تقع "يبرود" عند التقاء الهضبة الثانية مع الهضبة الثالثة من هضاب جبال "القلمون" المتفرعة عن سلاسل جبال "لبنان" الشرقية، وعلى بعد أربعة وسبعين كيلومتراً في شمال شرقي مدينة "دمشق".

موقع "eDamascus" خلال جولته في مدينة "يبرود" التقى عدداً من سكان المدينة ليحدثونا عنها، هنا يقول السيد "مرعي البرادعي" من "يبرود": «تربض "يبرود" في منبسط من الأرض عند التقاء ثلاثة أودية محصورة بين كتل صخرية بنية اللون مرتفعة، تعلوها تيجان صخرية مهيبة تكاد تنفرد بها جبال "يبرود" وما يجاورها، تضفي على هذه المدينة مهابة وجلالاً وسحراً آسراً، وأهم هذه الأودية الثلاثة "وداي قرينا" الذي يقع في جنوبها الغربي، حيث يضيق هذا الوادي في أعلاه وتصبح أطرافه عبارة عن جدران صخرية قائمة شاهقة الارتفاع.

هذا الوادي الذي أصبح ذا شهرة عالمية كبيرة بعد سلسلة أبحاث تاريخية جرت فيه وبعد اكتشاف آثار إنسان العصور الحجرية القديمة فيه، يبدأ الوادي بمضيق صخري قائم الأطراف ثم يتسع قليلاً، وتنبع من جهته الغربية عين ماء جارية عذبة تدعى "عين اسكفتا"، تسير في جدول يروي بساتين الوادي وحقوله والتي زرعت باشجار الفاكهة المتنوعة، وفي نهاية الوادي ينحرف هذا الجدول باتجاه الشمال الشرقي لري البساتين وكروم العنب في منطقة "عقوزا"

وينحبس من أعلاه نبع ماء بارد يشكل بحيرة صغيرة متطاولة تكون الصخور الصلبة حافتها الغربية بينما تظللها أشجار الصنوبر من الحافة الأخرى، وتكاد أغصان بعض الأشجار تلامس سطح الماء فتكسب البحيرة الصغيرة رونقاً وجمالاً، وفي الشرق ينساب من البحيرة جدول ماء تروي مياهه بساتين الوادي ذات الأشجار المتنوعة والكثيفة، ويخترق هذا الجدول المدينة من جنوب غربها ويتفرع في وسطها إلى عدة جداول تروي بساتين "يبرود" وحقولها، وكانت مياه هذا الجدول في الماضي تصل إلى منتصف المسافة بين "يبرود" والنبك"، كما أن مياه هذا الجدول كانت تدير سابقاً عدة مطاحن للحبوب تدار بقوة الماء وبميكانيكية عجيبة لم يبق منها الآن سوى مطحنة واحدة، ونبع وادي "قرينا" الذي يدعى "عين الدير"، ومن المؤكد أنه كان قديماً يجاور ديراً للرهبان المسيحيين قد أقيم قرب هذا النبع، هذا الدير كان قد أقيم على أنقاض معبد وثني لحوريات المياه كان قد بني قرب النبع وبقربه أسد منقوش على الصخر شبيه بالحيوانات التي تحرس مدخل مدفن "سكفتا" مغارة الشيخ "محمد"، واسم "قرينا" نفسه الذي يطلق في أيامنا على البحيرة برهان أكيد على وجود بناء المعبد ودليل على حوريات المياه التي تكرم فيه».

مدخل يبرود

أما الوادي الآخر المجاور ليبرود فهو "وادي سكفتا" الذي يقع غربي المدينة، فيحدثنا عنه الكاتب "نور الدين عقيل" فيقول: «هذا الوادي الذي أصبح ذا شهرة عالمية كبيرة بعد سلسلة أبحاث تاريخية جرت فيه وبعد اكتشاف آثار إنسان العصور الحجرية القديمة فيه، يبدأ الوادي بمضيق صخري قائم الأطراف ثم يتسع قليلاً، وتنبع من جهته الغربية عين ماء جارية عذبة تدعى "عين اسكفتا"، تسير في جدول يروي بساتين الوادي وحقوله والتي زرعت باشجار الفاكهة المتنوعة، وفي نهاية الوادي ينحرف هذا الجدول باتجاه الشمال الشرقي لري البساتين وكروم العنب في منطقة "عقوزا"».

أما عن "يبرود" ومعناها فيقول "عقيل": «"يبرود" كلمة آرامية وردت في كتاب الجغرافي اليوناني "بطليموس القلووذي" الذي عاش في القرن الثاني الميلادي باسم "ايبرودا".

إحدى شوارعها

لقد استوطن إنسان العصور الحجرية "يبرود" منذ الدور الطبقي الرابع، حيث كانت المنطقة مكسوة بالغابات، وعلى عتبات الجبال المتوجة بالحجر الكلسي وجدت مغاور طبيعية لجأ إليها الإنسان، وأصبحت المنطقة مأهولة بكثافة في تلك العصور الساحقة في القدم وقد تكيف الإنسان مع البيئة الطبيعية ليبرود فالتقط ثمار أشجارها واصطاد حيوانات أحراجها وغاباتها، وصنع أدواته الضرورية من حجارة الصوان الصلبة حيث كان يصنعها بالطّرق، واستطاع ذلك الإنسان أن يؤسس ويقيم مسكنه ويستخدم جلود الحيوانات كساء له».

أما عن أهم الآثار التي وجدت في "يبرود" فيقول: «لعل أهم الآثار التي وجدت في القبور التسعة في "يبرود" هي أربعة فؤوس برونزية لسانية الشكل من النوع الكنعاني، والتي شاع استعمالها في بلاد السام خاصة منذ مطلع الالف الثاني قبل الميلاد، وهذه الفؤوس التي ظهرت في قبر واحد مثل الأختام الاسطوانية يمكن إرجاع تاريخها للعصر البرونزي، إن "يبرود" غنية بالمغاور والقبور الأثرية المتكشفة حديثاً وقديماً وهي من المناطق الأثرية العالمية التي نقبت فيها الكثير من البعثات الأجنبية».

يبرود من الجبل

يتابع: «يمتاز أبناء "يبرود" بالإقبال على العلم والتعلم، وقد ساعد على ذلك وجود المدارس التبشيرية الأجنبية والمدرسة الدينية ثم المدارس الرسمية فيها منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتكاد تكون الأمية حالياً مفقودة وضئيلة جداً في المدينة، وقد أدى إقبال أبناء هذه المدينة على العلم إلى نيل المئات منهم أعلى الشهادات الأدبية والعلمية من الجامعات السورية واللبنانية والأوروبية والأمريكية، ومنذ منتصف هذا القرن تقلد عدد من رجالات هذه المدينة ومثقفيها العديد من المناصب الإدارية والسياسية والعسكرية في الدولة.

ومن الملاحظ والمؤكد أن جميع سكان "يبرود" من كلتا الديانتين المسيحية والإسلامية يعيشون ظروفاً اقتصادية واجتماعية وفكرية واحدة، حيث تسود الألفة والمودة والتفاهم والوئام بين الجميع».