تزين أيام الشهر الفضيل في "دمشق" مظاهر تراثية عديدة لعلّ أهمها الرقص الصوفي "المولوية" التي أخذت بالانتشار حتى بلغت العالم العربي والأجنبي، وبات لها فرق إنشاد ديني متخصصة تحيي هذا الطقس الرمضاني أثناء الحفلات وصلاة التراويح وفي الأعياد المباركة،
من هنا كان لـ"e Syria" حواراً مع السيد "زهير سلامة الخراط" مؤسس فرقة الإنشاد الديني الثانية على مستوى "سورية"، وذلك أثناء لقائه في 10/9/2008 في مطعم "ألف ليلة وليلة"، مستوضحاً منه خصوصية هذا النوع من الفنون، ومدى تأثيره على النفس، ورسالته في تنمية الأخلاق والصفاء الروحي.
عندما أدور بلباسي التراثي أخرج من واقع الحقيقة إلى عالم مثالي يخلو من الأهواء والعتمة، ويرقى بي نحو الفضيلة والصفاء
ولد "الخراط" في "دمشق" عام 1950، عمل في مجال الإنشاد الديني عام 1980مع رابطة المنشدين السوريين بقيادة المنشدين "توفيق المنجد وسليمان داوود وحمزة شكور"، والمميز أن أعضاء فرقته ككل هم أولاده وأحفاده "بلال"، "مؤيد"، و"محمود"، و"سامر"، و"بشار"، و"محمد"، و"زهير"، و"فادي"، و"علي أبو نجم"، والأطفال راقصي المولوية "محمد ملوك" و"أحمد ملوك" و"عبد الرحمن" و"أحمد الخراط".
*أوجز لنا بعضاً من تاريخ "المولوية"، ودخولها إلى "دمشق"؟
**تأسست "المولوية" على يدّ مولانا "جلال الدين الرومي"، المولود عام1207 في القرن السابع الهجري في "أفغانستان"، والده عالم ديني من "بلخ" الواقعة في "إيران"، والدته من أسرة حاكمة في "خوارزم"، وهي فقيهة في علوم الدين والشريعة، و"الرومي" له مؤلفات موجودة في الشرق والغرب، قيل عنها أنها كتب عظيمة. أما دخول الرقصة إلى "دمشق" فكانت على يد الشيخ "عمر البطش" ومنه نقلها الأجداد إلى الأحفاد وهكذا.
*كيف أوحي بالرقصة إلى المبدع "جلال الدين الرومي" بتصورك؟
**يعتني الصوفي بالقلب مركز الحب الإلهي، وهذا أوحى بالرقصة الصوفية إلى مولانا "جلال الدين الرومي" عندما خرج لصلاة الفجر فرأى الورد والزهور والربيع والندى والجمال والنقاء وسمع زقزقة العصافير، ففتح قلبه للدنيا وراح يدور، قائلاً: «مجرات النجوم تدور، وجميع الكواكب تدور، والدورة الدموية في الجسم تدور، وحجاج بيت "الله" الحرام حول الكعبة يدورون، وقطرات الماء في الدنيا من البحار إلى السماء فالأرض عائدة إلى البحار، إنها تدور».
*ماذا عن الدلالات التي يؤديها المولوي في حركاته؟
**يضع المولوي على رأسه الطربوش ويرتدي تنورة بيضاء طويلة حتى القدمين وحين يبدأ بالرقص يثبت قدمه اليسرى على الأرض ويحرك اليمنى ويدور بعكس عقارب الساعة، رافعاً يده اليمنى نحو السماء طالباً الرحمة والخير من "الله" ويده اليسرى يجعلها باتجاه الأسفل رافضاً للشر أيّاً كان وجوده، وحركة اليد الممدودة والأخرى على الكتف للتحية ورونق الأداء، واليدين مضمومتين على الصدر بشكل متعاكس والجسد ثابت والرأس محني، تقليد مأخوذ عن مولانا "جلال الدين الرومي" أثناء تنفيذه "للمولوية" والبرد من حوله يجمد أطرافه، فضم يديه إلى صدره للشعور بالدفء والحرارة وباتت حركته مرافقة للأداء بشكل دائم.
انجذاب الغرب إلى الفن الصوفي
*فرقتكم في الإنشاد الديني الصوفي، ماذا عن تاريخها؟
**أنشأت الفرقة منذ 20 عاماً على الأقل، وتتألف من 25 شخصاً بين عازف وراقص ومنشد، ومن الموشحات الدينية الأساسية التي ننشدها أثناء عرض المولوية: "هاتي يا جويدا الركب غن، يا إمام الرسل يا سندي، صلي يا نبي، يا حمام المدينة، يا طيبا، من يلم في غرامي، يا أبا الزهرة، يا أجمل الأنبياء". ومن الموشحات الأندلسية: "إن طال جفاك يا جميل، أحنّ شوقا إلى ديار الحبيب، يا شادي الألحان" وغيرها
*هناك معترضون للفن الصوفي؟
**بعض الناس انتقدوه، وقالوا أنه بدعة مأخوذة من الوهم، لكن شتان ما بين المعرفة الإلهية والمزاعم الفارغة.
*زرتم أماكن مختلفة من العالم، كيف وجدتم تقبل وحضور المولوية؟
**تنوعت الأماكن التي زرناها في العالم، منها "بيروت، و"الإمارات"، و"دبي" و"أبو ظبي"، و"باريس"، و"إيطاليا" وأثناء أسفارنا فاجأنا الجمهور الأجنبي بانجذابه إلى فننا الصوفي، ومتعطش إلى رؤيته ومتابعته بكل تفاصيله وحركاته المتعلقة بالرقص المولوي والإنشاد الديني، حتى أننا عندما ننهي العرض يجتمع حولنا لإعطائه فكرة عن الإنشاد في "سورية" و"المولوية" وأسرارها، فكان الحضور في الحفلة الواحدة من 2000- 3000 آلاف شخص تقريباً على عكس الجمهور السوري ومتابعته لنا وأثناء تجوالنا شاركنا في مهرجان دار الأوبرا "بباريس" مرتين وزرنا ولاية "أوهايو" في "أميركيا"، وقدمنا عروضاً حققت نجاحاً لم يكن متوقعاً، وخلال عيد الفطر سننطلق بدعوة رسمية إلى "لبنان" لإحياء الفن الصوفي هناك.
*ما مدى انجذاب الجمهور السوري للإنشاد دون تقديم المولوية؟
**نقدم أحياناً عروض الإنشاد بدون "مولوية" فنرى جمهوراً أقل مما يكون عند تواجدها، ويتضاعف بشكل ملحوظ واهتمام كبير عند اكتمال العرض، ونحن بإدخالنا السرور إلى القلوب المثقلة بضغوط الحياة ورؤيتنا للبهجة تعمّ الجميع، تتملكنا مشاعر الوحدانية مع "الله"، والرضا عما نفعل.
"دمشق" ماض نسترشد منه الحكمة والفضلة
*بعد تقديمكم لهذا المظهر التراثي الجميل، كيف تنظرون "لدمشق" ؟
**باتت "دمشق" في عصرها الراهن من المدن الحضارية الملمّة بكافة جوانب الإرث التاريخي الحاضر بيننا كعلم وماض نسترشد منه الفضيلة والحكمة، والإنشاد الديني و"المولوية" باتا فناً منفتحاً إلى الحضارات الأخرى، مؤثراً فيها كرسالة خلقية تحمل سمة الإجلال والإكبار.
*تحيون حفلاتكم خلال "رمضان" في مطعم "ألف ليلة وليلة" حبذا لو نتحدث حول خصوصية العمل؟
** منذ افتتاح مطعم "ألف ليلة وليلة" باشرنا عروضنا بتواصل يومي على مسرحه، وأدهشنا ازدياد الإقبال خاصة في العشر الثاني والثالث من الشهر الفضيل. أما خصوصية العمل فنحن نقدم قبل الإفطار وصلة من الأناشيد الدينية وقراءة القرآن، وعند الإفطار نقوم بالآذان الجماعي وفق الطريقة المتبعة في مسجد "بني أمّية" الكبير "بدمشق" وبعد الإفطار نقدم الأناشيد مرفقة برقصة "المولوية" والموشحات الدينية والأندلسية.
*الشهر الفضيل ماذا يوحي إليكم؟
**نرى في الشهر الفضيل الخير والبركة والألفة التي تجمع الناس مع بعضهم البعض وتشعرهم بعناء الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، ولعلنا بما نقدم نخفف من تلك الآلام والمعاناة، ونلقي في قلوبهم بصيصاً من الهدوء والأمل.
تاريخ يستعيد حضوره وعراقته
أجرى الـ"eSyria" محاورات قصيرة مع بعض أعضاء فرقة "زهير سلامة الخراط" والبداية كانت مع السيد "عبد المهيمن فارس" منشد وضابط إيقاع، حيث قال: «أشعر عبر جوقة العمل بصفاء النفس، ومجرد سماع الأناشيد الدينية والموشحات نشعر بالتفاؤل والسكينة، وصداها يلقي في معابر الصمت الروحانية والقداسة».
أما السيد "مؤيد الخراط" مولوي، قال: «ذهبت في صغري إلى جامع المولوية، وشاهدت أجواء دينية تصوفية أثّرت بي وتعمقت بها، فكانت طريقاً اخترته مصيراً لي، احتراف عبر هذا الفن وأعمل على تنميته بالأداء الحسن».
وقال السيد "محمود الخراط" مولوي: «عندما أدور بلباسي التراثي أخرج من واقع الحقيقة إلى عالم مثالي يخلو من الأهواء والعتمة، ويرقى بي نحو الفضيلة والصفاء».
ومن جانب الحضور في مطعم "ألف ليلة وليلة"، قالت السيدة "زبيدة توفيق المنجد": «تربيت على الطقس الصوفي، وأكثر ما شدني إليه الأناشيد الدينية و"المولوية"، التي قدمتها فرقة المنشد "زهير الخراط"، لكنها أحيت بأصالتها ذكريات قديمة عشتها مع الراحل "توفيق المنجد"، وأرى أن كل من عمل على أحياء أجواء "رمضان" في "دمشق" عبر هذا التراث، هو صوت أصيل يعيد إلى التاريخ حضوره وعراقته.