على جميع أرجاء المدينة ومنها إلى البيوت، حيث ما زالت آثار القنوات موجودة إلى الآن في منطقة "حي القنوات" المعروف في "دمشق"».

أما عن تاريخ سبيل الماء في "دمشق" والمراحل التي مر بها يضيف أستاذ التاريخ "عبد الله النابلسي" عن ذلك قائلاً: «كان ماء السبيل في "دمشق" يوزع عن طريق السقا الذي يضع الماء في ضرم ثم يحمله على ظهره ليتجول في شوارع المدينة القديمة لسقي المارة، وهذه الطريقة قديمة جداً كانت تستخدم عندما كان للآبار دور أساسي في تغذية "مدينة دمشق" لكن عندما تم إنشاء وتوزيع القساطل وبسبب غزارة الماء تم إنشاء سبيل الماء كما هو حالياً، بل كان في بعض الحالات أكبر مما عليه الآن لكون الخيول والجمال الموجودة في المدينة كانت تشرب منها أيضا إضافة إلى أن حوض السبيل حيث كان يستفاد منه في تنظيف الشوارع والساحات المجاورة له».

أحد السبلان القديمة في دمشق

يعتبر سبيل الماء إحدى العلامات الخاصة بمدينة "دمشق" قديماً وحديثاً عن غيرها من مدن العالم، حيث يشكل سبيل الماء الدمشقي أحد الروابط الحضارية التي نتجت في "الشام".

يقول الباحث التاريخي في تراث "دمشق "عبد العظيم درويش" في هذا الصدد: «"دمشق" حتى عام 1908 كانت تعتبر سبيل الماء من أكثر مصادر الماء أهمية في "الشام" بشكل عام، لأنه ينهل منها السكان مياهاً عذبة تصدر عن "نبع الفيجة" مباشرة، فانتشار السبل في الأحياء السكنية والشوارع العامة جعله يغطي حاجة جميع السكان بالإضافة إلى مياه الشرب».

سبيل حي الحميدية

ويضيف "درويش" عن سبب اختلاف الطراز العمراني لبناء "ماء السبيل": «كانت "دمشق" تتميز بوجود بناء سبيل الماء الذي ينتشر في جميع أرجاء المدينة حتى بلغ عددها 800 سبيل ماء في القرن التاسع عشر، ويعود هذا إلى وفرة المياه العذبة في المدينة، أما سبب اختلاف الطراز الفني العمراني للسبيل فيرجع إلى اختلاف العصور التي أنشئت فيها السبل فمن المعروف أن كل عصر يتميز بطابع عمراني وفني معين انعكس هذا على بناء سبيل الماء».

الجدير بالذكر، يعتبر سبيل "الصميدية" الواقع مقابل مقبرة "باب الصغير" والمشيد عام 1526م من أشهر سبل الماء في "دمشق القديمة" إذ كان يتغذى من ماء "جامع الصميدية" لكنه حالياً ومع تزايد الطلب على المياه بسبب التزايد السكاني قام أهالي "حي الشاغور" بإيقافه مؤمنين له حماية من شبك حديدي للحفاظ عليه.