يقول المثل: «مزمار الحي لا يطرب»، ولكنه في بعض الأحيان يـُدفـِئ، عندما يكون عازف المزمار ممتطياً صهوة جواد يجر وراءه خزاناً لتوزيع المحروقات تلك المهنة التي تعرفها جيداً أزقة وشوارع "دمشق" منذ مدة ليست بالقليلة، حيث استخدمت الخيول المعروفة بالقوة والقدرة على التحمل لجر العربات المحملة بالمحروقات أول أمرها، ثم خصصت شاحنات مجهزة بصهاريج خاصة للتوزيع.

موقع "eSyria" التقى بالسيد "سمير الطويل" المعروف "بأبي شاكر"، وهو من أوائل من عمل بمهنة توزيع المحروقات في "دمشق"، "أبو شاكر" عرّفنا عن نفسه بقوله: «أنا من مواليد عام /1939/، وأعمل بهذه المهنة منذ عام /1951/، حيث عملت تحت إشراف والدي الذي بدأ توزيع المحروقات عام /1948/، واتخذ مركزاً له في "ساحة باب توما"، ثم انتقل هذا المركز مؤخراً إلى "مدخل حّي الدويلعة".

يحصر توزيع "المازوت" بالشركة العامة لتوزيع المحروقات "سادكوب"، حيث تأتي صهاريجها الكبيرة إلى مراكز التوزيع الخاصة بنا، وتملأ الخزانات حسب الكمية المتفق عليها سابقاً، ونقوم نحن بتوزيع هذه المحروقات على الأحّياء القريبة، إما عن طريق "الحناطير" أو عن طريق الصهاريج الحديثة. توزيع "المازوت" يبدأ من السابعة صباحاً ولا يتوقف إلا عند غياب الشمس، هذا الوقت شتاءً، أما صيفاً فينحصر التوزيع على ساعتين فقط، ويكون أغلب التوزيع على المخابز والورشات الصغيرة التي تعتمد على "المازوت" في عملها

ويكمل "الطويل": «كان توزيع المحروقات في "دمشق" يستخدم العربات التي تجرّها الخيول أو ما يسمى "حنطور المازوت"، المعروفة بقدرتها على جرّ العربات الثقيلة، وتعتبر هذه المهنة جديدة على "دمشق"، فالمنازل العربية القديمة كانت تعتمد على "مدافئ الحطب" للتدفئة، أما استخدام "المازوت" أو "الكاز" فلم يكن معروفاً في أربعينيّات القرن الماضي.

صورة قريبة تبين أجزاء العربة

وفي عام /1948/ بدأت أخرج أنا وأخي "إلياس" بعربة تحمل خزاناً فارغاً لملئه "بالكاز" و"المازوت"، ثم نعود لتوزيع الكمية التي حملناها على المنازل والأحياء، وكان هناك مراكز معروفة تزودنا بالمحروقات؛ كالمراكز الموجودة "بالحلبوني" و"بوابة الميدان" وغيرهما..».

ويتابع: «توزيع المازوت بدأ عام /1958/ ومعه بدأ عهد استخدام "المازوت" كأساس للتدفئة داخل البيوت، ولهذا كنا ننادي "زيت كاز... مازوت"، لأن توزيع "الكاز" عرف قبل "المازوت" بعشر سنوات تقريباً، أما اليوم فكثير من العربات لا تحمل "الكاز" لقلة طلبه، وتكتفي بتوزيع "المازوت" المطلوب بشدة، وتستطيع اليوم أن تميز العربات التي تحمل "الكاز" مع "المازوت" عبر "المزمار الهوائي" الذي يستخدمه البائع بيده، فالبائع الذي يحمل في عربته المازوت فقط لا ينادي بصوته أبداً، عكس الذي يحمل "الكاز"؛ فينادي "كاز.. كاز" مع صوت "المزمار"، أما بقية أنواع المحروقات فلا نحملها معنا أبداً وخصوصاً "البنزين" الذي يشكل توزيعه خطراً علينا لكونه سريع الاشتعال.

العربة القديمة تتألف من دولابين فقط

و"المزمار" عبارة عن بالون من مطاط ورقبة نحاسية طويلة ويضرب عليه بهذه الهيئة "توت طويلة وتوت توت قصيرتين" للدلالة على "المازوت"».

"أبو عمر الحرستاني" -الذي رفض التصريح عن اسمه الأول- أحد الذين مازالوا يعتمدون على الخيول في جر "عربة المازوت" الثقيلة، "الحرستاني" ذكر أن الحصان الذي يجر "عربة المازوت"، لا يخرج كل يوم إلى العمل، وإنما يقوم صاحب العربة بعملية تبديل بين مجموعة الخيول التي يمتلكها، فهذه الخيول تقوم بجر "عربة المازوت" مدة يومين، ويجر "عربة خضار" خفيفة الوزن يومين آخرين، قبل أن يُترك ليستريح يومين إضافيين.

"الحرستاني" يجول في أحياء دمشق

وأضاف "الحرستاني": «يحصر توزيع "المازوت" بالشركة العامة لتوزيع المحروقات "سادكوب"، حيث تأتي صهاريجها الكبيرة إلى مراكز التوزيع الخاصة بنا، وتملأ الخزانات حسب الكمية المتفق عليها سابقاً، ونقوم نحن بتوزيع هذه المحروقات على الأحّياء القريبة، إما عن طريق "الحناطير" أو عن طريق الصهاريج الحديثة.

توزيع "المازوت" يبدأ من السابعة صباحاً ولا يتوقف إلا عند غياب الشمس، هذا الوقت شتاءً، أما صيفاً فينحصر التوزيع على ساعتين فقط، ويكون أغلب التوزيع على المخابز والورشات الصغيرة التي تعتمد على "المازوت" في عملها».

"الحرستاني" أوضح لنا أوجه الاختلاف بين "عربة توزيع المازوت" و"عربة بيع الخضار"، وكذا عربات التوزيع القديمة عن العربات الجديدة، فقال: «بعد اعتمادنا على الصهاريج الحديثة غدا تصنيع العربات نادراً في أيامنا هذه، وتميّزت العربات القديمة بدولابين مثبتين على محور عرضي وحيد، بعكس العربات الجديدة التي تتألف من محور خلفي ومحور أمامي قابل للالتفاف إلى الأطراف بسهولة، مما يجعل قيادتها أسهل وأكثر أماناً على الطرقات، وتتألف "عربة المازوت" من خزان كبير، يقسم إلى قسمين في أكثر الأحيان، ويحمل عينين في أسفل الخزان لتفريغ هذه الأقسام؛ وأغلب العربات تحمل عيناً "للمازوت" وتخصص أخرى "للكاز"، ويكون أعلى الخزان مجهزاً بفتحة واحدة أو اثنتين لإضافة المحروقات خلالهما».

"أبو شاكر" ختم حديثه عن "عربة توزيع المازوت" بقوله: «كانت "الكيلة" تستخدم قديماً في حساب كمية "المازوت"، ثم استبدلت "بمضخة لضخ المازوت"، "فالكيلة" لم تعد صالحة للاستخدام، خاصة عندما بدأنا التوزيع في الأحّياء الجديدة التي تخصص الطوابق العليا للبناء مكاناً "لخزانات المازوت"، فدخلت إلى عربة التوزيع "المضخة الكهربائية" وملحقاتها، "كخرطوم طويل" يصل بين العربة والخزان الموجود في البيت، و"العداد" الذي يضبط كمية "المازوت"، وأخيراً سلك كهربائي طويل، يستخدم لتغذية "المضخة" بالكهرباء اللازمة لعملها، فجميع العربات التي تعتمد في سحبها على الخيول، لا تحوي "مولدات كهربائية" لذا تعتمد على الكهرباء التي تصلها من المنازل "لضخ المازوت"، فنصل هذا السلك بكهرباء البيت الذي نزوده بالمحروقات».