تلعب القهوة العربية دوراً اجتماعياً في حياة أهل البادية، ولهم عادات ما زالوا محافظين عليها، فقلب "الدلة" وسكب القهوة حداداً على شيخ العشيرة، وإصدار صوت خفيف تنبيهاً للضيف، وهز الفنجان يميناً وشمالاً دلالة على كفايته من القهوة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 كانون الثاني 2014 المعمر "مروان الخضر" الذي تحدث عن عادات وتقاليد القهوة العربية لدى أهل البادية بالقول: «تُعدّ القهوة رمزاً من رموز الكَرَم عند العرب، يُفاخرون بشربها وتُعَدّ مظهراً من مظاهر الرّجولة في نظرهم، كما تعبر عن الكلام والفرح والحزن أيضاً؛ فإذا سمع البدوي بموت زعيم القبيلة أو شيخ العشيرة أو أي صديق فإنه يعبر عن حزنه بأن يسكب القهوة على الأرض ويترك "الدلة" بشكل مقلوب مدة محددة دلالة على الحداد».

تُعدّ القهوة رمزاً من رموز الكَرَم عند العرب، يُفاخرون بشربها وتُعَدّ مظهراً من مظاهر الرّجولة في نظرهم، كما تعبر عن الكلام والفرح والحزن أيضاً؛ فإذا سمع البدوي بموت زعيم القبيلة أو شيخ العشيرة أو أي صديق فإنه يعبر عن حزنه بأن يسكب القهوة على الأرض ويترك "الدلة" بشكل مقلوب مدة محددة دلالة على الحداد

وأضاف: «للقهوة عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وفي كل القبائل، فيجب أن تسكب القهوة للضّيوف وأنت واقف وتمسك بها في يدك اليُسرى وتقدم الفنجان باليد اليُمنى، ولا تجلس أبداً حتّى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة، بل أحياناً يُستحسن إضافة فنجانٍ آخرٍ إلى الضّيف في حال انتهائه من الشرب خوفاً من أن يكون قد خجل من طلب المزيد، وهذا غايةٌ في الكرم عند أهالي البادية».

دلال القهوة

ويشير الباحث "أسعد الفارس" في كتابه "شعب ومدينة على الفرات الأوسط" بالقول: «عند سكب القهوة وتقديمها للضّيوف يجب أن تبدأ من اليمين عملاً بالسّنة الشريفة، أو تبدأ بالضيف مباشرةً إذا كان من كبار السّن، والمُتعارف عليه أنّك تصبّ القهوة حتّى يقول الضّيف: "كفى"، أو يهزّ فنجان القهوة.

ويحفظ أهل الفرات قصائد القهوة في مضارب البدو ومنها:

القمقوم

"يا كليب شب النار يا كليب شبه... عليك شبه والحطب لك يجاب

وبليلة يا كليب صلف مهبه........ مجرسنين وسوقهن بالعقاب"».

وأضاف: «مهارةُ صبّ القهوة أيضاً أن تُحدِثَ صوتاً خفيفاً نتيجة ملامسة الفنجان لـ"الدلّة"، وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحاً، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، كما أنّ مِن مهارة شرب القهوة أن يهزّ الشّارب الفنجان يميناً وشمالاً حتّى تبرد القهوة ويتمّ ارتشافها بسرعة. يقول الشاعر:

"قم سوما يصبغ الصين لذياب... بدلال يشدن البطوط المحاديب

واحمس ليامن العرق فوقهن ذاب.... واستد ما يجذب عليه من الشراريب

ليا صبغ فنجانها كنه خضاب....... ورس صبغ بكفوف بيض الرعابيب"».

ويتابع "الفارس" بالقول: «بلغ من احترام البدو والعرب للقهوة أنّه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف، فيضع فنجانه وهو مملوء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: "ما حاجتك؟" فإذا قضاها له، أمَره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه، وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه؛ فإنّ ذلك يُعدّ عيباً كبيراً في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة. ومن قولهم:

"عقب العشا يرهم على الضيف نشدات..... ومعلوم إن اسم المعزب يسيلة

طرايف ولا القصايد كثيرات........ والصدق ما يجزع فهيم حكيله"».

وأضاف الباحث "محمد عواد" حول طريقة تحضير القهوة العربية بالقول: «القهوة تحظى بالكثير من الاحترام عند العرب من أهل البادية، تُحمّص القهوة أوّلاً على النار بواسطة إناءٍ معدنيٍ مقعرٍ يُسمى "المحماسة"، وتُحرّك القهوة حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة ملعقة طويلة، ثم تُطحن القهوة بواسطة إناء معدنيٍ يُسمّى "النّجر" وتوضع مع بهاراتها المعروفة، كالهيل، في "دلة" كبيرة تُسمّى "القمقوم" أو "المبهار" ثم تُسكَب بعد عدّة عمليات مُركّبة في "دلة" مناسبة وتُقدّم للضّيوف».

أما عن أنواع الفناجين لدى البدو فقال "عواد": «فنجان القهوة ثلاثة أنواع هي: (فنجان الضيف وفنجان الكيف وفنجان السيف)، "فنجان الضيف": يصب الفنجان للضيف ليشربه على اعتبار أنه ضيافة كما أنه بمثابة الخبز والملح "الممالحة"، و"فنجان الكيف": يصب فنجان آخر للضيف ليشربه وهذا للكيف والسعادة والنشوة، و"فنجان السيف": يصب للضيف ويعني إذا جاء قوم غزاة على هذه العشيرة فعلى الضيف أن يدافع معهم».

وأضاف: «إذا كان الضيف أكثر من واحد، اثنين أو ثلاثة مثلاَ من الشيوخ ومن مستوى واحد؛ فعلى المضيف إحضار ثلاثة رجال ليصبوا القهوة لهم وفى آن واحد، ومن ثم إلى بقية "المعازيم"، وإذا لم يتواجد ضيوف وكانوا من العشيرة، فتصب القهوة أولاً إلى أكبرهم سناً؛ لأن العرب يحترمون السن، أو إلى الشيخ أو إلى أكرمهم ثم إلى أفرسهم لأن القهوة تخصيص، أما الشاي فـ"قص"، أي من اليمين إلى اليسار».

ويبين الباحث "عبد القادر عياش" حول آنية القهوة كما يسميها أهل البادية وهي: "المحماس": هو إناء من الحديد مدور له ذراع يمسك بها، وتوضع فيه حبوب القهوة لتحميصها على النار، و"الهاون": هو المطرقة النحاسية التي تدق بها حبوب القهوة لطحنها وجعلها ناعمة كالدقيق، و"الملقط": هو أداة مصنوعة من الحديد تستعمل لمسك الجمر وتجميعه داخل موقد النار، و"القمقوم": هو "دلة" كبيرة يحفظ بها مشروب القهوة، مصنوعة من النحاس، و"المصافي": هي دلال نحاسية صغيرة تصفى بها القهوة ويصب منها للضيوف».