لا تزال سورية مقصدا للباحثين والعلماء من مختلف دول العالم، على الرغم من الاكتشافات الأثرية العديدة في كل المدن السورية ما زالت هذه الأرض تحتفظ بمكنوناتها وأسرارها وتخبئ بين طياتها حضارات تاريخية موغلة في القدم تنتظر من يكشف النقاب عنها ويظهرها للعالم، فسورية وعلى حد قول أبرز الباحثين الألمان في القرن العشرين "ألفرد روست" منبع التاريخ وأصل الحضارة.

نتناول من خلال موقع eSyria أبرز المعالم التاريخية في المدن والقرى السورية لتكون مرشدا لكل باحث ومحب للتاريخ والحضارة.

تحول هذا المعبد بعد احتلال الرومان لبلاد الشام إلى معبد لعبادة \جوبتير\ كبير آلهة الرومان، في سنة /331/م تحول هذا المعبد الوثني إلى كاتدرائية مسيحية باسم القديسين "قسطنطين وهيلانة" تيمنا بالإمبراطور الروماني "قسطنطين" الذي سمح بالحرية الدينية بالبلاد، وأمه القديسة هيلانة التي أقنعته بالتسامح الديني وتحولت الدولة الرومانية فيما بعد إلى الديانة المسيحية

مدينة "يبرود": تقع مدينة "يبرود" شمال العاصمة "دمشق" بـ80 كم بين أحضان جبال "القلمون" المتاخمة لجبال لبنان الشرقية والمحاطة من أغلب جهاتها بجبال شاهقة تعلو رؤوسها تيجان صخرية تكاد تنفرد بها جبال "يبرود" وضواحيها، تتميز المدينة ببردها القارس في الشتاء وجوها المعتدل صيفا، وأثبتت الدراسات أن الملكة "زنوبيا" كانت تصطاف في المدينة أيام حكمها لمملكة "تدمر".

مناطق سكن الانسان الحجري

تعتبر "يبرود" من أهم مناطق سكن الإنسان ما قبل التاريخ حيث اكتشفت مغاور طبيعية محفورة في الجبال وفي الأودية المحيطة بالمدينة، وذكر الباحث "ألفرد روست" مكتشف هذه المغاور أن وادي "اسكفتا" أشهر وديان الشرق الأدنى في عصور ما قبل التاريخ .

الأستاذ والباحث "نور الدين عقيل" قال في تعريفه للمدينة: «يبرود كلمة آرامية ورد ذكرها في كتابات الرقم الفخارية في بلاد ما بين النهرين، وذكر اسم "يبرود" في كتاب البلدان الذي وضعه الجغرافي اليوناني "بطليموس القلوذي" الذي عاش في القرن الثاني للميلاد.

أصبحت "يبرود" في العهد الروماني مركزا عسكريا ويستدل على ذلك من بقايا أحد الحصون الرومانية الذي ما تزال بقاياه ظاهرة، في العهد الآرامي بني معبد ضخم لعبادة الشمس تحول بعدها إلى كنيسة عند انتشار الدين المسيحي، لا تزال الحجارة الباقية تحمل كتابات ونقوشاً تدل على حالته التاريخية السابقة»

حول عمليات التنقيب الأثرية في المدينة قال: «أولى عمليات التنقيب في "يبرود" بدأت في عام /1930/ على يد العالم الألماني "ألفرد روست" واستمرت ثلاث سنوات اكتشف من خلالها الحضارة اليبرودية، ليصدر بعدها كتابه باللغة الألمانية "مغاور يبرود" في عام /1950/.

على ضوء تلك الاكتشافات قدمت بعثة أمريكية في عام /1965/ تضم باحثين من جامعة كولومبيا في "نيويورك" برئاسة البروفسور "رالف سوليكي" الذي عاد مجددا في عام /1987/ ليكتشف بقايا للإنسان اليبرودي الذي اعتبر أقدم من سكن الأرض وأقام الحضارة فيها، في مطلع التسعينيات زارت بعثة علمية يابانية "يبرود" لمتابعة عمليات التنقيب والدراسة، هذه الاكتشافات لعبت دورا بارزا في تقديم صورة ومادة علمية استفاد منها الباحثون في حقل دراسات العصور الحجرية ليس في سورية فحسب بل وفي العالم أجمع».

كما التقينا مع الخوري "جورج حداد" خادم رعية "يبرود" والنائب الأسقفي فيها، حدثنا حول التاريخ الكنسي وتاريخ المطرانية والكنيسة في مدينة "يبرود" قائلاً: «تعتبر الكنيسة والمطرانية في مدينة "يبرود" من أقدم المعالم الأثرية في سورية، إضافة إلى أن مطرانية "يبرود" من الناحية الجغرافية الأكبر في سورية حيث أنها تشمل كلاً من "حماه وحمص وتدمر ووادي النضارة ومنطقة القلمون ومعلولا" قبل وقت قصير، في بداية الألف الأولى قبل الميلاد أصبحت "يبرود" مركزا لإحدى الممالك الآرامية في بلاد الشام، ازدهرت هذه المملكة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وفنيا، تم في ذلك العهد بناء أكبر وأفخم معابد الشمس في البلاد في وسط المدينة بسعة كبيرة قياسا إلى معابد تلك الأزمنة الغابرة، بحجارة ضخمة محاطاً برواق محمول على أعمدة طويلة رشيقة اسطوانية غاية في الجمال والإبداع، لا تزال بعض قواعدها ظاهرة للعيان حتى وقتنا هذا».

وأضاف: «تحول هذا المعبد بعد احتلال الرومان لبلاد الشام إلى معبد لعبادة \جوبتير\ كبير آلهة الرومان، في سنة /331/م تحول هذا المعبد الوثني إلى كاتدرائية مسيحية باسم القديسين "قسطنطين وهيلانة" تيمنا بالإمبراطور الروماني "قسطنطين" الذي سمح بالحرية الدينية بالبلاد، وأمه القديسة هيلانة التي أقنعته بالتسامح الديني وتحولت الدولة الرومانية فيما بعد إلى الديانة المسيحية»

تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن ما تزال الدراسات حول مسألة تحديد عمر الإنسان الحجري في "يبرود" بين أخذ ورد، هل هو قبل إنسان "النياندرتال" أم بعده؟ أم أن إنسان "يبرود" عاصر إنسان النياندرتال في حقبة من حقبات العصور الحجرية الوسيطة، الآراء ترجح أن إنسان "يبرود" سبق الإنسان النياندرتالي على الغالب، والدليل الواضح على ذلك كما يقول الأستاذ "نور الدين عقيل" أن سكان مغاور وملاجئ "وادي إسكفتا في يبرود"، وخاصة الملجأ الأول استوطنوا المكان على امتداد زمن يزيد على /150/ ألف سنة، إضافة إلى /25/ مجموعة بشرية لكل منها حضارتها الخاصة، وأكثرها أصالة كانت الجماعات اليبرودية التي دلت عليها أدواتها الصوانية.