حينما سألناه عن معنى اسمه؛ أجاب: «معناه الفارس». لكن يبدو أن هذا الفارس لا يملك جواداً بل اعتاد امتطاء صهوة ريشته ويتجول بها في كل زاوية من زوايا الصفحة البيضاء الماثلةِ أمامه ليخلق منها تفاصيل غامضة عن حكايته مع الحبيبة التي سئم انتظارها.
"سوار قرموطي" شابٌ في العقد الثالث من العمر يهوى الرسم منذ الصغر لكن لم تتفجر هذه الموهبة إلا عندما اقتحم سهم العشق أسوار قلبه ثم غدّرَ به؛ ليعبّر فيما بعد من خلال ريشته سوداوية الحياة التي لازمته؛ ولتتخطى رسوماته واقعية الحدث لتقفز إلى الفكر السريالي الرمزي.
استطاع "سوار" تطوير نفسه والانطلاقة بشكلٍ قوي خلال فترةٍ قصيرة؛ ولشدة اندفاعه للرسم أصبح ككتلةٍ من النار ملأى بالقوة؛ لذلك فإن معظم لوحاته تتميز بهذه الصفة من خلال ألوانه النارية المفعمة بالتوهج
فخلال حديثه لموقع eDairalzor تكلم "سوار" عن أبرز محطات حياته مع الفن التشكيلي؛ قائلاً: «كانت اللوحات الفنية تستوقفني وتشد انتباهي منذ سن العاشرة؛ وحاولت مراراً الرسم على دفاتري المدرسية بقلم الحبر الأزرق دون أن يكون لي أدنى فكرة عن هذا الفن الجميل؛ واصلت ممارسة هوايتي في الرسم عدة سنوات أخرى دون أية منهجية أو قاعدة ارتكز عليها، وعند بلوغي الخامسة عشرة أو يمكن أن اسميها سن المراهقة عشقتُ فتاةً كبّلت قلبي بأغلال حبها؛ فلم أكن أجد أحداً أشكي له اشتياقي وحنيني لها إلا الريشة والصفحة البيضاء التي أمامي؛ يمكن القول بأن هذه الفترة كانت الانطلاقة الحقيقية لي للإبحار في محيط الفن التشكيلي».
ويتابع حديثه: «حاولتُ فيما بعد تغيير النمط الذي أرسمه لذلك توجّهت لاستخدام قلم الفحم الذي أعطاني ثقةً أكبر للاستمرارية، وأثناء تأدية خدمة العلم استفدتُ من أوقات فراغي بتقوية أسلوبي في الرسم بوساطة الألوان الزيتية وممارسة الخط العربي معاً وكانت لهذه التجربة الأخيرة فضلٌ كبير للغوص عبرها في عالمٍ أكثر اتساعاً».
كغيره من المواهب الفنية الشابة حاول "سوار" الانتقال من بيئته إلى بيئةٍ يبحث فيها عن الجديد والاستفادة من خبراتٍ أخرى أكثر إبداعاً؛ فكانت وجهته إلى "دبي" عاد بعدها حاملاً معه الكثير من الأفكار الغنية؛ فيتحدث عن رحلته تلك:
«عندما سئمت البقاء في الوسط الذي أعيشه ووصلتُ لدرجةٍ لم أعد أُقدّم أي شيءٍ جديد؛ قررتُ السفر والبحث عن فتحةٍ أتنفس فيها الصعداء وبالفعل حملت حقيبتي وغادرتُ "القامشلي" قاصداً إمارة "دبي" وهناك اختلف علي كل شيء؛ فتعلمتُ فن الرسم على النحاس والزجاج واستخدام الألوان بشكلٍ أكثر حرفية واستفدتُ أيضاً من تجربة فنانين كبار من (إيران؛ الهند؛ والفلبين) بالإضافة إلى فنانين سوريين مُقيمين هناك والذين منحوني الثقة وأشادوا بموهبتي الفنية».
لم ينتسب "سوار" إلى أية أكاديمية فنية أو مركزٍ لتعلّم فن الرسم؛ حتى إنه لا يُدين بإبداعه في التلاعب مع الألوان لأحد إلا لمخيلته الواسعة، لذلك نجد بأن لوحاته عبارة عن خليطٍ من الأفكار المتشابكة التي تُعبر بشكلٍ أو بآخر عما يكمن في ذاته الإنسانية؛ فيقول: «ليس لدي معلمٌ أو أستاذ في الفن لأقتدي به؛ فمواضيع لوحاتي كلها من عالمي الخاص وكل لوحةٍ منها هي مزيجٌ من الأفكار والأحاسيس المجتمعة التي تُخبئ بين طياتها الكثير من القصص والحكايات؛ لذلك يصطدم الكثير من الناس بصعوبة تفسير معانيها، وكما أسلفت فليس لدي معلم إلا أنني أتأثر بأعمال فنانين عالميين مثل "سلفادور دالي" الذي يتخذ من السريالية أسلوباً لعبقريته لذلك نجد في لوحاته عنصر الابتعاد عن الواقع والاقتراب أكثر من الخيال الخاص به».
وخلال وجودي في مرسمه الصغير لفت انتباهي الكثير من اللوحات التي تحمل رسوماً لأنثى شبه عارية؛ وهذا بالتأكيد فنٌ تسابق إليه الكثير من المُبدعين العالميين وكان لكلٍ منهم هدفه الخاص وراء رسم هذه اللوحات؛ لكن ما هي غاية "سوار" من رسمها؟؟... «كما هو معروف فإن تركيبة الجسد المادية مُعقدة تتألف من جلد وأوردة ودم وكل ذلك يضفي طابعاً خاصاً على هيئة الإنسان الجسدية ككتلة واحدة، لذلك فإتقان رسم الجسد هو إبداعٌ ما وراءه إبداع لصعوبة التوغل في ثنايا وتفاصيل الجلد وخاصةً الوجه والجسد العاري، وجسد المرأة بالذات يتميز بتعقيداتٍ وتفاصيل أكثر من جسد الرجل لذلك أحاول خوض هذه التجربة لكسب المزيد من الخبرة، وبالنهاية لكل إنسان تفسيره الخاص لمثل هذا النوع من اللوحات».
ووسط لوحاته المبعثرة بشكلٍ فوضوي في زوايا مرسمه؛ يمكن للزائر مشاهدة عددٍ من المنحوتات الغامضة التي تحمل في ثناياها الكثير من الألغاز والتساؤلات؛ فيقول: «على الرغم من عظمة فن الرسم بالريشة والألوان إلا أنني توجّهت لاحقاً إلى فن النحت ووجدته قوياً بما يكفي ليُفرّغ فيها الإنسان شحناته القوية التي تداهم هواجسه بين الفينةِ والأخرى، ففي أغلب الأوقات لم تكن الريشة تتجاوب مع حالتي النفسية والخشونة التي كنت استخدمها في اللوحة؛ لذلك كان العنفُ واضحاً في أغلب الألوان المُستخدمة على متن الصفحة؛ وجاء النحت ليكون ملاذي ودوائي في مثل هذه الحالات لأنني رغم العنف الذي استعمله مع الحجر الأصم في ترجمة أفكاري؛ إلا أنه يظهر دائماً أقوى مني ويُخفف من شدة عنفواني تجاهه».
تجدر الإشارة إلى أن "سوار قرموطي" من مواليد قرية "كوتيان" التابعة لمدينة "القامشلي" عام /1980/م، وآخر تحصيل علمي ناله هي شهادة الثانوية الزراعية ويعمل حالياً في الدعاية والإعلان وتصميم الديكور، لم يشارك في أية معارض فردية أو جماعية مع أن مرسمه يحتضن أكثر من /70/ لوحة مشغولة بالفحم والألوان الزيتية والرسم على النحاس والزجاج والنحت بالإضافة إلى لوحات للخط العربي.
*** قال عنه بعض الفنانين:
"مهيار محمود" فنانٌ تشكيلي يقول: «استطاع "سوار" تطوير نفسه والانطلاقة بشكلٍ قوي خلال فترةٍ قصيرة؛ ولشدة اندفاعه للرسم أصبح ككتلةٍ من النار ملأى بالقوة؛ لذلك فإن معظم لوحاته تتميز بهذه الصفة من خلال ألوانه النارية المفعمة بالتوهج».
"فريد حسو" فنان تشكيلي أسلوبه أقرب إلى الكلاسيكية من السريالية؛ يقول: «لديه نشاطٌ مُتميّز وقدراتٌ فنية كبيرة؛ يحاول دائماً تطوير نفسه لمنافسة الكبار؛ طموحه كبير في الوصول إلى القمة؛ يستخدم ألواناً خاصة به وأسلوبه أقرب إلى الخيال وتأثره واضحٌ برواد المدرسة السريالية».