"باب توما" أو "الزهرة" من الأبواب السبعة الأصلية للمدينة القديمة، بناه الرومان، ويميل الظن إلى أنهم شيّدوه على أنقاض الباب الروماني، وأن هذا الأخير ربما أقيم على أنقاض الباب الآرامي الأسبق، حيث يبلغ ارتفاع الباب الحالي 438 سم وعرضه 322 سم وسماكته 7 أمتار، وهو مغطى بقبوة مدببة نحو داخل المدينة، وهو من الأبواب القديمة المشهورة في المدينة.

موقع "eSyria" وللوقوف عند تاريخ "باب توما" الذي مرّ عليه عصور وملوك وحروب كثيرة قام بإجراء عدة لقاءات مع أهل المنطقة والمؤرخين الذين كتبوا عن هذا الباب،

أمر بعمل هذا الباب والسور مولانا السلطان الملك "ناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين سيد الملوك والسلاطين "داوود" بن المولى الملك المعظم "شرف الدين عيسى" بن الملك العادل "سيف الدين أبي بكر بن أيوب" بتولي العبد الفقير إلى رحمة ربه "محمد بن قرشي" في سنة خمس وعشرين وستمئة"

وهنا يقول الأب الباحث "أيوب سميا" أحد المرخين الذين كتبوا عن تاريخ "دمشق": «بعد أن احتل المدينة القائد "بارمينيو" بأمر من "الاسكندر الكبير المقدوني" تلميذ "أرسطو" الفيلسوف سنة 333ق.م، قام اليونان بتنسيبه لكوكب الزهرة تيمناً وتباركاً، ونحتوا فوق الباب نقشاً حجرياً بارزاً لصورة ذلك الكوكب الذي تمثله في معتقداتهم وعباداتهم آلهة الحب والجمال والتوالد "أفروديت" ومعناها باليونانية "الوردة الفرحة"».

من داخل السور

يؤكد هذه النسبة مؤرخ "دمشق" الكبير "ابن عساكر" إذ يقول في أحد كتبه: «باب توما للزهرة».

وخلال لقائنا بالأستاذ "رامي ناصيف" مدرس تاريخ قال: «يذكر الأب الباحث التاريخي "أيوب سميا" أنه بعد مرور /81/ سنة على موت "الإسكندر المقدوني" أي في سنة 142 ق.م، تولى سورية الملك السلوقي "تريغون" مزاحماً "ديمتريوس" الثاني، فرمم ما تشعّث من السور في عهد "ديمتريوس" بتأثير هجمات "بطليموس" ملك "مصر"، ومن جملة ما رمم باب الزهرة "باب توما"، وقد نقش تاريخ الترميم بحرفين يونانيين هما "IIA" على حجر ظاهر ويعنيان العدد /81/ المعادل لسنة 142 ق.م، ويشاهد الحجر اليوم في الجهة الشرقية من الأثر إلى جهة ساحة "باب توما" على علو متر من الأرض، ويبلغ طوله 125سم وارتفاعه 85سم، أما الحرف الصغير /A/ الذي يسبق الحرفين المذكورين ولا يجانسهما في الحجم فيعني حرف الجر "في"، كما يذكر أن الباب الذي أقامه اليونان شيّدوه بقوس ضخم واحد ترتكز على أسكفة عظيمة تمتد فوق عضاضتي الباب وعليها سطور كتابة يونانية تتعلق بعبادة "الزهرة" وبالبناء، ونقشوا في الفسحة بين القوس والأسكفة صورة الفتاة التي تمثل "الزهرة"، وفي الخصور الداخلية لحجارة القوس نقشوا أفقياً رمز البيضة والهلالين خطاً نصف دائرة».

رسمة الزهرة

"باب توما" أو "الزهرة" اسم الباب الذي انتقل بين حروب وهجمات عديدة على المدينة التاريخية، هنا وخلال لقائنا بمختار "باب توما" السيد "كبرئيل خليل شاهين" حدثنا عن سبب تسمية الباب "توما" أو استبداله: «عندما احتل الرومان "دمشق" سنة 64ق.م كانوا يعبدون نفس الآلهة باسم آخر هو "فينوس"، فتركوا كل شيء من عهد اليونان على حاله، لكنهم أبدلوا الاسم وأبقوا على النقش الذي يمثل "الزهرة"، كما حصنوا هذا الباب وزادوا منعته. منذ أن صارت دولة الرومان مسيحية في عهد الامبراطور "قسطنطين" الأول الكبير في القرن الرابع الميلادي، وصارت تعرف بالدولة البيزنطية جرت هذه الدولة على خطة الوثنيين في تسمية أبواب "دمشق" وبقية المدن الكبرى ونسبتها إلى الكواكب، لكنها قامت باستبدال هذه النسبة إلى أسماء قديسين وأعياد دينية، وكان من نصيب "باب توما" أن نُسب إلى القديس "توما" الرسول أحد تلامذة السيد المسيح، فأقاموا باسمه كنيسة وديراً في موضع معبد "ديونيسيوس" إله الخمر عند اليونان، وكان موقعه خارج الباب على الضفة الشمالية لفرع من فروع نهر بردى في ذلك المكان، كما أقاموا كنيسة أخرى بنفس اسم "توما" داخل الباب».

إذاً نسب اسم الباب "باب توما" نسبة إلى القديس "توما"، ولكن ثمة أسماء أخرى نسب إليها الباب، عن ذلك يقول الأب الباحث "أيوب سميا": «في أيام الامبراطور البيزنطي القوي "هرقل" قام صهره واسمه "توما" الذي كان بطريقاً والياً على سورية التي كانت قاعدتها "دمشق" بتحصين الباب وتدعيمه بعد أن كان قد تصدع نتيجة زلزال قوي، فظن بعض مؤرخي العرب بعد الفتح الإسلامي أنه سمي باسمه، كما ذهب البعض الآخر منهم إلى أنه منسوب لقرية في الغوطة الشرقية اسمها "توماء" وكانت تتصل بقرية "الصوفانية" محلة الصوفانية في "القصاع" اليوم».

باب توما قديماً

كان "باب توما" من أشهر الأبواب في الزمن البيزنطي، وكذلك الدير الذي سمي باسمه، وكانت تقام عنده مهرجانات عيد القديس "توما" وبقية المناسبات المتعلقة به، هكذا يقول لنا مختار"باب توما" السيد "كبرئيل": «يذكر أنه عند الفتح العربي لدمشق سنة 14هـ نزل على هذا الباب القائد "عمرو بن العاص" وكان من قواد العرب أثناء حصاره "عبد الرحمن بن أبي السرح" الذي أنشد شعراً يقول فيه:

"ألا أبلغ أبا سفيان عنا بأننا/ على خير حالٍ كان جيشٌ يكونها

وكنا على بابٍ لتوماء نرتمي/ وقد حان من بابٍ لتوما حيُونُها"

أما عن الحروب والهجمات التي تمت بالقرب من هذا الباب وحوله فيقول الباحث الأب "أيوب سميا": «صارت على "باب توما" في صيف 14هـ/634م حروب هائلة بين الروم بقيادة البطريق "توما" والي "دمشق" والعرب الملسمين بقيادة "شرحبيل بن حسنة الصحابي" وأحد كتّاب الوحي، إلا أنه كان تحت إشراف الأمير "أبي سليمان خالد بن الوليد" الذي كان منوطاً به أمر الحصار على البابين "الشرقي" و"توما"، وطالت مدة هذه الحرب والحصار شهرين وعشرة أيام، وكان الروم في بدئها يخرجون من الباب ويواقعون العرب، وكان انكسارهم أكثر من انتصارهم حتى لزموا المدينة وانحصروا فيها، واقتصر دفاعهم على الباب وجهتيه، إذ كانوا يرمون العرب بالنبال من المرامي، ولم يكن المسلمون طوال هذه المدة يضيقون على "دير توما" ولا على غيره من الأديرة التي كانت متقاربة خارج السور، إذ لم يروا من رهبانها مقاومة بل مسالمة، فكان العرب يعاملونهم بالحسنى».

أحداث تاريخية مهمة جرت قرب الباب، كما أنه تم إنشاء مآذن وكنائس وجوامع قريبة منه، عن ذلك يكمل "أيوب": «في العهد الأموي شيّد "عبد الله بن درّاج" كاتب رسائل "معاوية" على هذا الباب برجاً عُرف باسم "برج الدراجية" ولا أثر له اليوم، وعند الحصار العباسي لدمشق سنة 132هـ نزل على هذا الباب "حميد بن قحطة"، أما في العهد الأتابكي االنوري قام السلطان "نور الدين محمود بن زنكي" الملقب بالشهيد بترميمه مع كامل السور، وأقام عنده مسجداً ورفع فوق الباب مئذنة كما فعل في بقية أبواب المدينة، حيث أزيل المسجد بدايات الاحتلال الفرنسي لدمشق في العشرينيات من هذا القرن عند تنظيم المنطقة، كما أزال المئذنة المهندس الفرنسي "إيكوشار" في الثلاثينيات وقبيل الحرب العالمية الثانية تنفيذاً لمخططه في إعادة تنظيم منطقة "باب توما"».

في العهد الأيوبي أعاد الملك "الناصر داوود بن الملك المعظم "عيسى" بناءه بعد أن تشعّث ونقش على عتبته من الداخل نصاً مؤرخاً مثلما يقول "أيوب" كتب فيه: «أمر بعمل هذا الباب والسور مولانا السلطان الملك "ناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين سيد الملوك والسلاطين "داوود" بن المولى الملك المعظم "شرف الدين عيسى" بن الملك العادل "سيف الدين أبي بكر بن أيوب" بتولي العبد الفقير إلى رحمة ربه "محمد بن قرشي" في سنة خمس وعشرين وستمئة"».

أما في العهد المملوكي أمر نائب الشام "تنكز" بإصلاح "باب توما" فشرع فيه وجعل ارتفاعه أذرعاً، وجددت حجارته وحديده في أسرع وقت، ونقش على عتبته من الخارج كما يخبرنا "أيوب سميا": «في البداية البسملة، ومن ثم نص يقول، "جدد هذا الباب المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين "محمد" بن مولانا السلطان الشهيد المنصور "قلاوون الصالحي" أعز الله أنصاره وذلك بإشارة المقر الأشرفي العالي المولوي الأميري الكبيري الغازي المجاهدي المرابطي المثاغري المؤيدي الممالكي المخدومي السيفي "تنكز الناصري" كافل الممالك الشريفة بالشام المحروس عزّ نصره وذلك في العشر الأول من ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وسبعمئة"».