أسرار وخفايا خبأتها الثياب المترامية هنا وهناك، وأصوات الباعة التي تصدح بكل مكان فيه، وزبائن تتفحص الألبسة بأيديهم وعيونهم، والبعض منهم بعين واحدة فالأخرى تتفقد المكان خوفاً من شخص قد يتعرف عليهم، ومنهم من خُصص لهم مكان عميق في تلك المحال يتفحصون به الملابس بعيداً عن أعين الزبائن الآخرين، ويبقى هؤلاء الذين تصلهم نوعية خاصة من الملابس إلى منزلهم فهناك لن يكتشف أحد بأنهم من زبائن سوق البالة "بدمشق".

ما هو مصدر البضاعة ومن هم زبائنها وهل تعقم قبل البيع وكيف وهل هي أجنبية كما يقولوا؟. كثيرة الأسئلة التي اعتبرها أصحاب هذه المهنة أسرار لا يمكن إفشائها لأحد إلا أن بعض الباعة الجوالين منهم كشفوا في 11/11/2009 لـ esyria"" ما اعتبروه خفايا سوق البالة فكان التحقيق التالي:

توجد تراخيص للمحال ولكن يجب أن لا تكون البضاعة خارج المحل وإنما بداخله، وبالنسبة للبسطات فهي ممنوعة

«يوجد فرق بين بضاعة محال البالة وبضاعة البسطات» بهذه الجملة ابتدأ الملقب "بأبي خالد" حديثه عن ألبسة البالة وهو الذي عمل في سوقها الكائن في شاع "خالد بن الوليد" "بدمشق"، وأضاف: «تقسم ملابس البالة إلى درجات أولى وثانية وثالثة، وبسبب اختلاف السعر بينها لا يمكن لصاحب بسطة الملابس المتجول أن يبيع ملابس الدرجة الأولى فهي مرتفعة مقارنة بغيرها، لذلك تباع تلك البضاعة في محال سوق البالة».

سوق البالة

وعن شريحة الزبائن التي تأتي إلى السوق أجاب "أبو خالد": «كل شرائح المجتمع تأتي إلى سوق البالة إلا الأغنياء كثيراً منهم ولكن أكثر الزبائن هم من الطبقة الوسطى. هناك من كان يتفحص الملابس عندنا في المحل وهو ينظر يمنةً وشمالاً خوفاً من شخص قد يعرفه، لذلك كنا نخصص غرفة داخلية لنوع خاص من الزبائن الذي يترددون بشكل دائم إلى المحل، وهناك من يطلب رؤية الملابس في بيته وهؤلاء يدفعون دون أخذ ورد مقابل القطعة التي تعجبهم».

وحول حقيقة هذه البضاعة إن كانت أجنبية أم محلية فقد اختلفت الآراء؛ منهم من اعتبرها أجنبية وآخرون قالوا بأنها تجمع الاثنين ولكن الشاب "مازن.ك" وهو صاحب أحد المحال في السوق قال: «تأتينا البضاعة من خارج "سورية" في أكياس مغلقة تحوي أشكال مختلفة من الملابس، وعند فتحها تكون البضاعة في غالبها أجنبية، ولكن البعض منها يكون صناعة "سورية" مخصصة للتصدير تعود وتأتي من الخارج على شكل بضاعة بالة فيظن الزبون بأنها محلية، وهي في نوعيتها جيدة جداً وتنافس البضاعة الأجنبية».

إحدى بسطات الألبسة

أخفى معظم الباعة مصدر بضاعتهم لأسباب لها علاقة بسر المهنة، ولكن ما يتعلق بنظافة تلك الثياب وعملية تعقيمها أجاب "مازن": «تخضع هذه الملابس للتعقيم مرتين، إحداها في البلد مصدر البضاعة، والأخرى هنا في "سورية" بالإضافة إلى كيها بحرارة مرتفعة».

«ملابس البالة ترتبط بالحظ بشكل كبير» هذا ما يعتقده السيد "لؤي.ل" وهو زبون هذا السوق من سنوات. وأضاف مشغولاً بتفحص الملابس: «قد تنزل إلى السوق عشر مرات من دون جدوى، وقد تنزل مرة واحدة وتجد كل ما تحتاجه لذلك لا بد أن يتمتع زبون هذا السوق بالصبر كي يحصل على ما يريد».

محل بالة

وحول رأيه في فكرة ارتباط سوق البالة بشريحة الفقراء كمفهوم سائد في مجتمعنا قال "لؤي": «هذه الفكرة غير صحيحة إلى حد ما، فأنا باستطاعتي شراء بنطال جديد وبنفس سعر بنطال البالة، لاسيما أن أسعار الملابس في سورية رخيصة مقارنة بالدول المجاورة، ولكن نوعية ملابس البالة أفضل بكثير فهي أجنبية، والعديد من شرائح المجتمع بطبقاته المختلفة تأتي إلى البالة في الغالب من أجل نوعية البضاعة وليس السعر هو الهدف دائماً».

وعن وجود تراخيص لهذه المحال وظاهرة انتشار باعة الملابس الجوالين قال السيد "منير.ع" وهو صاحب إحدى بسطات ملابس البالة: «توجد تراخيص للمحال ولكن يجب أن لا تكون البضاعة خارج المحل وإنما بداخله، وبالنسبة للبسطات فهي ممنوعة».

دائرة الخدمات في محافظة "دمشق" أكدت مخالفة تلك البسطات وملاحقتها بشكل دوري، ومخالفة المحال التي تسيء للمظهر الحضاري للمدينة عبر بضاعتها مهما كانت.