«كان حجر الرحى أداة رئيسية في بيتنا وبيوت الكثيرين في الماضي، وكنا نعتمد عليه اعتماداً كبيراً في تحضير خبزنا اليومي. ففي كل يوم كنت أطحن القمح ثم أعجنه وأخبزه لأنه لم تكن في تلك الأيام الطواحين التي تسير بقوة الماء أو المحروقات موجودة».
بهذه الكلمات تصف الحاجة "أم إياد الفالوجي" التي التقاها موقع eDaraa بتاريخ 10/1/2009 "حجرالرحى" الذي كان يرمز عند أبناء الجيل الماضي إلى الثراء والرغبة في تقديم خدمة مجانية في سبيل الله لأهل الحي، بل وحافظ على مكانته حتى بعد أن انتشار المطاحن الآلية، فهو يؤدي غرضاً آخر وهو طحن الحبوب والبقول.
لم يكن بيت من بيوت "درعا" القديمة يخلو منه، فهو يتكون من طبقتين دائرتين من حجر البازلت الأسود «الصوان
السيد "الياس العيد" أحد أبناء الجيل الذي شهد أمه وجدته تستخدم "حجر الرحى" فتحدث عن أجمل عادات امتلاكه بالقول: «كانت المرأة التي تمتلك "حجر الرحى" في بيته تضعه في ساحة البيت أو تحت العريشة لتستعمله كل من تريد من الجارات استخدامه، وكان ذلك يدل على كرم ربة البيت فهو يعتبر أيضاً عملاً خيراً في سبيل الله ويتناقل الناس أن في بيت فلان (جاروشة) سبيل مهيأة دائماً لكل من يحتاجها، وعادة ما تتردد النساء على البيت الذي يحوي "الرحى" فتساهم في جلب العرسان خاصة للفتيات اللواتي يحافظن على الجلوس في المنزل».
ويضيف السيد "الياس" قائلاً: «هناك أقوال مأثورة كثيرة تصف تواجد "الرحى" في المنزل لدى سكان المنطقة مثل "اللي ما عندو مزيونة يقني له طاحونة" لأنه سوف يرى الجميلات كل يوم يدخلن ويخرجن على بيته من أجله أما الناس الأغنياء فكانوا يطحنون قمحهم في طاحونة عمومية تدار بقوة الماء والهواء أو الحيوانات».
أصوات جعجعة "حجر الرحى" تدفع بالحاجة "منى السعدي" لتستذكر أيام الشباب وليعود بها حنين الذكريات عقوداً للوراء فتحدثنا عن أيام الحصاد وبركتها بالقول: «كنا نذهب عالحصيدة ونأخذ معنا الماء والخبز والزاد وكل شيء على ظهورنا، وعندما نرجع نحمل معنا القمح، فنَدُقُّ سنابل القمح بالحجر ثم نغربله وننقيه ومن ثم نطحنه بأيدينا على الجاروشة فنعجن ونخبز، وهكذا نستعد ليوم جديد من العمل».
السيد "عايد العبد الله" وعن مواصفات "حجر الرحى" واستخدامه يقول: «لم يكن بيت من بيوت "درعا" القديمة يخلو منه، فهو يتكون من طبقتين دائرتين من حجر البازلت الأسود «الصوان» المعروف بخشونة ملمسه يوجد في وسط الطبقة العليا دائرة مفرغة، عبارة عن حفرة صغيرة يرتفع من مركزها قطعة معدنية تحافظ على بقائها متطابقة مع الجزء السفلي الأملس من الجاروشة يوضع فيها القمح أو العدس أو الشعير بعد غربلته وتنقيته من الشوائب والحجارة وعلى طرف حافتها العليا يوضع مقبض خشبي تدار حركة الجاروشة بواسطته، وبعد وضع الحبوب وإدارة الجاروشة بشكل دائري يتهاوى العدس المقشر لأنصاف والبرغل من أطرافها وصاحبتها تحتضنها».
ويذكر السيد "عايد" أن عملية الطحن التي كانت تقوم بها النساء كان يرافقها غالباً غناء مقاطع من أغاني التراث "الحوراني"».
لا تزال حتى أيامنا هذه بعض المنازل والعائلات تستخدم "حجر الرحى" الذي ورثه الأبناء عن الآباء والأجداد والذي تعد رمزاً من رموز التراث الشعبي في العديد من قرى "حوران" على الرغم من التطور والتقدم الصناعي.