"الصفائيون" تسمية أطلقت على القبائل العربية التي استوطنت قريباً من تلول الصفا البركانية وما حولها إلى الشرق من جبل العرب، وخلفت لنا كميات كبيرة من الكتابات والنقوش والرسوم، ويعتقد بعض المستشرقين أن التسمية ذكرت في نقش يوناني عثر عليه في قرية "صميد" بجبل العرب مقرونة بالإله زيوس الأول.

وكانت القبائل الصفائية تتنقل طلبا للكلأ والماء وتجوب منطقة واسعة تمتد من الصالحية- دورا أوربوس- على الفرات إلى منطقة بدنه في السعودية جنوباً ومن أم الجمال في الأردن إلى صحراء الرطبة في العراق شرقا، وقد دوّن أفرادها ذكرياتهم وخواطرهم وأحاسيسهم بكتابات فردية نقشت على الحجارة المنتشرة في عرض الصحراء وطولها، وتركزت على أطراف الوديان، ولم يكن الصفائيون أعراباً، وإنما كانوا بين البداوة والحضارة، يربّون قطعان الماشية من الإبل والغنم والماعز ويتنقلون بها فيقضون الصيف في الجبال هربا من حر الصحراء ويقضون الشتاء في أماكن أخرى قرب الوديان والقيعان يزرعون الرحبة ويحرثون أرضها ويجنون محاصيلها.

بنأله بن أس بن صاعد وولد الضأن فيا أللات سلام وغنية للذي يترك النقش ووجم على أخويه صاعد وعلى قادم من قبيلة نغبر سنة أبلغ قيصر أن مات شعب الروم وفات وقد وشتت دمشق

وتركّزت النقوش بشكل خاص على الرجوم الحجرية التي استخدمت كقبور للموتى أو قريبا منها، وترافقت النقوش في كثير من الأحيان بالرسوم والوشوم ومشاهد الصيد والقتال والمبارزة ومشاهد الرقص واللهو"2".

الأستاذ غازي علولو

وقد أظهرت النقوش "الصفائي" معتدّاً بنسبه ونسب أجداده وقبيلته، وبدا في الصور المرافقة للنقوش كفارس يمتطي جواده ويتقلد رمحه ويطارد أعداءه أو كراجل يتنكب سيفه وترسه، ويرى بعض المؤرخين أن أصول الصفائيين من جزيرة العرب، هاجروا إلى الشمال، وسكنوا جنوب سورية وحافظوا على طابعهم الجنوبي، وتأثروا بمن جاورهم من الشعوب والقبائل وقد كتبوا بخط عربي لعلّه ولد من الخط العربي الجنوبي القريب من الخط الثمودي واللحياني، وأقدم الكتابات ترجع إلى القرن الأول قبل الميلاد وآخرها يرجع إلى القرن الرابع الميلادي "3".

أرخت النقوش الصفائية بحوادث محلية بسيطة قريبة إلى نمط حياة أبناء القبائل من رعي وصيد وغيره أو بأحداث لها علاقة بالأمم والشعوب المجاورة كالفرس والرومان والأنباط وزخرت النقوش بتكرار ذكر أسماء المدن والحواضر الرئيسة التي ترددوا عليها أو تاجروا معها مثل تدمر وبصرى وسيع والحيرة والنمارة وحوران والرحبة في حين أن اسم مدينة "دمشق" يذكر لأول مرة في النقوش الصفائية والعربية الشمالية بهذه الصيغة وقبل البدء في تحليل هذا النقش لابد من الإشارة إلى أن الاهتمام بالنقوش الصفائية بدأ منذ عام 1857م على يد قنصل بروسيا في "دمشق" وهو "سيريل جراهام".

صورة عامة لوادي السيح

ثمّ توالت الرحلات إلى نفس المنطقة حتى تمكن كل من علماء اللغات "ج. هاليفي" و"بريتوريوس" و"إنو- ليتمان" من فك رموز أبجديتها، ثم تابع علماء الآثار واللغات زياراتهم لمناطق تواجدها، فدونوا وجمعوا الكثير منها، وقد تكلل جهدهم بإصدار مجلد ضخم جمع فيه ما يزيد عن 5380 نقش سمي مدونة النقوش السامية، وقد توقف العمل في هذا المجال في سورية مع مطلع القرن الماضي باستثناء بعض النقوش التي وصلت إلى دوائر الآثار في "دمشق" و"تدمر"، وبلغ عدد النقوش المنشورة ما يقارب أربعة عشر ألف نقشا صفائيا.

ولم يتجدد العمل إلا في عام 1995م بفريق من المديرية العامة للآثار والمتاحف ضم كاتب البحث، حيث جمعت ما يزيد على أربعمئة نقش من هذا الموقع، عثر على هذا النقش في منطقة "وادي السيح" على رابية خفيفة الارتفاع تتوسط الوادي المنساب متعرّجا باتجاه الجنوب، وقد نقش الكاتب سفره على حجر بازلتي ذو سطح أملس وبحروف غائرة عريضة وبخط أقرب إلى ما يسمى الخط المربّع الذي يعدّ من أقدم الخطوط الصفائية، والذي استخدم في القرن الأول قبل الميلاد ويبدو قريبا بشكله من الخط المسند ونصه.

نقش دمشق

"لـ ب ن أ ل هـ بن أس بن ص ع د وول د هـ ض أن ف هـ ل ت س ل م و غ ن ي ت لـ ذ دع ي هـ س ف ر ووج م ع ل أخ وهـ ع ل ص ع د و ع ل ق د م ذأل ن غ ب ر س ن ت ل أ ك ق ص ر أن م ي ت ع م رم و ف ت و ق د د م ش ق".

لـ «بنأله بن أس بن صاعد وولد الضأن فيا أللات سلام وغنية للذي يترك النقش ووجم على أخويه صاعد وعلى قادم من قبيلة نغبر سنة أبلغ قيصر أن مات شعب الروم وفات وقد وشتت دمشق».

لـ لام الملكية التي تبدأ بها جميع النقوش الصفائية ومن ثم يتبعها اسم صاحب النقش وسلسلة نسبه منتهيا باسم قبيلته.

ب ن أ ل هـ: اسم مركب ورد في الصفائية بمعنى بن إله "4".

أ س: ويرد في الصفائية بصيغة أسَّ بمعنى بنا أو بصيغة أوس ويعني أعطية.

وول د هـ ض أن: من التراكيب التي ترد في الصفائية بمعنى ولـد الغنم.

اللات: وهي من أهم الآلهة الصفائية التي يتكرر ورودها في النقوش الصفائية، حيث استغيث بها لنيل السلامة والقبول والنصر على الأعداء والثأر والنقمة والغنيمة، وقد ذكرت في نقوش آرامية من القرن الخامس ق.م، وفي مصادر المؤرخين اليونان مثل هيرودتس وسترابو "5".

استمر العرب في عبادتها حتى ظهور الإسلام فذكر "ابن الكلبي": أن العرب عظموها ومثلوها على شكل صخرة مربعة في الطائف وقد كان يهوديا يلتّ عندها السويق وقد بقيت ماثلة حتى هدمها وحرقها المغيرة بن شعبة "7".

لـ ذ: اللام حرف جر و ذ: اسم موصول بمعنى الذي.

دع ي: فعل ماض مجرد على وزن فعل يرد في الصفائية بمعنى ترك أو أبقى النقش أو حافظ عليه.

هـ س ف ر: الهاء هي أل التعريف في الصفائية، وترد كلمة هـ س ف ر مرادفة لكلمة هـ خ ط ط التي تعني النقش والرسوم المرافقة له.

و وج م ع ل أخ و ي هـ: من الأفعال التي ترد في الصفائية لتدل على الحزن والتوجع وكان الصفائي يعبر عن حزنه وتوجعه وحنينه إلى أحبائه بوضع حجر نقش عليه اسمه ونسبه.

ص ع د: من الأسماء الشائعة في الصفائية يرد بمعنى صاعد.

ق د م: كذلك هو من الأسماء الشائعة وهو بمعنى قادم.

ذ أ ل ن غ ب ر: يسبق اسم القبيلة عادة الأداة ذأل ثم يتبعه اسم القبيلة ويبدو من نقوش أفراد هذه القبيلة أن موطنها كان في جنوب سورية وتتنقل منازلها بين جبل سيس والعيساوي والحفنة والرحبة ووادي الشام "7".

ل أ ك: فعل ماض مبني للمجهول يرد أول مرة في النقوش الصفائية بمعنى أبلغ وفي العربية الملاك والملاكة الرسالة،وألكني إلى فلان أبلغه عني "8".

ع م: ترد الكلمة في الصفائية بمعنى شعب.

رم: ترد في الصفائية مشيرة إلى الروم أو السلطة الرومانية.

و ف ت: يرد الفعل أول مرة في الصفائية بمعنى فت الشيء ومزقه.

و ق د: يرد في الصفائية بمعنى فرق وشق.

س ن ت ل أ ك ق ص ر أن م ي ت ع م رم و ف ت و ق د دم ش ق:

لقد أرخت بعض النقوش الصفائية بأحداث تبدو بسيطة لنا بينما هي مهمة بالنسبة للصفائي لأنها تتعلق بأمور تمس حياته اليومية كولادة الضأن أو وفاة أحد الأشخاص أو ببعض الظواهر الطبيعية في حين تزخر بعض النقوش الأخرى بالعديد من الإشارات التاريخية الهامة التي تتعلق بأحداث سياسية أو عسكرية معروفة لكاتبيها ومجهولة لدينا.

وقد عبّر الصفائيون عن علاقاتهم السياسية مع جيرانهم من شعوب المنطقة والتي تربطهم بهم إما علاقات ودية مثل الأنباط أو علاقات عدائية كالرومان الذين كانوا يرفضون الخدمة في جيشهم لذلك فقد طاردوهم ليعيدوهم إلى الخدمة أو ليعاقبوهم وكان تمرد القبائل الصفائية من الأحداث الهامة التي أرّخ بها كاتبو النقوش فقد تمردت قبيلة "آل عويذ" وهي من أكبر القبائل الصفائية وأكثرها قوة ضد الرومان "9".

والنقش موضوع البحث يشير إلى ثورة سكان "دمشق" على سلطة القيصر الروماني البعيد عن "دمشق" وقتلهم ربما لجميع أفراد الحامية الرومانية أو فرقة من الجيش الروماني الذي يقيم في "دمشق" وقد أبلغ القيصر بهذه الحادثة فرجع إلى "دمشق" ليعمل تنكيلا وقتلا بأهلها وليشردهم ويمزقهم كل ممزق لكن النقش لم يعلمنا باسم القيصر الروماني أو بأي أحداث أو إشارات يمكن أن تساعد في تكوين صورة عامة وتاريخ واضح لهذه الثورة.

وفي الحقيقة لم تتوقف الثورات ضد السلطة الرومانية المحتلة وما يمكن قوله إن مدينة "دمشق" كانت أهم مدينة في سورية الداخلية إبان الحقبة اليونانية والرومانية، وكانت سورية تخضع للإشراف الإمبراطوري المباشر منذ العام 27 ق.م، وكان يتولى إدارتها مندوب يحمل لقب "أوغسطوس" ويحمل رتبة قنصل سابق، وكان تحت أمرة الحاكم الروماني قوات رومانية، ويقيم في "إنطاكية" لأنها عاصمة الولاية السورية "10". ومن المعروف أن المناطق الجنوبية الشرقية ظلت بمنأى عن السلطة الرومانية، وامتد سلطان العرب الأنباط من البتراء حتى حوران ووصل نفوذهم إلى "دمشق" فترة من الزمن، غير أن الرومان قضوا على الأسر المحلية بشكل تدريجي وجردوا مناطقهم من السلاح وحولوهم إلى حراس ثم قضوا على مملكة الأنباط في عام 106م التي تنازعهم السيطرة على جنوب سورية، التي كانت تمثل لهم صومعة حبوب الإمبراطورية الرومانية وتسبح على فائض من القمح والشعير والزيت والنبيذ "11".

وهكذا يبدو أن ولاء "دمشق" كان يتأرجح بين هاتين السلطتين اللتين تطمحان للسيطرة على أهم مركز تجاري في سورية، وعقدة طرق المواصلات القديمة وفي حقيقة الأمر فإن النقش لا يعطينا صورة واضحة عما حدث كذلك فان المصادر التاريخية الرومانية لم تخبرنا عن أحداث هذه الثورة أو أي ثورات مشابهة وبالتالي فتاريخ هذا النقش يبقى مجهولا ويمكن أن يستدل منه على أن "دمشق" كانت تتوق إلى الاستقلال والتخلص من النفوذ الروماني وكذلك فإن تاريخ النقش على الأرجح يرجع إلى بداية الاحتلال الروماني لسورية وقبل أن تبسط سيطرتها وتحتل كامل المنطقة، وفي وقت كان "الأنباط" ندا قويا للسلطة الرومانية ومن المرجح أن يكون تاريخ النقش هو النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد.

1- "ديسو"،"رينيه": العرب في سورية: ترجمة "عبد الحميد الدواخلي" ص27.

2- "علي"، "جواد": المفصل في تاريخ الاسلام، ج3 ص142 وما بعدها

Clark1979:6 -3

4- HIN:118

5- المعاني: 1988

6- "ابن الكلبي" 1924: 16-17.

7- LP:361 CIS:85.

8- "ابن منظور": لأك.

9- CIS:1292

10- سارة 2004ص:294

11- كلينكل: آثار سورية القديمة:64.

المصادر والمراجع العربية والأجنبية:

ابن الكلبي، هشام بن السائب ت:456هـ

الأصنام تحقيق: أحمد زكي . القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر.

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن محمد ت: 711هـ

لسان العرب: طبعة مصورة عن بولاق ، الدار المصرية للتأليف والترجمة.

سارة، خليل

تاريخ الوطن العربي في العصور الكلاسيكية : جامعة دمشق 2004م

كلينكل، هورست

آثار سورية القديمة: ترجمة قاسم طوير، منشورات وزارة الثقافة: 1985م

المعاني، سلطان

اللات في النقوش الصفائية: رسالة ماجستير غير منشورة: جامعة اليرموك :1988.

Clark ,V.

1983 : A study of new safaitic Inscriptions from gordan. University Microfilms International.

CIS Corpus inscription semiticcarum Harding lankester.G. L HIN) 1971 : An In dex and Concordance of pre-Islamic Arabian Names and Inscription:University. of Toronto:

Enno، Littmann.

1943: Safaitic Inscription Division Iv Section Leiden LP